القاهرة - رانيا بدوى


وصف أحمد ماهر، وزير الخارجية السابق، ترشيح حزب laquo;الوفدraquo; للدكتور محمد البرادعى، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لرئاسة الجمهورية، بأنه فضيحة للحزب الذى لا توجد به كوادر، لدرجة أنه يستعين بكوادر من الخارج، معتبراً أن عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، لا يصلح للمنصب أيضاً لابتعاده عن السياسة الداخلية، وعدم انخراطه فيها، معرباً عن أمله ألا يتكرر ما حدث فى انتخابات ٢٠٠٥ التى وصفها بأنها كانت نكتة، مطالباً الدولة، وأجهزة الأمن، والأحزاب بإفساح المجال للشباب للمنافسة على المنصب، واصفاً اقتراح الأستاذ محمد حسنين هيكل بتشكيل مجلس أمناء، بأنه أمر فرعى.

وكشف ماهر فى حواره مع laquo;المصرى اليومraquo; عن معرفته السبب الحقيقى وراء خسارة فاروق حسنى، وزير الثقافة فى انتخابات laquo;اليونسكوraquo;، لكنه رفض الإعلان عنه، نافياً أن تكون خسارته بسبب مؤامرة، معتبراً أن معاهدة laquo;كامب ديفيدraquo; مخلوق مشوه لن يكتمل نموه إلا بحل القضية الفلسطينية، واستعادة كل الأراضى المحتلة، مشدداً على ضرورة أن تسعى مصر لجعل علاقتها بأمريكا ثنائية، وليست ثلاثية مرهونة بعلاقتها مع إسرائيل، وإلى نص الحوار:

■ نعيش الآن حالة من الجدل السياسى والإعلامى حول مستقبل مصر، وهناك آراء عديدة واقتراحات كثيرة ومناقشات أكثر حول الرئيس القادم وطريقة تغيير الحكم، ما رأيك فى كل هذا الزخم؟

- هذا الجدل، وهذه المناقشات شىء إيجابى جداً جداً، ويدل على اهتمام المواطن بالسياسة ووعيه بحقوقه، بعد أن كان فى فترة من الفترات عازفا تماماً عن السياسة وغير مهتم بها، وإدراك المواطن أن مصر بها مشكلات كثيرة، وهناك انتخابات برلمانية ورئاسية مقبلة، واقتناعه بوجوب التفكير فى مستقبل مصر، أمر يسعدنى جداً، لكن ما يسعدنى أكثر هو هذا المناخ الذى يسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم وطموحاتهم.

■ ما رأيك فى اقتراح الكاتب الصحفى الأستاذ محمد حسنين هيكل بتشكيل laquo;مجلس أمناء الدولة والدستورraquo;؟

- بشكل عام الكلام عن مجلس هنا، أو لجنة هناك أمور فرعية، وأنا من أنصار أن تبدأ الأحزاب النشاط والعمل من الآن، وحتى الانتخابات، فمصر فى حاجة أكثر إلى حياة سياسية حقيقية، وعلى الدولة من الجانب الآخر أن تسمح للتيارات المختلفة بالتعبير عن آرائها وبرامجها فى إطار حزبى مشروع، وأن يتقدم للترشح كل من يرى فى نفسه أن لديه برنامجاً، وأنه سيحظى بالتأييد.

■ لكن المادة laquo;٧٦raquo; من الدستور لن تسمح بذلك؟

- تعديل المادة laquo;٧٦raquo; عليه ملاحظات كثيرة، لكن يمكن للأحزاب تجاوزها.

