عبدالمحسن حمادة

خرجت القوات الاميركية من ديارها قبل خمس سنوات بقيادة بوش والمحافظين الجدد لاحتلال المنطقة العربية الاسلامية، خرجوا مغرورين بقوتهم التي ظنوا انها لا تقهر، خرجوا لتحقيق المشروع الاميركي الذي يقوم على فرض الهيمنة على مصير العالم، ورأوا ان السيطرة على المنطقة العربية الاسلامية يجب ان تكون نقطة البداية لتحقيق ذلك الحلم، للاستفادة من ثرواتها والتحكم في مصادر الطاقة والاستفادة من موقعها الاستراتيجي حتى يكون القرن الحادي والعشرون قرنا اميركيا خالصا، جاءوا يقودهم الجشع والطمع لتكوين الامبراطورية الاميركية العظمى تكون فيه الشركات الاميركية الكبرى قادرة على نهب ثروات الامم والتحكم في الاقتصاد العالمي، وحاولوا ان يستروا اهدافهم الشريرة الواضحة بأكاذيب لتضليل العالم ومن أهم تلك الاكاذيب.
قالوا انهم جاءوا لتدمير اسلحة الدمار الشامل العراقية، ولارتباط النظام العراقي بتنتظيم القاعدة ولنشر الديموقراطية في العراق، واليوم بعد مرور خمس سنوات على شن تلك الحرب الظالمة، اكتشف العالم اكاذيب بوش وادارته، فلا وجود لاسلحة دمار شامل عراقية، اما تنظيم القاعدة فلم يدخل العراق الا مع مجيء القوات الاميركية، اما بالنسبة لتحويل العراق الى واحة للديموقراطية، فقد تحول الى دولة فاشلة تسوده الفوضى والدمار، فمن يستطيع محاكمة بوش على جرائمه البشعة؟ وهل من مصلحة العالم السكوت عن تلك الجرائم وان يسمح للرئيس الاميركي ان يستخدم القوة الاميركية الهائلة لاحتلال الدول وتدميرها وسلبها حريتها وسيادتها وقتل شعوبها وتعذيبهم دون مبرر اخلاقي سوى تحقيق اطماع الشركات الاميركية؟ ليس من مصلحة العالم ان يسكت عن بوش وادارته ليدمروا الامم المتحدة، ذلك الصرح العالمي الذي ابتكره مفكرو العالم بعد كارثة الحرب الثانية ليجنبوا البشرية تكرار تلك المأساة، انهم ارادوا من قيام الامم المتحدة ان تتحد الدول في وجه اي دولة كبرى تريد ان تسيطر على دول صغرى بقوة السلاح، وهو ما فعله بوش وادارته انهم يكررون الاكاذيب نفسها التي استخدمها النازيون قبل الحرب العالمية الثانية.
