عصام الجردي

ldquo;من ليس معنا فهو ضدناrdquo; . . قالها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أكثر من مرة، ليشحن العالم بالكراهية والبغضاء، وليغادر البيت الأبيض بعد أيام، تاركاً بلاده والعالم أجمع في أسوأ أزمة مالية واقتصادية واجتماعية منذ 80 عاماً . وما زال الاعتقاد الغالب لديّ، أن تداعيات هذه الأزمة قد تكون أخطر من الكساد الكبير الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1929 .

ldquo;لا يمكن للولايات المتحدة مواجهة تهديدات هذا العالم والتغلب عليها بمفردها . ولا يمكن للعالم مواجهتها من دون الولايات المتحدة . يجب أن نقود العالم بالأفعال والقدوة الحسنةrdquo; . . من خطبة للرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما في ربيع 2007 في مجلس الأعمال لمدينة شيكاغو، التي منها بدأ أوباما حملته للانتخابات الرئاسية في الحزب الديمقراطي، ومنها أعلن فوزه بالرئاسة على الجمهوري جون ماكين .

واضح الفرق الشاسع بين خطابي السلف والخلف . وفي توجه الاقتصاد السياسي والاجتماعي للرئيسين . الأول، ومنذ فترة رئاسته الأولى في العام ،2004 لم يخف نزعته الطبقية المتحيزة لمراكز الثروة والمال، ولإفراغ الاقتصاد من محتواه الاجتماعي والإنساني . ولا يتسع كتاب لسجله في هذا المجال، إذ تكفي واقعتان فقط: خفض الضرائب على دخول شركات المال والأسهم والنفط حتى تريليون دولار أمريكي لغاية ،2011 وتقليص الانفاق على برامج الرعاية الصحية والاجتماعية، أخطر من ذلك زجّ معاشات التقاعد في أسواق المال ومضاربات الأسهم . وما كانت السياسة الخارجية لرئيس على هذه الشاكلة، لأقوى دولة في العالم، إلا أن تبنى على التوسع والعدوان، وبمزيد من الانفاق والعجز المالي، ليكتمل تحالف الكراهية لديه في الداخل والخارج، وينهي عهده بتعميم الانهيارات الاقتصادية والبؤس في رياح الأرض الأربع .

من دون استباق مرحلة أوباما رئيساً في البيت الأبيض، والتشكيك سلفاً بقدراته على ترجمة توجهاته الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، سواء من خلال تركيزه الدائم في خطبه على دعم الأسر الأمريكية، وبرنامجه لخلق 3،5 مليون فرصة عمل، أم لناحية اقراره بعدم قدرة الولايات المتحدة على جبه التحديات إلا بالتعاون مع دول أخرى، فظني أن ldquo;القنابل الموقوتة التي خلفها بوش وراءه لم تنفجر بعدrdquo;، على ما قاله كبير الاقتصاديين في مؤسسة رايتسون لتحليل اتجاهات تمويل الخزانة الأمريكية لو غراندول لصحيفة ldquo;واشنطن بوستrdquo; . وبالتأكيد، ان تلك القنابل ليست حصراً بالانهيارات المالية والاقتصادية الداخلية فقط، بل وفي السياسة الخارجية والعسكرية الأمنية .

انهمرت الدموع من عيني المرشح الرئاسي السابق الاسود جسي جاكسون حين كان أوباما يلقي خطاب الفوز بrdquo;العرش الأمريكيrdquo; . وأخاله كان يفكر في تلك اللحظات الحميمة، بأن الحرم التاريخي الذي فرض على السود بإيصال واحد منهم إلى البيت الأبيض منذ العام 1776 تاريخ استقلال الولايات المتحدة، قد سقط مع أوباما سقوطاً مدوياً، كما دوى فوز الأخير . وأن 68،9 عام متوسط أعمار السود (الاحصاءات الرسمية) سيتساوى مع 73،8 عام متوسط أعمار البيض .

يعلم أوباما، أن أعداداً كثيرة من الذين كسب أصواتهم، إنما صوتوا ضد سياسات بوش والحزب الجمهوري . وبالغاً ما بلغت إرادته في التغيير، وقدرته على تنفيذ سياساته وتوجهاته، تبقيان محكومتين بالrdquo;استبلشمنتrdquo; الأمريكية، الواقعة بالكامل في قبضة لوردات المال والأسهم، والصناعات النفطية والعسكرية، إلى دوائر الأمن والبنتاغون . ولا أظن، ان الrdquo;استبلشمنتrdquo; هذه، ستعطي أوباما فترة سماح طويلة لتفكيك القنابل التي خلفها بوش، أقله للخروج من الأزمة الاقتصادية .

