عبدالله جمعة الحاج

من المعلوم أن المنظمات الإقليمية التي تنشأ كظواهر سياسية جديدة، تحتاج إلى أجهزة إدارية فعالة، تصدر التوجيهات وتجمع المعلومات والأدلة على صحتها، وتقوم بالبحث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وترعى العلاقات العامة لتلك المنظمات.

وفي العصر الحديث، يلاحظ أن الكثير من الأنماط الدبلوماسية التقليدية، قد تم تغييرها إلى حد كبير عن طريق الاختراعات التكنولوجية في مجال الاتصالات وجمع المعلومات وإيصالها إلى أهدافها النهائية. ونتج عن ذلك أن أصبحت العمليات والمهام التي يقوم بها السفراء والدبلوماسيون الآخرون الموفدون إلى الدول الأخرى محدودة.

بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، لو أجريت مراجعة علمية دقيقة لتركيبته الحالية، فستتمخض عنها الحاجة الملحة إلى إجراء تغييرات شاملة في تركيبته بهدف تقوية مؤسساته كافة، لكي تؤدي أدواراً أقوى من الأدوار غير الواضحة التي تقوم بها حتى الآن. وتغيير من ذلك القبيل سيشكل دعماً للمجلس ومسيرته، ودون شك، فإن ذلك الدعم لن يتم إلا من خلال قرارات القمة التي ستعطيه شكلاً أقوى وأكثر ثباتاً كشخصية اعتبارية قانونية دولية، وذلك عن طريق بناء خدمة مدنية إقليمية له تغطي كافة الدول الأعضاء فيه.

بإلقاء نظرة سريعة على البنى التنظيمية والسياسية الحالية للمجلس يمكن للمرء أن يخرج بانطباعين: الأول، هو أن مجمل الاندفاع إلى التعاون الإقليمي الخلاق قد نشأ وتطور وتسارع بشكل أساسي على المستوى الحكومي والرسمي الصرف فقط. والثاني هو أن تركيز المجلس الأساسي، ينصب على الجانب الأمني العسكري-السياسي، في حين أن الجانب العلني ينصب على الجوانب الاقتصادية والتجارية والاجتماعية الأخرى والتنسيق والتعاون بين دول المجلس بشأنها بهدف تحقيق المزيد من الرفاهية لشعوب دوله. وهذا يعني أن المجلس قد أنشئ أساساً كضرورة سياسية- أمنية لتمكين دوله من الدفاع عن نفسها بشكل جماعي ضد المخاطر الخارجية التي أحاطت بها في بداية الثمانينات.

في هذه المرحلة، الأمل معقود على أن يتم تحويل أهداف المجلس وعمله نحو خدمة شعوب دوله بشكل أكثر اتساعاً ومباشرة، ويمكن القيام بذلك عن طريق تحويل الأعمال المنوطة بالمجلس كمنظمة إلى مكاتب متخصصة عدة تعمل الآن كجزء من الأمانة العامة. فإذا كانت توجد توجهات نحو تحويل التعاون الحالي الذي يتم عن طريق القنوات الحكومية الرسمية لكي يشمل مشاريع أوسع على المستوى الشعبي عبر آليات المجلس بحيث تكون منفصلة عن اللجان الوزارية والأمانة العامة، فإنه يمكن عندئذ الاستفادة من الخبرات والكفاءات المتوافرة على المستوى الشعبي ومستوى القطاعات الاقتصادية خارج دوائر القطاعات الحكومية التابعة للدول الأعضاء.

وبالنظر إلى عمل اللجان الوزارية منذ تأسيس المجلس، يلاحظ أنه يتركز على تسيير مصالح الدول الأعضاء عن طريق التعاون الرسمي على الصعيدين الأمني والاقتصادي. وبالنسبة للتعاون الأمني، وما يشير إليه الميثاق من أن هدف المجلس الأساسي هو تقوية التعاون الاقتصادي والتنموي بين دوله، فيمكن التوصل إلى أنه توجد لدى القيادات السياسية للمجلس رغبة للتوجه العملي الهادف إلى تحقيق الأمن والاستقرار لدولها وللمنطقة في إطار تحقيق السلام العالمي.

ويبدو أن الإطار النظري المنتهج فيما يتعلق بالتعاون لتحقيق السلام مبني على الاستفادة من تجارب التعاون الإقليمي الأخرى، خاصة الاتحاد الأوروبي وquot;الآسيانquot;، فإذا ما صيغت مقولة quot;النظام العالمي الجديدquot; مستقبلاً بإحكام، فإنها قد تركز على الفرضية التي تشير إلى تحويل المصالح الوطنية الخاصة التي يتم التعبير عنها من القيادات السياسية المحلية باتجاه نمط أقوى وأشمل للمصالح الجماعية.

ومن الواضح أن دول المجلس ترى أن بناء كتلة خليجية قوية قادرة على التعاون السياسي، يبدأ ببناء كتلة أمنية واقتصادية أولاً، والشواهد على ذلك كثيرة، وتتضح من الممارسات والتجارب التي يخوضها المجلس منذ قيامه.

لقد تمت الاستفادة من استراتيجية التحرك الجماعي المشترك للخروج بنوع من المصالح الاقتصادية على الصعيد الدولي، وبالتأكيد فإن الحوار المستمر حول إعادة تشكيل الأوضاع الاقتصادية والأمنية العالمية المتدهورة سيشهد المزيد من المواقف الجماعية للدول الأعضاء، وسيقوي التوجه نحو تشكيل مجموعة تفاوضية مشتركة على الصعد الخارجية والرغبة في إيجاد إجماع لمواجهة العالم الخارجي بشكل مشترك. وتشكل الحوارات الجماعية التي تجريها دول المجلس مع الخارج توجهاً نحو تحقيق ترتيبات ما بين هذه الدول بهدف تأمين مراحل تفاوضية، تعمل في صالح دول المجلس على الساحة العالمية بكافة التفرعات التي تهم هذه الدول.