محمد الرميحي
حديث الكويت عن الانتخابات والديمقراطية والمرشحين منسوبه مرتفع هذه الأيام، إلا النساء في بلدنا فإن صوتهن ضعيف. برنارد لويس، وهو كاتب ذائع الصيت درس الثقافة العربية، ومفكر وكاتب مُختلَف عليه عربيا، شقٌّ عربي يرى فيه الموضوعية، وآخر يرى فيه التحيّز. كتب في مجلة laquo;الشؤون الخارجيةraquo; ذائعة الصيت في عدد laquo;مايو، ويونيو 2005raquo; في محور تحت عنوان laquo;ربيع العربraquo;، مقالا حول العرب والإسلام قال فيه: laquo;العدل مفهوم إسلامي أصيل، ظهر مع الدعوة المحمّدية، ولم يكن ممارسا في الثقافات الأخرى المعاصرة له، حيث إن الثقافتين السائدتين آنذاك؛ واحدة شرقية تمارس التراتبية الاجتماعية بقسوة (نظام الطبقات في الهند)، وأخرى غربية إقطاعية تمارس (القنانة) أي: عبيد الأرضraquo;. ثم أكمل لويس رأيه بالقول: الاستثناء من قاعدة العدل ثلاثة، الموقف من العبيد، والموقف من الديانات الأخرى، والموقف من المرأة. ثم استطرد لويس للتدليل على قوله: laquo;إن شخصا عربيا مسلما من خلفية متواضعة وفقيرة في القرن التاسع عشر يستطيع أن يرتقي إلى أعلى الدرجات الاجتماعية في مجتمعه العربي المسلم، بأسهل مما يستطيع فرنسي في فرنسا حتى بعد الثورة الفرنسية، أو أميركي في أميركا الشمالية حتى بعد الاستقلال الأميركيraquo;. أردت أن أضرب هذا المثل لبعض أهلنا المتشككين في قيمة العدل التي حققها الإسلام بشكل مطلق بين الناس، بصرف النظر عن جنسهم، وهي شهادة غربية، وعلى لسان شخصية يعتبرها البعض معادية. العدل قيمة إنسانية بالغة الأهمية في تقدم الشعوب، إن حاورنا لويس في نقده فإن الموقف من العبيد والعبودية جرى عليه تغيير كبير من جراء مرور قرون من التجربة، فلم يعد موجودا على الأرض العربية الإسلامية، عدا عن كونه ممارسة ساهم فيها الغرب نفسه، فروما تاجرت بالعبيد واستمرت تلك التجارة حتى تاريخ استنزاف الرجال والنساء من أفريقيا إلى الأرض الجديدة أي أميركا. أما الموقف من الديانات الأخرى فهناك ألف دليل على تجاوزه، وآخرها دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأخيرة لحوار الأديان وحديثه عن بابا الفاتيكان الذي التقاه قبل فترة، فكلٌّ له دين وكلّ دين محترم، ولا يجوز -عقلا اليوم- قبول رأي برنارد لويس في القضيتين آنفتي الذكر. بقي موضوع المرأة وموقف المجتمع منها، وهو الأمر الذي يقودنا إلى الممارسة الديمقراطية في الكويت، فإذا كان العدل قيمة أساسية في الثقافة الإسلامية فإن عزل المرأة واستبعادها أو النظر إليها على أنها مواطنة من الدرجة الثانية، شيء منافٍ للعدل وعادة اجتماعية اكتُسِبت بسبب الجهل أولاً، وبسبب الوضع الاقتصادي الاجتماعي ثانياً، وليس لأسباب تمتّ إلى التراث بصلة، وهو موقف يتنافى مع العدل ومع العقل معاً. الموقف الاجتماعي من المرأة يتطور بتطور المجتمع. إذا اتفقنا على ذلك، فإن الموضوع يمكن تفكيكه ثم تركيبه من جديد لمصلحة العدل، فالمجتمعات العربية تتطور بتطور ممارساتها الاقتصادية وبتطور وعيها، وهو موقف يذكرنا بانتحار الأرامل في الثقافة الهندية حتى وقت متأخر من القرن العشرين، ولم تعد هذه الممارسة مقبولة عقلياً ولا قانونياً. إن مشاركة المرأة العربية في النشاط الإنساني العربي أضحت مقبولة ومرغوبة، إلا أن مؤسسات التوجيه لم تقم بما هو مناط بها من حيث إنصاف المرأة العربية وتعزيز دورها الحيوي، والتي مازالت تناضل من أجل تحقيقه. لقد أنصفتها بعض القوانين، أما الممارسات فما برحت تراوح مكانها. عملت المرأة الكويتية في شتى الأعمال من العمل التربوي إلى الطبي إلى الدبلوماسي إلى الصحافي إلى الوزاري، اقتحمت تلك الأدوار باقتدار، والمرأة الكويتية -والخليجية- هي ليست امرأة المسلسلات التي تظهرها بثوب سلبي بالغ السوء، بل هي الأم والأخت والزوجة... وما يلفت النظر، أنه وعلى الرغم من كل الصعاب السياسية فإن امرأة كويتية هي السيدة نورية الصبيح خاضت بنجاح تجربة التعامل مع استجواب برلماني قاسٍ، استخدمت فيه كل الأدوات المتاحة من أجل النيل من جهدها، وخرجت منه سالمة. أليس من المفيد أن نذكر أيضا السيدة معصومة مبارك عندما قدمت استقالتها من منصبها كوزيرة بسبب خطأ غير مقصود، وضربت بذلك مثلا رائعا في تحمل المسؤولية. فالمرأة في الكويت إذن قادرة على المساهمة الاجتماعية مثلها مثل أخيها الرجل. اليوم تجري محاولات انتخابات فرعية مخالفة للقانون في الكويت استعداداً لدخول المعركة الانتخابية، والمرأة تشكل أكثر من نصف الناخبين، ولا يُلتفَت إلى رأيها، وتتشكل القوائم الانتخابية على أشكالها ولاأحد يرى أن نصف المجتمع يجب أن يكون ممثلاً فيها حكماً، وما ذاك إلا تحقيقاً للعدالة والممارسة الديمقراطية في آن. لا يجوز أن ندخل غمار الانتخابات المقبلة في الكويت ونحن نرفع شعارات الديمقراطية ونهمل أكثر من نصف مجتمعنا، على الدولة أن تتقدم بـlaquo;كوتاraquo; للمرأة الكويتية، وهي بذلك لاتسنُّ سنة جديدة، بل تتابع سُنّةً عُمل بها في العديد من الدول العربية والإسلامية، تمكينا للمرأة الكويتية من الإسهام النشط في شؤون بلدها وتطوره، كما أنها تحقق قيمة العدل.
التعليقات