ربما تسرع أوباما بإعلانه عزمه على رفع سقف الدين الفيدرالي إلى 10،6 تريليون . وكان الحد الأقصى المسموح به تشريعاً الذي خرقه بوش 9،8 تريليون . في السنة المالية التي تنتهي في سبتمبر/أيلول ،2009 هناك عجز ملحوظ بواقع 482 ملياراً . هذا من دون احتساب 700 مليار تكلفة خطة الانقاذ في عهد بوش . ولا تكلفة خطة مماثلة وعد أوباما بالتزامها للإنفاق على البنية التحتية والمواصلات وبرامج الرعاية ودعم الأسر . مشاريع الرعاية الصحية وتكلفتها 1،6 تريليون . وكل التقارير تتوقع زيادة الدين الفيدرالي بواقع تريليوني دولار في العام الأول على ولاية أوباما، الأمر الذي يعبّد الطريق نحو مديونية عامة من 11 تريليون دولار .

قد يقع أوباما في فخ التفاؤل، إذا غالى في الاستدانة ولم يخرج من الركود الاقتصادي في العام 2010 . ذلك ان الرهان على إعادة بيع أصول متهالكة اشترتها الخزانة منجاة من الانهيار الأشمل، بأسعار متكافئة حداً أدنى بعد سنتين أو سنوات ثلاث، يعتمد على تحسن أسعار تلك الأصول، وعلى الاصلاحات التي أدخلت على المؤسسات التي تديرها . وهذا مرتبط أيضاً بمعدلات النمو الاقتصادي، والسياستين المالية والنقدية، بمقدار اعتماده على تحسن اقتصادات شركاء الولايات المتحدة التجاريين .

أوباما يبدي قلقه حيال ارتفاع معدل البطالة إلى 10% بعدما بلغ في نهاية 2008 نحو 7،2%، الأعلى منذ 16 عاماً . ويحض إدارة بوش على تفويضه استكمال الانفاق من خطة الإنقاذ . بيد ان تمويل العجز والدين العام يحتاج إلى مزيد من الحوافز للاستثمار في سندات الدين الحكومية، وهو ما لا توفره بكفاية معدلات الفوائد الأمريكية في الوقت الحاضر، الأدنى في المطلق . سيواجه في غضون عام حداً أقصى، استحقاق 40% من الدين، ولن يكون أمام وزارة الخزانة سوى تجديده بمزيد من الفوائد والدين الجديد . وهذه الحزمة من التريليونات قيد الاستحقاق تعود لمستثمرين أمريكيين، يعول عليهم في ضخ استثماراتهم في الاقتصاد الراكد . المشكلة الأكبر في شريحة المستثمرين الأجانب في السندات الحكومية الأمريكية، وهي تبعاً لوزارة الخزانة في حدود 60% . فإذا انكفأت هذه الشريحة عن تجديد الدين، فيعني ذلك تبعات ونتائج، وتقويضاً للثقة في دولة الولايات المتحدة ملاذاً آمناً للتوظيفات الحكومية .

أخطر ما يمكن ان تقود إليه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة، كلما أوغلت قدماً، استيقاظ النزعات الاقليمية في الولايات الخمسين، لا سيما منها الولايات الغنية بالموارد الطبيعية والصناعات التكنولوجية والثقيلة، أو موارد من خدمات المال والصيرفة والاستثمار . وقد تجد تلك الولايات نفسها، وحصتها كبيرة من الضرائب وعائدات الخزانة، أمام طلب المعاملة التفضيلية من الحكومة الفيدرالية .

كانت السيدة الأمريكية نانسي ريجان تقرأ تعويذة قبل خروج زوجها الرئيس رونالد ريجان إلى المكتب البيضاوي ldquo;لطرد الشياطينrdquo; . . يخرج بوش من البيت الأبيض في 20 الجاري وشياطينه باقية حارسة الألغام التي زرعتها سياساته على طريق خلفه . فهل يقوى أوباما على تفكيكها؟