رشيد الخيون
لم يدع المصلحون من علماء الشيعة إلى إلغاء ذكرى مقتل الإمام الحسين، مثلما وصفهم المتشددون من أترابهم، بقدر ما حاولوا تشذيب الطقوس بتنزيهها من الفوضى والممارسات المشوهة، وإغراقها بالخرافات والأكاذيب وعذاب الذات بالسلاسل والمدي أو القامات، وإظهار الإمام الحسين بهذا الانكسار!
ينسب صاحب كتاب laquo;قصص العلماءraquo; من رجال القرن (13) الهجري، تلك الممارسات بالقول: laquo;التمثيل من مخترعات الصفوية، ولما ظهر مذهب التشيع في بلاد إيران، وحكم الصفويين أمروا الذاكرين بإنشاد مصيبة سيد الشهداء، لكن الناس لم تكن تبكي. لأن المذهب لم يترسخ بعد في نفوسهم فاخترعوا التمثيل لعل الناس تتألم.. وسمي هذا العمل بالتعبئة، وهي بمعنى الاختراع أيضاً، وهذه التعبئة لم تكن موجودة في الأزمنة السابقة بالاتفاق، والعلماء مختلفون في جوازه، والأكثر على التحريم، ومن جملة القائلين بالحرمة قطب الفقهاء والجلالة والنباهة والفطانة والذكاوة الشيخ جعفر النجفيraquo;! والمقصود هو الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء (ت 1812). وكان الشهيد الثالث الملا محمد تقي البرغاني القزويني (القرن 13 الهجري) laquo;يمنع تمثيل حادثة كربلاء في مصيبة سيد الشهداء (ع)، وكان يمنع من الغناء في المراثي، وانشاد مصائب الأئمةraquo; (التنكابني، قصص العلماء).
أما أبرز المصلحين المعاصرين، في شأن عاشوراء، فهو المجتهد الأكبر، مثلما كان يشار إليه، محسن الأمين (ت 1952)، أثبت ذلك في رسالته laquo;التنزيهraquo;، والتي صدرت مطبوعة (1928). ومما جاء في الرسالة: laquo;لعلَّ إمساك النكير من علماء الشيعة عن هذه الفئة، التي شعار حزنها على الإمام الشهيد بتبضيع رؤوسها، وإهراق دمائها، أما أنهم يرون أعمالها مستحبة تعظيماً لشعائر الدين.. لم تكن هذه الأعمال معروفة في جبل عامل، ولا نُقل أن أحداً فعلها فيه، وإنما أحدثها فيه في هذا العصر بعض عوام الغرباء، وساعد على ترويجها بعض مَنْ يرتزق بها، ولم يُنقل عن أحد من جبل عامل أنه أذن فيها أو أمر بها في عصر من الأعصار، حتى في الأعصار التي كان جبل عامل يتمتع فيها بحريته التامة في عهد امرائه من الشيعةraquo; (التنزيه، ص 30). كانت ثورة السيد الأمين دفاعاً عن مكانة الحسين، التي يرى تشويهها بدق الطبول والتمثيل، وضرب السلاسل (الزناجيل)، والغناء فيها، والأحاديث المكذوبة. كتب الأمين رسالته بعد وصوله إلى دمشق، قادماً من الدراسة بالنجف (1901)، وشاهد ما يحدث في مقام السيدة زينب من laquo;لطم الصدور، وإدماء الرؤوس، حيث يجتمع القادمون من جبل عامل والبقاع من الحاضرين، فيقومون مجتمعين بما يقومون به من هذه الأعمال، فأعلن مقاطعته حضور ذلك المجتمع والاكتفاء بإقامة حفل تتلى فيه السيرة الحسينية، بما فيها من قصة الاستشهادraquo; (النجفي، ثورة التنزيه). تمكن الأمين من إضعاف تلك الممارسات، بتزايد عدد المقاطعين لها، والتوجه إلى مجلسه، الذي يحفظ كرامة واقعة الطف بكربلاء. فتمكن في السنة الثالثة، من مقاطعة ما يحصل، بمنع الاحتفالات المزرية، مستعيناً بجماعة من الدمشقيين laquo;يخبرون القادمين من الخارج أن لا احتفالات بعد اليوم على ما كانت تجري عليه.. وهكذا بطلت تلك الاحتفالات، واقتصر الأمر على اجتماع الناس مصغين إلى ما يُلقى عليهم من سيرة الحسين (ع) وفضائل أهل البيت منتهياً بروعة الاستشهادraquo; (ثورة التنزيه).
إضافة إلى رسالة laquo;التنزيهraquo; التي بين أيدينا، وهي نادرة الوجود حالياً، صنف الأمين كتابه laquo;المجالس السَنيةraquo;، معلناً فيه laquo;دعوته الإصلاحيةraquo;. والمقال لا يسمح بالتبسط لما عاناه المجتهد الكبير من تشويه لدعوته وشخصه، حتى قال صالح الحلي (ت 1940) من الجارحات: laquo;يا راكباً إما مررت بجلق.. فأبصق بوجه أمينها المتزندقاraquo;! بينما نصره الشيخ مهدي الحجار (ت 1939 ) بالقول: laquo;تأسَ يا محسن في ما لقيت بما.. لاقاه جدك من بغي ومن حسدraquo;. وإذا كان الحلي خطيب معارضة laquo;التنزيهraquo; بالنجف، وقف الخطيب محمد علي اليعقوبي (ت 1965) نصيراً لها. وإن حاربها العلماء من جبل عامل لبنان، أيدها من نجف العراق المرجع أبو الحسن الأصفهاني (ت 1946)، وصاحب مجلة laquo;العلمraquo; محمد علي هبة الدين الشهرستاني (ت 1967). هذا، وصنف الأنصار رسالة laquo;كشف التمويه عن رسالة التنزيهraquo;. وقريباً تبنت إيران الإسلامية ما جاء في laquo;التنزيهraquo;، حيث دعت الداخلية للامتناع عن الممارسات غير اللائقة بعاشوراء وأعلنت: laquo;أن قوى الأمن ستتصدى بحزم لأي كانraquo; (ثورة التنزيه).
أقول: أما حان الوقت، ووجهاء الشيعة صدور حكومة العراق، لإعلان إصلاح المنبر الحسيني إكراماً لمكانة الحسين، والاحتفال بمشهد خالٍ من لطم الصدور، والجلد بالسلاسل والتطبير القامات! والواقعة أجل من استغلالها في تحزب وانتخاب..! ألا إن laquo;الناس على دين ملوكهاraquo;!
- آخر تحديث :
التعليقات