صلاح الدين خاشقجي

أقرت قمة مسقط لدول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية الاتحاد النقدي لدول الخليج. ومازال بحث مقر البنك المركزي الخليجي جاريا حتى اللحظة. كل هذه خطوات عملية نحو إصدار العملة الخليجية الموحدة التي يتوقع أن تحل محل العملات الخليجية الحالية في عام 2010. يتساءل الكثيرون حول جدوى هذه الخطوة، بالأخص في تبعات الأزمة المالية العالمية. أهم فوائد العملة الخليجية الموحدة تكمن في إعطاء اقتصاديات المنطقة قوة أكبر في التفاوض عند الاستيراد. وحيث إن كل اقتصاديات الخليج تعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء والمنتجات الصناعية من أوروبا وأمريكا وشرق آسيا، فإن العملة الموحدة ستخفض تكاليف الاستيراد لهذه الدول لأنها ستتفاوض ككيان اقتصادي واحد. هذا الكيان الاقتصادي سيصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم، وعملته ستكون رابع أكبر عملة بعد الدولار واليورو واليوان الصيني، متقدمة على الين الياباني.

الاحتياطيات النقدية الكبيرة التي كونتها دول الخليج بسبب ارتفاع أسعار النفط في السنوات الخمس الماضية هي العامل الرئيس وراء وضع العملة الخليجية كرابع أكبر عملة. وهي أيضا ما سيضمن استقرار أسعار صرفها أمام باقي العملات، بالإضافة إلى كونها مرتبطة بالدولار، حيث إن معظم عملات الخليج مرتبطة بالدولار في الوقت الحالي. ولذلك فإن الخطوة الأولى لإصدار العملة الخليجية ستكون بتثبيت أسعار صرف العملات المكونة لها عن طريق احتساب قيمتها بالدولار. لكن بعد أن تنقضي دورة صعود الدولار، والتي يتوقع أن تبدأ مع منتصف العام القادم وستستمر 5 أعوام حتى عام 2014، أليس من الأجدر بدول الخليج تعويم عملتها؟
بالأخص في حال نجحت سياسات وقرارات حكومات دول الخليج، ومجلس التعاون الخليجي، والبنك المركزي الخليجي. فكل دول المنطقة ماضية وبشدة نحو التحديث والتطوير، ومحاولة استيعاب صدمة 2008 وتجاوزها. تلك الاستثمارات الداخلية والتي إن استفاد منها القطاع الخاص ونما بمعدل يفوق 6.5% فإن حصة المنتجات غير البترولية من إجمالي الناتج المحلي سيفوق الـ30%. كل ما يلزم لذلك هو تطوير آليات التعامل مع القطاع الخاص وسوق العمل الخليجي، حيث إن أكثر من 60% من إجمالي ناتج دول الخليج المحلي مصدره قوى عاملة أجنبية. وزارة العمل في المملكة العربية السعودية ماضية قدما في تحديث سياساتها وأنظمتها لترسي أساسات سوق عمل لا يتنافى مع ميزة اليد العاملة الرخيصة، وهي التي كانت أساس نهضة العملاق الاقتصادي الثاني في العالم، الصين، بالإضافة إلى ذلك فإن الجامعات التي يعتزم إنشاؤها في المملكة والميزانية الضخمة التي رصدت لقطاع التعليم توفر الكفاءات اللازمة لزيادة الإنتاجية.
لو سارت الأمور على ما يرام في الأعوام الخمسة الأولى من عمر العملة الخليجية الموحدة، وتمكنت دول الخليج من تنويع وتطوير اقتصاداتها بحيث لا تعتمد بصورة أولية في خططها على الإيرادات النفطية، إنما عن طريق ضريبة الدخل، فإن ذلك سيمكنها من توجيه جزء كبير من العائدات النفطية لدعم العملة النقدية الواعدة. ولا يجب أن نغفل أهمية استقرار أسعار النفط في الفترة القادمة حتى تتمكن دول الخليج من تعزيز نمو احتياطياتها النقدية حيث إن التذبذب العالي في أسعار النفط يضر بسوق النفط على المدى الطويل. نحن نمر الآن من عنق الزجاجة، عام 2009 سيكون من أهم الأعوام الاقتصادية في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، فالوصول إلى اتفاقية العملة النقدية الموحدة قبل نهاية العام ليس بالأمر السهل، بالإضافة إلى أن الدول التي تظهر قدرة أكبر على التعافي من آثار أزمة العالم الائتمانية المستمرة حتى الآن، ستكون أفضل ملاذ لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار الآمن.