داود الشريان

شكّلت قناة laquo;العربيةraquo; في تغطيتها الحرب على غزة ظاهرة في الإعلام العربي، بل في الاعلام الدولي. فهي تمسكت بالموضوعية. ورغم اتهامها بالانحياز، وما قيل عنها وهو اكثر مما قال مالك في الخمر، ظلت تمارس دورها كقناة إخبارية مستقلة. فنقل الخبر بطريقة مهنية صارمة في زمن الحروب مهمة شاقة، والمشاهد العربي يعيش حالة عاطفية، وكسبه يحتاج الى بحر متلاطم من الانشائية والشعارات والمبالغات، ونتف من المعلومات. لكن laquo;العربيةraquo; استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، و لعبت دورها المفترض على نحو مهني عز وجوده في معظم الصحف والقنوات الفضائية العربية.
نقل الأخبار ليس قضية عاطفية بل مسألة مهنية وموضوعية. والخلط عند المشاهد العربي بين مفهوم الموضوعية والحياد في نقل الاخبار استغله بعضهم لمهاجمة laquo;العربيةraquo; وتشويه دورها الرائد. ورغم ان laquo;العربيةraquo; لم تكن محايدة، بل منحازة الى الفلسطينيين، فهي مارست هذا الانحياز بطريقة محترفة، وان شئت، مارسته على طريقة laquo;بي. بي. سيraquo; و laquo;سي. ان. انraquo; وليس على طريقة laquo;فوكس نيوزraquo;. مهنياً، بإمكانك ان تكون منحازاً بالتسمية والصفة، وصوغ الاخبار والتقارير على طريقة المقالات والتعليقات، والمساواة بين قال ويعتقد. وبإمكانك ان تكون كذلك بترتيب المعلومات وطريقة عرضها، واعطاء من تنحاز إليه مساحة اكبر، واستخدام الصورة، فضلاً عن حيل أخرى يعرفها المهنيون. في المحصلة انت في الطريقة الاولى ذبحت الموضوعية واصبحت دعائياً، وتحولت الى خطيب في تظاهرة. وفي الثانية نقلت الحقيقة، وكنت موضوعياً رغم انحيازك. و laquo;العربيةraquo; تمسكت بالطريقة الثانية، ولم تعبث بالموضوعية. انتصرت للإعلام، ولم تتورط بالدعاية، وحافظت على الاخبار، وحظيت بشرف المهنة، وصدقية الخبر، وكسبت الانحياز بلا ثمن.
في الإعلام العربي، القابض على الخبر كالقابض على الجمر. ومن يتأمل معظم الصحف، والقنوات العربية اليوم، يجد الخبر ضائعاً في زحمة الآراء والمشاعر وشبق الدعاية وفشة الخلق. لكن قناة laquo;العربيةraquo; تمسكت بأصول صوغ الخبر، وعدم الانجراف وراء الخلط بين الموضوعية والحياد، رغم التجريح والتخوين والنقد، وهو موقف مهني واخلاقي يستحق التقدير.
لكن العزاء لقناة laquo;العربيةraquo; انها الاكثر نقدا لأنها الأكثر مشاهدة، وعزاؤنا ايضاً ان جريدة laquo;الحياةraquo; من حزب القابضين على جمر الخبر.