■ هل يفهم من ذلك أنك مع الفكرة التى طرحها حزب laquo;الوفدraquo; باستدعاء الدكتور محمد البرادعى، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضمه للهيئة العليا للحزب، ليتمكن الحزب من ترشيحه، فى محاولة للتحايل على المادة ٧٦؟

- لا على الإطلاق، أنا ضد هذه الفكرة، فليس من المقبول أن تجلس الأحزاب دون عمل، ثم تستأجر مدرباً من الخارج ليقود الفريق، أو كمن يجلب لاعباً من خارج النادى الأهلى مثلاً، ليلعب باسمه، ولو كنت رئيس حزب فلن أقبل على نفسى هذا الأمر لأنه فضيحة.

■ لكن معظم الأحزاب ليس لديها كوادر تخوض به الانتخابات؟

- من قال هذا، الأحزاب بها شباب ممتازون، لكنهم غير ظاهرين للعيان، وليس من الضرورى إصرار الأحزاب على ترشيح من قاربوا سن السبعين، فليبحثوا عن شباب فى الأربعينيات، لكن المشكلة أن كل شخص يجلس على رأس حزب، لا يريد أن يظهر غيره، فليفسحوا المجال للشباب.

■ وهل الوقت كافٍ لتتمكن الأحزاب من تحقيق ذلك؟

- مازال هناك عامان، وهما مدة كافية، فلو بدأ الجميع من الآن، فمن الممكن جدا أن نرى شباباً بارزاً داخل الأحزاب خلال عام واحد، المهم أن تعرف الأحزاب ماذا تريد، وأن تنشط بشكل منظم وفعال فى الشارع.

■ الأحزاب تتهم أجهزة الأمن والحزب الوطنى بعرقلة عملها، ما تعليقك على هذا الاتهام؟

- هذا كلام غير واقعى، نعم هناك مضايقات من الأمن والحكومة، لكن لا يجب أن تنسى الأحزاب، ومنها laquo;الوفدraquo; مثلاً، أنها مارست الحياة السياسية بكل قوة وفاعلية فى ظروف أسوأ من ذلك، حيث الاحتلال الإنجليزى، والملك، وكان أعضاؤها يتعرضون للنفى إلى مالطة، أو جزيرة سيشل، ومع ذلك لم يكفوا عن ممارسة السياسة، فالسياسة ليست طبق كافيار يقدم على صينية من ذهب، لكن من يريدها عليه أن يتحمل ويصبر، وطالما أخذت الأحزاب حيزاً ومساحة من العمل، فماذا فعلوا بها، هل استفادوا من هذا الحيز؟! أبدا بل أخذوا يتشاجرون على من هو رئيس الحزب، وعندما اختلفوا، قرر أحدهم رفت الآخر، فما كان من الثانى إلا أن رفض الرفت، وتركوا السياسة وتفرغوا للخلافات.

■ البعض يعتبر أن الفائز الوحيد من الخلافات التى تسيطر على الأحزاب هو الحزب الوطنى؟

- لا الكل خاسر بمن فيهم الحزب الوطنى، والخاسر الأكبر مصر، وبما أننى أدعو الأحزاب لبدء العمل، فأنا أيضا أدعو أجهزة الأمن إلى الكف عن الممارسات التى تعرقل عمل الأحزاب، ولتسهم الدولة فى إفساح المجال للجميع للتعبير عن آرائه وبرامجه.

■ وماذا عن جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo;؟

- أعتقد أن الطريقة التى تم التعامل بها مع الإخوان هى التى جعلتهم يظهرون فى الشارع المصرى، وهناك عدد من الإخوان اجتمعوا وقرروا تأسيس حزب سياسى هو حزب laquo;الوسطraquo;، أعتقد أنه سيكون حزباً معتدلاً يعبر عن الإسلاميين باعتدال، لذلك من المفيد أن يخرج هذا الحزب للنور، على أن يلتزم أعضاؤه فعلاً بفصل السياسة عن الدين، ويظلوا على اعتدالهم.