يبدو ان الرئيس الاميركي اصبح مقتنعا ان من حقه ان يفعل ما يشاء، فهو يريد ان يصادر قرارات الامم المتحدة، ويضع نفسه فوق القانون الدولي، فاذا تعارض مع اطماعه فسيدوسه باقدامه، لذلك نراه في كل عام بمناسبة ذكرى غزوه للعراق، يقف مفتخرا متباهيا بتلك الجرائم، ولكنه في هذا العام في الذكرى الخامسة للغزو لم يستطع ان يخفي ملامح الكآبة التي تغشى وجهه وهو يلقي خطابه الذي كرر فيه الانجازات الكاذبة التي حققها من تلك الحرب الفاشلة، فمن يقارن بين صورة بوش في هذا العام وصورته قبل خمس سنوات عندما هبط من الطائرة على متن الحاملة الاميركية مغرورا يبشر بانتهاء العمليات وان المنطقة من باكستان الى المغرب اصبحت خاضعة للنفوذ الاميركي، سيدرك الفرق بين المشهدين، ولاشك ان الظلام الذي كان يعلو وجهه في هذا العام لا يعبر عن حزنه على ضحاياه من العرب والمسلمين، فهو لا مانع لديه من افناء الامة لتحقيق اطماعه، كما اباد اسلافه الهنود للاستيلاء على ثرواتهم وممتلكاتهم، بل كانت كآبة المنظر في وجهه تعبيرا عن شعوره بالمرارة والحقد لفشل المشروع الاميركي في المنطقة، بعد ان قتل اكثر من 4 آلاف من المارينز و30 الف جريح واضعاف هذا العدد من المرتزقة الذين جلبهم الى العراق، وانفق من المال الاميركي 600 مليار دولار او كما يعتقد بعض الاقتصاديين انه قد يصل الى 3 تريليونات، واصبح استمرار هذه الحرب يهدد الاقتصاد الاميركي، وتساقط اعوانه من المحافظين، ولم يبق منهم سوى ديك تشيني الذي زار المنطقة اخيرا وادرك ان الاميركان يغرقون في المستنقع العراقي، فحث الانظمة العربية على مقاومة النفوذ الايراني في العراق وهو يعلم ان النفوذ الايراني لم يتزايد الا بعد مجيء القوات الاميركية، ولكنه اراد ادخال العرب في فتن وحروب مع الايرانيين، ظنا منه ان اشعال حروب جديدة في المنطقة سيساعد على انقاذ المشروع الاميركي.
والآن ما هو المتوقع من هذه الحرب؟ بالنسبة لاميركا من الواضح انها بنت استراتيجيتها على الاستمرار في احتلال العراق لفترة طويلة الامد، ولن تتراجع بسبب الخسائر الفادحة التي تسببها تلك الحرب ولن تستمع الى اصوات آلاف المعارضين من شعبها، هذا ما يقوله بوش وادارته وبعض المرشحين للرئاسة ومن خلفهم المسيطرون على المال والاقتصاد الاميركي، وتتبع وسائل شتى لتحقيق ذلك، منها بناء قواعد ضخمة في العراق وخلق فتن بين ابناء الشعب العراقي كالفتنة بين السنة والشيعة وبين العرب والاكراد ونجحت اخيرا في اشعال الاقتتال بين ابناء الشيعة، لاضعاف مقاومة الاحتلال لدى الشعب العراقي، وتطالب الانظمة العربية ان تمد لها يد العون للهيمنة علي العراق، ومن يمتنع عن مساعدتها تصفه بالارهاب وتهدده بالعقوبات.
اما بالنسبة للموقف العربي فمن الواضح ان هناك انظمة قد باعت العراق كما باعوا فلسطين من قبل، باعوا تلك الدولة التي تعتبر من اهم الدول العربية شعبا وتاريخا واقتصادا، فبعضهم يصف الاحتلال بأنه تحرير ويسخر اعلامه لتمجيد الاحتلال وتجميل صورته والسخرية من المقاومة وتشويه سمعتها، ويستقبل قادة الاحتلال بالاحضان ويستمع الى توجيهاتهم وينفذ اوامرهم ويعاقب من ينتقد سياسات الاحتلال، والى جانب هذه الانظمة يقف اصحاب الاقلام العربية المأجورة لينشروا ثقافة الاستسلام، فهل تستطيع المقاومة العراقية الباسلة في ظل هذه الظروف الصعبة ان تخرج المحتل مهزوما من العراق؟ ان هزيمة المقاومة ستتسبب بكارثة للمنطقة، فقد كان صمودها هو الذي منع المحتل من تحقيق اهدافه الشريرة كالامتداد الى سوريا وايران والقضاء على المقاومة اللبنانية والفلسطينية، واستبدال الانظمة العربية حتى المتعاونة معه بأنظمة اخرى تكون اكثر قدرة وجرأة في تحقيق مشاريعه، فهو يريد تفتيت المنطقة واذلال شعوبها وتبديل اخلاقها ومعتقداتها، لذا يجب التفكير بمساعدة المقاومة العراقية لافشال مشاريعه.