شفيق ناظم الغبرا
ترمز كارثة غزة التي تفجرت مع نهاية العام وبداية العام الجديد ٢٠٠٩ للمأساة الفلسطينية التي تتجدد عند كل منعطف في الصراع مع إسرائيل. هذه هي إشكالية القضية الفلسطينية التي يتنقل توزيع الموت والألم فيها من الضفة الغربية المحتلة إلى غزة، ومن جنوب لبنان إلى بيروت، ومن عرب ١٩٤٨ الى بقية دول العالم العربي. لقد وقع هذا الرعب الذي تعيشه غزة اليوم في لبنان في السابق مرات ومرات، ولم يحدث الموقف العربي أو الدولي فوارق جوهرية في تقليص الكارثة الإنسانية، ووقع ما يقع الآن في غزة في الضفة الغربية مرات ومرات، ووقع مع كل دولة عربية وعلى حدود كل دولة عربية في الحرب تلو الحرب من دون أن يتغير شيء أساسي بفضل مؤتمر للقمة، أو لقاء لوزراء الخارجية، أو موقف سياسي. تحت الركام تبقى القضية الفلسطينية محور صراعات الشرق الأوسط، ومحورا لحسّ الشعبي العربي والإسلامي، ولكن من جهة أخرى يرتفع التساؤل الكبير: إلى متى سيمتد عذاب المجتمع، وهذه الاستباحة للسكان والمدنيين من قبل آلة عسكرية إسرائيلية متفوقة؟
فهل كانت هذه العملية الإسرائيلية ستقع بهذا السياق، وهذا الشكل، لو كانت فتح وحماس متحدتين في الرؤية والاستراتيجية؟ هل كان الوضع سيقدم لإسرائيل هذه الفرصة للاستفراد بغزة لو قامت حماس بالاتفاق على صيغة مقاومة ومعارضة في ظل السلطة الفلسطينية الموحدة؟ ألم يكن هذا أفضل لحماس من تحمل مسؤولية غزة بالكامل، وصولا للوضع الراهن؟ وأتساءل هل كان كل هذا سيقع بهذا الشكل المدمر، لو تم تمديد الهدنة، وإعطاء الفرصة لحماس لمزيد من الاستعداد والتحضير، بما في ذلك من إمكانية تفاهم مع السلطة الفلسطينية، ودعوتها ثانية لاستلام غزة بالتوافق والتفاهم مع حماس؟ وهل كانت غزة ستخضع لهذا اللهيب لو كان الموقف العربي هو الآخر مختلفا ومبادراته السلمية أكثر فاعلية ومتابعة وبرمجة؟
أما التساؤل الأكبر بالنسبة إلي: هل لنا من طريق مختلفة غير طريق الكفاح المسلح وصواريخ غراد وكاتيوشا والقسام التي تجرح أربعة وتقتل اثنين، بينما يقتل لنا المئات، ويجرح لنا الألوف وتدمر لنا أحياء كاملة؟ ألا يوجد وسائل أخرى أفضل تحمي المدنيين وتحقق الأهداف، وتكسبنا الجولة السياسية؟
دعوة رؤوس الأموال الفلسطينيه للاستثمار في البناء وتعميق الثقافة والتعلم والوحدة الوطنية. إن استخدام الوسائل الشعبية والجماهيرية وبناء أنموذج إنساني في ظل طرح المطالب السياسية، المطلب تلو الآخر، هو جوهر شكل المقاومة المطلوبة. لهذا بالتحديد لم تعد الحرب المسلحة التي نرى فصلا من فصولها اليوم، هي الوسيلة القادرة على احتواء إسرائيل وهجماتها، فما دمرته إسرائيل الآن سوف يتطلب سنوات من البناء، بل إن الحرب بهذه الطريقة تصب في جعل إسرائيل تزداد قوة وتمددا وتوسعا، بينما نزداد نحن انقساما وتشرذما وضعفا. إن الوضع الإسرائيلي الفلسطيني لا يحتمل التفجير الشامل، لأنه يعطي الفرصة لإسرائيل لاستخدام أفضل ما لديها (القوة العسكرية) بينما لا نستطيع استخدام أفضل ما لدينا، وذلك لأن أفضل ما لدينا، ليس السلاح، بل قوة الحقوق والعدالة وقوة الجماهير الشعبية والنقابات والقواعد الإنسانية المنتشرة في المخيمات، والتي تحلم بتقدم القضية الفلسطينية وإحقاق الحقوق السليبة. إن لغة الحقوق ولغة العدالة والسلام ولغة المقاومة السلمية والسلبية ولغة الوحدة (توحيد غزة مع الضفة) هي أفضل ما لدينا، بينما تمثل لغة التدمير الأعمى أفضل ما لديهم. في هذا يجب أن نطور وسائل جديدة للمقاومة تعظم نقاط قوتنا.
إن ما يقع يفرض علينا تضامنا حقيقيا مع غزة شعبا وصمودا، فهذا أمر لا مفر منه نسبة لمخاطر ما تقوم به إسرائيل من حرب تشمل السكان والمدنيين والعزل والأطفال. فما يقع يدمي القلب، ويثير الكثير عن الحالة العربية، والدم العربي المستباح. يجب أن يكون الموقف واضحا من التضامن مع غزة.. ولكن هذا الموقف لا يعفينا من مراجعة الوسائل التي نستخدمها، وطريقة ترتيب أهدافنا وأولوياتنا. إن المشكلة في معركة غزة أن حماس مازالت تحمل شعار تحرير كل فلسطين.. من البحر إلى النهر، وإن توجهاتها السياسية، أو توجهات بعض القوى الموجودة إلى جانبها في غزة، هي ممارسة حرب مفتوحة لتحرير كل الأرض، بينما في الواقع لا تمتلك حماس ولا تمتلك إيران، أو سورية، أو باقي الدول العربية القدرة على حماية الفلسطينيين أو حماية غزة من تدمير شامل.
ثمة تناقض كبير بين شعار حماس، وبين الواقع الفلسطيني والعربي. وهناك تناقض أكبر بين المبادرة العربية للسلام وبين كل شعارات حماس. لهذا من المفترض تناقش حماس فكرة المرحلية وتعيد النظر بالعلاقة بين الوسيلة والهدف، وأن يكون هذا ممكنا في ظل إعادة بناء وحدة وطنية فلسطينية صادقة مع فتح والسلطة الفلسطينية تمهد لإعادة بناء السلام والتنمية والمستقبل في فلسطين. آن الأوان لإعادة النظر في مسلمات أصبحت تجلب علينا مزيدا من الضرر.
التعليقات