■ ما رأيك فى الأسماء التى تم ترشيحها للرئاسة فى الفترة الماضية مثل الدكتور أحمد زويل، والدكتور محمد البرادعى، وعمرو موسى؟

- مع احترامى لكل هذه الأسماء وتقديرى لهم، لكنهم شخصيات لها خبرة عميقة فى مجال معين، وظلوا سنوات طويلة خارج مصر، ولا علاقة لهم بالمشكلات الداخلية ولا يعرفون عنها شيئاً.

■ وهل ينطبق الأمر نفسه على عمرو موسى؟

- عمرو موسى يسافر كثيرا بحكم عمله، ورغم أنه يذهب ويجىء إلى مصر، إلا أنه فى النهاية ابن وزارة الخارجية، وليس منخرطاً فى الحياة السياسية الداخلية.

■ بعيداً عن الأسماء المطروحة، هل هناك شخصيات بعينها ترشحها لخوض الانتخابات الرئاسية؟

- لماذا نحدد أشخاصاً، فمن المبكر جداً طرح أسماء الآن، فلنترك الأمور تسير، ربما يظهر من هم جديرون بالمنصب، ووقتها كل شخص ينتخب من يرى أنه يرضى طموحاته.

■ وماذا لو رشح جمال مبارك نفسه، ضمن مجموعة من المرشحين، أمثال من خاضوا الانتخابات السابقة، هل ستختار جمال مبارك؟

- ولم لا، لكن آمل ألا يتكرر ما حدث فى الانتخابات الماضية، فهى كانت laquo;نكتةraquo;، وحتى لا يتكرر ذلك يجب أن تنشط الأحزاب وتقدم كوادر جديدة.

■ بعيداً عن الشأن الداخلى، وأنت كنت أحد المشاركين فى مفاوضات كامب ديفيد، هل تعتقد أن مصر دللت إسرائيل بما يفوق ما جاء حتى فى كامب ديفيد ومعاهدة السلام؟

- laquo;كامب ديفيدraquo; أقيمت على سوء تفاهم، مصر وقّعت، وفى ظنها أنها توقع على الخطوة الأولى فى طريق التسوية، والحصول على جميع الأراضى العربية، وكان الرئيس الراحل أنور السادات يصر على ذلك، وإسرائيل وقعت وفى تصورها أنه بإعطائها سيناء لمصر ليس على مصر المطالبة بأى أرض أخرى، حتى سيناء لم تعطها لنا بسهولة، لكن laquo;بطلوع الروحraquo;، وظلت متمسكة بأجزاء منها حتى حسم التحكيم الدولى الأمر.

■ بعد كل هذه السنوات كيف تقيّم عملية السلام بين مصر وإسرائيل؟

- السلام المصرى الإسرائيلى طالما بقى اتفاقا ثنائيا فهو مخلوق مشوه لم يكتمل النمو، وحتى يكتمل وتنمو له أطراف وأنف وفم يجب أن يكتمل بحل القضية الفسطينية، والجولان، وباقى الأراضى المحتلة.

■ لكن هناك من يرى أن مصر دللت إسرائيل وسمحت لها بانتهاك المعاهدة، رغم كل ما فيها من تشوه، بعدم اتخاذ أى رد فعل على الاعتداء المتكرر على الحدود بدعوى ضرب الأنفاق، وعدم اتخاذ موقف واضح من أحداث غزة وغيرها؟

- العلاقة بين مصر وإسرائيل قائمة على المصلحة، ونحن نريد أن نتقدم فى عملية السلام الشامل، لكن تصرفات إسرائيل تجعل مصر laquo;تغتاظraquo;، وكنت أتمنى، كمواطن وأنا فى بيتى الآن، أن نرد ولو بشكل أعنف، كلامياً على الأقل، أو حتى نضرب على المنضدة اعتراضاً على ما يحدث.

