محمد السعيد ادريس

يمكن بسهولة وصف الحرب ldquo;الإسرائيليةrdquo;، الحالية على قطاع غزة بأنها ldquo;حرب المراجعات ldquo;الإسرائيليةrdquo;rdquo; حيث استفاد ldquo;الإسرائيليونrdquo; كثيراً من الدروس التي استخلصوها من حربهم على لبنان صيف ،2006 وأهم هذه الدروس ضرورة التركيز لمدة كافية على استخدام مكثف للقصف الجوي والصاروخي عن طريق البحرية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، والتحسب الشديد لأي مواجهات برية، أو على الأقل استخدامها في اللحظات الختامية للحرب، عندما يكون رد الفعل العسكري للمقاومين الفلسطينيين قد أصبح معدوماً أو على الأقل قد أصبح مأموناً. لذلك سيبقى الحديث عن الحشود البرية المعدة للهجوم على القطاع محصوراً في دائرة الحرب النفسية، وأداة من أدوات ادارة الصراع السياسي حول شروط انهاء الحرب، لكن استخدامها سيبقى قائماً ولأغراض محددة لعل أهمها العودة إلى فرض السيطرة ldquo;الإسرائيليةrdquo; على الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة كي يبقى القطاع محاصراً بكماشة من القوات ldquo;الإسرائيليةrdquo; وعزله نهائياً عبر فرض السيطرة على المعابر بين القطاع ومصر.

الاستفادة الثانية هي ضرورة الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية كي لا تنفرط وتتحول إلى قيد يصعب تجاوزه من جانب صانع القرار على نحو ما حدث في حرب صيف 2006 على لبنان. ففي تلك الحرب تورط ldquo;الإسرائيليونrdquo; في قتال بري ضد حزب الله ووقعوا في كمائن أفقدتهم الكثير من قواتهم، كما وقع النصف الشمالي من الكيان تحت رحمة صواريخ حزب الله التي وصلت إلى حيفا وكادت تتجاوزها.

هذه المرة يحرص ldquo;الإسرائيليونrdquo; على ابعاد أي خطر يمكن أن يصل إلى السكان ldquo;الإسرائيليينrdquo; وحصر الحرب مع القطاع في منطقة معزولة وخالية نسبياً من السكان.

لقد سبق أن حدد ايهود باراك شروطه لخوض أي حرب بأنها يجب أن تكون على أرض العدو، وان تكون سريعة وخاطفة ومؤثرة، وألا يمتد خطرها إلى الجبهة الداخلية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وهو الآن يراعي بدقة هذه الشروط من أجل كسب الحرب على قطاع غزة.

في المقابل لم تتحسب حركة ldquo;حماسrdquo; والفصائل الأخرى، قبل اعلان قرار انهاء العمل باتفاقية التهدئة لكل دروس تفوق حزب الله وفشل ldquo;إسرائيلrdquo; في حرب صيف 2006. لم تتشكل قيادة عسكرية موحدة، ولم يتوفر السلاح ldquo;الفلسطينيrdquo; الذي يمكن أن يصل إلى الجبهة الداخلية ldquo;الإسرائيليةrdquo; ويفرض عليها أن تتحول إلى قوة ضغط على القيادة العسكرية سواء عن طريق الأسلحة المباشرة من صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق الجبهة الداخلية أو عبر تشكيل مجموعات من الاستشهاديين وتجهيزها مسبقاً عبر خطة محددة تتوازى مع العمليات العسكرية الوحشية لقوات العدو، وفضلاً عن ذلك، فإن ldquo;حماسrdquo; لم تربط بين قرار انهاء العمل بالتهدئة وقرار خوض حرب ضد ldquo;إسرائيلrdquo;، وأخذ كل الاعتبارات الدفاعية والهجومية اللازمة لتلك الحرب في الاعتبار، لكن قرار انهاء العمل بالتهدئة جاء سياسياً من دون أن يقترن بقرار عسكري مواز له قادر على حماية هذا القرار السياسي.

وإذا كانت الحرب مازالت مستمرة ويقول قادة العدو انها ستطول وانهم يريدون العودة بقطاع غزة سنوات طويلة إلى الوراء، فإن المطلوب الآن فلسطينياً قرارات عسكرية وأخرى سياسية، وأهم القرارات العسكرية هي البحث في سبل توصيل الحرب إلى عمق الجبهة الداخلية ldquo;الإسرائيليةrdquo;. أما المطلوب سياسياً فهو العمل بشتى السبل لوقف الحرب، والحفاظ الشديد على الجبهة الداخلية الفلسطينية ووحدة القرار الوطني.

المشكلة هنا ان أي حديث عن وحدة القرار الوطني الفلسطيني أصبح حديثاً فارغاً من مضمونه.

الوحدة الفلسطينية في حاجة الآن إلى أسس جديدة تنطلق من سقوط خيار السلام الاستراتيجي مع العدو والعودة مجدداً إلى خيار المقاومة واعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، سوتمكينها من قيادة العمل الوطني الفلسطيني من خلال برنامج وطني للتحرير يبدأ من الآن.

الوحدة الفلسطينية الحقيقية يجب أن تتأسس الآن في أتون الحرب، حيث يختلط كل الدم الفلسطيني في معارك الصمود الراهنة، وعندها يتوحد القرار بتوحد الدعم.