داود الشريان
التوظيف السياسي للحرب على غزة من الجانب الإسرائيلي كان واضحاً منذ اليوم الاول، وهو أصبح أكثر وضوحاً على الجانب العربي. فضبابية بعض المواقف العربية من المبادرات المطروحة، وتباين المواقف حول فتح المعابر، وحشد قوات أجنبية على الحدود والمعابر هو امتداد لخلاف العرب والأطراف الفلسطينية على من يحق له التحدث باسم الفلسطينيين ورسم مستقبل التسوية السياسية مع إسرائيل.
وزير خارجية بريطانيا قال في كلمته امام مجلس الأمن إن هذه الحرب نتيجة لفشلنا جميعاً. واستطراداً يمكن لنا القول إن العجز عن مواجهتها بموقف عربي وفلسطيني موحد جاء نتيجة للفشل العربي في حسم النزاع الفلسطيني - الفلسطيني، وتهاون العرب في منع استخدام القضية الفلسطينية كورقة في الحسابات الإقليمية، ودرء استحقاقات ومخاطر سياسية عن مشاريع ودول وأنظمة. وخطورة هذه الحرب البشعة على غزة ان العرب والفلسطينيين أصبحوا يقفون منها كأطراف تبحث عن مكاسب سياسية ليس لها علاقة مباشرة بمسألة زوال الاحتلال.
إن القول إن إسرائيل خاضت هذه الحرب من اجل مكاسب انتخابية، وملاحقة قيادات laquo;حماسraquo;، وشلّ قدرتها على اطلاق الصواريخ تبسيط ومخادعة للنفس. فهذه الحرب، رغم محدودية مساحتها وبشاعة جرائمها، حققت هزيمة سياسية فادحة للعرب والفلسطينيين. وخلقت واقعاً سياسياً استبدل مسألة النزاع على السلطة بالاحتلال. وكرّست هذه الحرب الرؤية الإسرائيلية بأن ما بينها وبين الفلسطينيين مجرد تجاوزات أخلاقية، ونزاع على الحدود والمعابر.
لا جدال في ان هذه الحرب كشفت مدى خطورة النزاع الفلسطيني - الفلسطيني، فهو تجاوز مرحلة المناوشات، والاغتيالات والاعتقالات، الى مرحلة التفريط بالقضية الفلسطينية برمّتها والعبث بجوهرها. ومن يتأمل اليوم خطاب القوى والفصائل الفلسطينية على الفضائيات العربية يخيّل إليه انه يستمع الى جدل بين نواب في البرلمان اللبناني، او نقاش بين زعماء في الفصائل الصومالية.
ان الاستسلام للنتيجة التي فرضتها الحرب على غزة، والمتمثلة بالانشغال بحسم الخلاف بين laquo;حماسraquo; ومصر والسلطة الفلسطينية، وتجاهل مشكلة الاحتلال، سيفضي الى أزمات عربية معقدة. وأول من سيدفع ثمن هذه الازمات هي المقاومة الفلسطينية، ولهذا يجب على الفلسطينيين الجلوس الى طاولة الحوار، فمن دون تفاهم فلسطيني - فلسطيني، سيصعب توقع النتائج الموحشة التي فرضتها هذه الحرب على مستقبل القضية الفلسطينية.
التعليقات