■ ولماذا فى تقديرك لم نستطع اتخاذ أى رد فعل حتى ولو بالكلام، على حد تعبيرك؟

- ربما مصر تتحمل، وتحاول أن تكتم مشاعرها لتستطيع الاستمرار فى حل القضية الفلسطينية، لكن لو اتفقت الأطراف الفلسطينية كانت ستسهل على مصر الأمر كثيراً، وستجنب الجميع وقوع مثل هذه الأحداث، فمصر تريد دولة فلسطينية، وتريد أن تنسحب إسرائيل من الأراضى المحتلة، لكن الخلاف الفلسطينى يؤزم القضية، ولا يوجد طرف فلسطينى برىء، حركة laquo;فتحraquo; أخطأت بشدة، ومن أرادوا انتخابات ديمقراطية فى فلسطين، هم أنفسهم من لم تعجبهم نتيجة الانتخابات، والعالم كله تعامل مع الموضوع بشكل سيئ جداً، وتم حصار غزة بشكل غير مقبول وغير مفهوم، ثم تم تشجيع أبومازن على إقالة الحكومة، وهذا خطأ كبير.

■ أبومازن أصدر مرسوماً بإجراء الانتخابات فى أبريل المقبل رغم عدم إتمام المصالحة الفلسطينية، كيف ترى هذه الخطوة؟

- إزاى يعنى؟! laquo;هو الكلام مش بالعقلraquo;، كيف سيجرى انتخابات فى غزة، ثم يقول لو حدث صلح أنا ملزم بتأجيل الانتخابات، لا يوجد داع لهذه التصرفات، حركة laquo;حماسraquo; جزء من القوى الفلسطينية، ويجب مصالحتها، لأن الفائز الوحيد هو الفلسطينيون.

■ كيف ترى التقرير الذى أصدره القاضى ريتشارد جولدستون حول الحرب على غزة، واللغط الذى أثير حول تأجيله؟

- التقرير كان فرصة عظيمة للتوحد وليس فرصة للتفكك، وكان تأجيل مناقشته خطأ، وأهمية هذا التقرير تظهر عندما اعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن بلاده خالفت القانون الدولى، وأنه أخطأ، والدليل أنه طالب بتغيير القانون الدولى الذى بموجبه تم توجيه اتهامات وإدانة لبلاده، وهناك دليل آخر أنه قال سيتم تشكيل لجنة ترد على تقرير جولدستون، إذن هو يعرف أن التقرير صحيح، وأنهم أقدموا على جرائم حرب للهروب من التقرير، لذلك فإن مطالبة المنظمة بتأجيل مناقشة التقرير كانت خطأ، وضع جميع العرب فى وضع حرج للغاية.

■ كنت سفيراً لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية.. فهل مازلت تؤمن بمسألة العدالة الدولية؟

- العدالة الدولية غير فعالة، ويجب أن تساندها القوة والعلاقات المتشعبة بين الدول. الإدارة الجديدة فى أمريكا تعطى فرصة إلى حد ما، للحديث عن العدالة الدولية، لكنها إدارة تواجه مشاكل ضخمة، ليست فقط ضغوط اللوبى الإسرائيلى، لكن مشاكل داخلية أيضاً، مثل الأزمة الاقتصادية، والتأمين الصحى، ومشاكل خارجية مثل أفغانستان، لذلك أنا أعتبر أن نوايا هذه الإدارة أطيب كثيراً من إمكانياتها، وربما غير قادرة على التنفيذ،

لذلك صعب جدا أن نطالبها باتخاذ مواقف حاسمة، لكن علينا مساعدتها على اتخاذ هذه المواقف، وذلك عن طريق إتمام المصالحة الفلسطينية، ويجب أن نعمل على تهدئة الأمور فى المنطقة، حتى يمكن الاستفادة من الروح الطيبة للإدارة الجديدة، فهى مستعدة للحوار مع إيران، ومن الممكن أن نستغل هذه الأجواء لإثارة الملف النووى الإسرائيلى فيما بعد،

