طهران - quot; أوان quot;
لايزال الغموض يكتنف التحضيرات الحساسة للانتخابات الرئاسية في إيران والمقررة بعد نحو ستة أشهر، إذ بدأ الجدل حول المرشحين الذين يعتزمون خوضها أمام الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، مبكرا للغاية الصيف الماضي، غير أنه لم يحسم حتى الآن بين الأجنحة الثورية، لكن المراقبين في طهران بدؤوا يتحدثون عن تغييرات وصفت بالمهمة خلال الأيام الماضية، قد تؤدي الى تغييرات مفاجئة في الخارطة الانتخابية، ولعل من أهم السيناريوهات تلك المتعلقة بالتيار الإصلاحي حيث تقول الأنباء إن رئيس الوزراء السابق ميرحسين موسوي سيطرح نفسه بديلا للرئيس السابق محمد خاتمي الذي ظل مترددا بشأن الترشح طيلة الفترة الماضية، وإذا صدق ذلك فإن هذه الخطوة ستكون مدخلا لمستويات متباينة من التغيير في شكل التحالفات القائمة.
مصير laquo;إصلاحيraquo; لنجاد
وأهمية الحديث عن مرشح الإصلاحيين في الانتخابات، تأتي من صلة ذلك بمصير الرئيس نجاد، فالمعادلة التي يجري تداولها في طهران بهذا الشأن إن وجود مرشح إصلاحي واحد وقوي مثل خاتمي أو موسوي، سيضطر الجناح المتشدد إلى الاصطفاف وراء نجاد وتناسي الانقسامات العميقة التي يمر بها حاليا، للحرص على جمع الأصوات كلها ضد الإصلاحيين ومنعهم من العودة إلى السلطة التنفيذية، بينما لو دخلت المعارضة الإصلاحية بمرشحين عديدين ووجوه ثانوية فإن ذلك سيتيح لمنتقدي نجاد داخل التيار المتشدد، العمل على الإطاحه به وتقديم وجوه جديدة مثل رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني أو وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي.
ولأن مصير نجاد بهذا الاعتبار سيتأثر بشكل المشاركة الإصلاحية، فإن سيناريوهات التيار المحافظ تجمدت منذ ثلاثة أشهر انتظارا لقرار الإصلاحيين الذي تأخر كثيرا بسبب خاتمي المتردد، فمع أن الكثيرين يعتبرون الرئيس السابق الوجه الوحيد الذي يمكنه اجتياز عقبة laquo;لجنة صيانة الدستورraquo; التي تزكي المرشحين وتمنع الإصلاحيين من الترشح في العادة، لكن الرجل أعلن تحفظات جادة بناء على تجربته السابقة ومشاكله المتوقعة في حال النجاح، كما أنه يقارن وضعه بما آل إليه وضع نجاد الذي يثبت للجميع أن الرئيس في هذه البلاد لن يستطيع فعل شيء والتصرف بحرية دون الحصول على مباركة ودعم من قبل المرشد علي خامنئي ومؤسساته الثورية العليا.
والسؤال الذي يطرح نفسه على الجميع اليوم هو ماذا سيحدث لو قرر خاتمي عدم خوض الانتخابات؟ وهذا ما جعل الشارع السياسي الإيراني يتابع الأنباء والتصريحات المتعلقة بمشاركة ميرحسين موسوي رئيس الوزراء الإيراني السابق (والأخير حيث ألغي منصب الوزراء قبل رحيل آية الله الخميني).
12 عاما من الغياب
يمتلك موسوي تاريخا طويلا في العزلة السياسية يمتد لأكثر من 12 عاما. وقد سبق له أن كان مرشح اليسار الإسلامي آنذاك (الإصلاحي حاليا) لخوض الانتخابات الرئاسية العام 1997، ولكن بمجرد تداول اسمه أصدر بيانا غامضا نفى خلاله نيته الترشح وسافر بعيدا لتفادي أي إلحاح من قبل حلفائه السياسيين، وهو ما دفع الأحزاب الإصلاحية إلى طرح اسم خاتمي كبديل له، ما مثل يومها مفاجأة من العيار الثقيل بنجاحه غير المتوقع في الانتخابات ليبدأ عهد الإصلاحيين في إيران ويستمر 8 أعوام حتى 2005. وهكذا فإن تاريخ خاتمي الرئاسي بدأ بوصفه بديلا لموسوي، وربما سيكتب لموسوي نفسه أن يلعب اليوم دورا مشابها فيدخل تاريخ الرئاسة بطرحه بديلا عن خاتمي.
ورغم نجاح الإصلاحيين يومها لم يخرج موسوي من عزلته حيث رفض تولي منصب نائب الرئيس واكتفى بمنصب شرفي ليظل مستشارا رفيعا لخاتمي. وبعد انتهاء ولاية الأخير سلطت الأضواء مرة أخرى على موسوي لكنه اشترط لخوض الانتخابات التأكد من موافقة المرشد والحصول على قيادة قوات الأمن الداخلي وأن يكون لحكومته قناة تلفزيونية تمكنها من التواصل مع الشعب، لكنه تراجع بعد ذلك عن خوض الانتخابات نهائيا لقناعته بانعدام إمكانية توفير هذه الشروط، ليترك المجال لتعدد المرشحين الإصلاحيين الذين شتتوا أصوات جمهورهم وساعدوا على فوز عمدة طهران السابق من الجناح المحافظ محمود احمدي نجاد.
