محمد عبدالجبار الشبوط

تتأجج العواطف والمشاعر الدينية الاسلامية بحلول شهر محرم بالترابط مع ذكرى استشهاد الامام الحسين، وتملك هذه المشاعر قوة هائلة في تجييش الناس، وتحشيدهم في مسيرات طوعية نحو كربلاء او في اداء شعائر المناسبة، او حضور مجالس الوعظ الحسيني. يجري هذا بينما يتواصل الكلام عن اعادة البناء والاعمار ومكافحة الفساد وضرورة المشروع النهضوي العراقي الشامل، ما يشكل ظرفا مناسبا لطرح السؤال عن مدى العلاقة بين الاسلام والمشروع النهضوي.
ثمة موقفان من هذا السؤال:
الموقف الاول يدعو الى مشروع نهضوي بمعزل عن الاسلام، بل ربما يعتبر القطيعة معه، بوصفه جزءاً من تاريخ مضى، شرطا من شروط النهضة، تأسيا بما مضت عليه سنة الاوروبيين، الذين كانت قطيعتهم مع الدين مقدمة لنهضتهم.
وثمة تجارب في العالم الاسلامي سارت على هذا النهج، في بيئات ذات مشاعر اسلامية قوية، انتهت الى ما يشبه الغربة عن هذه البيئات والعجز عن تحقيق انخراط الانسان فيها بمشروعها النهضوي، الامر الذي قاد في نهاية المطاف الى انبعاث اسلامي جديد دأبت بعض الادبيات على تسميته بالصحوة الاسلامية.
الموقف الثاني، يرى ان الاسلام يمثل شرطا من شروط النهضة في بلدان العالم الاسلامي. وعلى الصعيد العراقي تحدث المفكر الراحل محمد باقر الصدر عن الاسلام، بوصفه المبدأ الصالح، كشرط للنهضة، موضحا ان شرطية المبدأ الصالح تعني ثلاثة امور هي: (1) ايمان الناس به، و (2) فهمهم له، ثم (3) تطبيقهم له. غير انه لاحظ ان الناس في المجتمع العراقي، يوم طرح فيه هذه الفكرة في اوائل الستينيات من القرن الماضي، كانوا يتوافرون على الامر الاول، دون الامرين الثاني والثالث، ما يعني عمليا تعطيل المبدأ الصالح من الاشتغال كشرط للنهضة ما لم يتم توفيرهما.
اغفل الدستور العراقي الدائم الحديث عن مشروع للنهضة واعادة البناء والاعمار، لكنه تحدث عن الاسلام في موضعين مهمين جاء كِلاهما في المادة الثانية منه، حيث نص في الموضع الاول على ان laquo;الاسلام دين الدولة الرسميraquo;، مفرعا عن ذلك قاعدة دستورية تنص على عدم جواز laquo;سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلامraquo;، فيما ثبت في الموضع الثاني مفهوم laquo;الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقيraquo; مؤكدا على ضمان laquo;الحفاظraquo; عليها من قبل الدستور، دون ان يشرح مفهوم المحافظة والياتها. مع ملاحظة ان laquo;الهويةraquo; مفهوم حضاري وثقافي، اكثر من كونه سياسيا او دينيا، ما يمكن معه القول ان الدستور يتحدث هنا عن الاسلام بوصفه معطى حضاريا-ثقافيا اكثر من كونه معطى دينيا او مشروعا سياسيا.
لا يصعب على المراقب للممارسات التي تتم في اطار مناسبة عاشوراء بما في ذلك الكم الهائل من الخطب والكلمات والشعارات، ان يلاحظ انها بعيدة عن مفهوم توظيف الاسلام في مشروع النهضة، بل هي ابعد ما يكون عن مشروع النهضة نفسه. وهذا يؤدي، عن وعي او او بدونه، الى فصل الاسلام عن مشروع النهضة والبناء ومكافحة الفساد.
لا يصعب على المراقب ان يلاحظ ان laquo;الخطاب الحسينيraquo;، او على الاقل ما تمكنت من متابعته في العشر الاوائل من محرم، مازال يدور في الدائرة نفسها التي كانت تحبسه في العقود الطويلة الماضية، دون التفاعل مع المتغيرات الهائلة التي شهدها البلد في السنوات الخمس الماضية، ودون بذل جهد كبير لاستلهام القيم العليا الاسلامية لحشد المؤمنين للقيام بدور ايجابي فعال في بناء المجتمع والدولة على اسس الديمقراطية والتعايش والمواطنة.

- رئيس تحرير مجلة quot; الاسبوعية quot; العراقية