ما الذي تغير اليوم؟
نظرا لتاريخ عزلته السياسية الطويل لم يعتن الجمهور كثيرا بحكاية موسوي والانتخابات المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، لكن عدم رفضه الصريح للترشح كالمرات السابقة وبدء مجموعة من حوارييه في إشهار مؤسسة مدنية وموقع إخباري إلكتروني خاص بهم، جعل الجميع ينتبه الى تغيير في قناعات الرجل. ويعتبر البعض من المقربين لموسوي أنه مقتنع بخوض الانتخابات نظرا لخطورة الأوضاع في البلاد، بينما يقول آخرون أن موسوي فهم من تجربة نجاد أن بإمكان الرئيس أن يتمتع بصلاحيات واسعة تمكنه من تنفيذ خططه، إذا تمكن من إقناع المرشد بما يريد أولاً.
ويؤكد مرتضى ألويري عمدة طهران الأسبق بعد لقاء مع موسوي الأسبوع الماضي، أن الأخير مقتنع بخوض الانتخابات في حال انسحاب خاتمي ليمنع بذلك انقسام صفوف الإصلاحيين وتجنبا لضياع الفرصة (الأخيرة ربما) لتصحيح مسار البلد والحد من الخسائر.
كما يضيف آخرون أن موسوي يستطيع الحصول على تأييد الجمهور من التيارين الإصلاحي والمحافظ نظرا لتجربته الناجحة سياسيا واقتصاديا، ومواقفه الصارمة حول العدالة الاجتماعية وقيم الثورة وحقوق بلاده في العلاقات الخارجية. والأهم من ذلك أنه قادر حسب بعض الأوساط، على اقتناص مباركة الجهات العليا في النظام وخاصة المرشد، نظرا لمواقفه وشعاراته التي ستبدد خوف الأصوليين والقادة.
تحفظ إصلاحي
مع ذلك فإن النقاش حول مواقف موسوي السياسية والاقتصادية مطروح في أوساط الإصلاحيين والمحافظين نظرا لتجربته السابقة التي تلاها صمت طويل. وتعتبر بعض الوجوه الإصلاحية أن موسوي ورغم صمته، كان قريبا جدا من مراكز القرار في إيران وبالتالي تغيرت رؤاه الاقتصادية والسياسة كما تغييرت عند جميع الإصلاحيين من رجال دولته السابقين ولم يبق على السياسات التي كان ينتهجها بناء على متطلبات فترة الحرب مع العراق (1981-1989).
وبالمقابل يرى بعض الإصلاحيين المقربين من حزب laquo;مشاركتraquo; الذي يتزعمه محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس السابق، أن موسوي محتفظ بمواقف أكل الدهر عليها وشرب وبذلك لن يستطيع أن يدير البلاد بهذه الأفكار و يشترط لخوضه الانتخابات حسب جلال جلالي زاده (نائب سابق في البرلمان) أن يقدم برامج واضحة لحكومته المستقبلية.
ومع ذلك يتفق الجميع أن موسوي يعتبر أقرب الى الإصلاحيين منه الى المحافظين وبأنه لن يترشح في حال خوض خاتمي الانتخابات.
وحتى اتضاح الأمر وتحول الأنباء إلى إعلان رسمي بحسم خاتمي موقفه من الترشح، وتأكيد موسوي دخوله المنافسة، يظل الرئيس الإصلاحي السابق منافسا شرسا لنجاد الذي يعتبر بدوره حتى اللحظة، أكثر المرشحين حظا للنجاح في الانتخابات القادمة إذ يستمد ذلك من كونه في منصب الرئاسة بصلاحيات اقتصادية وسياسية واسعة وخضوع وزارة الداخلية المكلفة تنظيم الاقتراع الرئاسي لسيطرة أحد أقرب أصدقائه وهو الوزير صادق محصولي. وما يفوق ذلك تأثيرا هو المباركة والدعم القوي والصريح الذي يتمتع به من قبل المؤسسات العليا في البلاد ومنها المرشد والحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور.
وهذا ما يصعّب موقف معارضي نجاد داخل التيار المتشدد الذين يحاولون إقناع المرشد باستبدال الرئيس الحالي بوجه محافظ ثوري أقل راديكالية وأكثر دبلوماسية، يمكنه استثمار فرصة مثل وجود باراك أوباما في البيت الأبيض.
لكن دخول خاتمي أو بديله موسوي في سباق الرئاسة سيفشل كل هذه المحاولات، ويوحد التيار المتشدد خلف نجاد كما تقول المعادلة الإيرانية المعروفة التي تحكم الموازنات بين أجنحة الثورة.
التعليقات