وما أقصده هو أن أوباما لن يقول كن فيكون، لكن إدارته أكثر قدرة على الحوار والاستماع، ويجب أن نسعى لجعل العلاقات المصرية - الأمريكية ثنائية، وليست ثلاثية مرهونة بعلاقة مصر مع إسرائيل، وهذا ممكن فى ظل الإدارة الحالية، ورغم كل ما يقال عن تأثير اللوبى الإسرائيلى، والكونجرس، فإن الرئيس باراك أوباما له تأثير على الكونجرس، كما أن المصالح الأمريكية فى المنطقة، أكبر من المصالح الأمريكية الإسرائيلية، لأن إسرائيل بدأت تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة، بعد أن كانت مخلب القط، والحارس على العلاقات.

■ وهل لدينا كروت عربية للضغط على أمريكا أو حتى اللعب بها؟

- نعم كروت كثيرة.

■ ماذا بخلاف البترول؟

- البترول كارت قوى لا يمكن تجاهله.

■ لكنه أصبح سلعة أكثر منه سلاحاً؟

- نعم لكنه مازال كارتاً قوياً لو توحدت الإرادة، بالإضافة إلى تسوية المشكلات فى العراق، وأفغانستان، فالدول العربية قادرة على التدخل للمساعدة فى حل هذه الأزمات وتهدئة الأوضاع لوقف نزيف الدم الأمريكى.

■ هل القواعد الأمريكية فى الدول الخليجية من الممكن أن تكون أحد الكروت؟

- والله الدول التى سمحت بهذه القواعد مبسوطة بها فلن تضغط على أمريكا بها.

■ هل أنت مع بيع مياه الخليج، خاصة أن فرنسا تسعى أيضا إلى وجود قواعد لها فى المنطقة؟

- أنا لا أحب القواعد الأجنبية، ومصر طالما رفضت هذه القواعد، والتاريخ أثبت أن هذه القواعد إلى زوال.

■ هل تمثل هذه القواعد خطورة على المنطقة؟

- دول الخليج ترى أن هذه القواعد تحميها من أخطار إيران، فإذا كانت أمريكا فى طريقها إلى إجراء تسوية مع إيران، فأنا أعتقد أن هذه القواعد ستفقد وظيفتها، وربما تتم تسويتها والوصول إلى اتفاق بشأنها.

■ وهل تعتقد أن هذا من الممكن أن يحدث، خاصة أن القواعد ليست فقط من أجل إيران، وإنما أيضا لحماية إسرائيل فى المنطقة؟

- الأمور معقدة وهى دائرة مرتبطة ببعضها، يجب إجراء تسويات شاملة فى المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لتهدأ الأجواء فى الشرق الأوسط.

■ لكن رغم تفهم أوباما، فإن هناك تهديداً إسرائيلياً مستمراً بضرب إيران؟

- إيران لديها قوة للدفاع عن نفسها، وأمريكا لن تدع إسرائيل تضربها، لأن معنى ذلك أن المنطقة ستشتعل، ومن مصلحة أمريكا الآن الاستقرار فى المنطقة، وإسرائيل بهذه التهديدات تهدد أيضاً المصالح الأمريكية فى المنطقة، لذلك فهناك ضرورة لإعادة توزيع الكروت، وأن يجتمع العرب لاستخدامها بالشكل الأمثل.

■ على ذكر العرب، ما تقييمك للقمم العربية التى تعقد سنوياً؟

- قمم تقليدية، كل واحد يحضر معه ١٠ أو ٢٠ شخصاً، والأوراق التى خرجت العام الماضى، هى نفسها التى تخرج فى القمة التى بعدها وهكذا، وأنا أرى أن الحل يكون بالدعوة إلى عقد قمة عربية للرؤساء فقط دون معاونين فى جلسة مغلقة بعيدة عن الخطب والهتافات والأوراق والبيروقراطية، وكل منهم يواجه الآخر بوجهة نظره وما يغضبه، لتسوية كل الخلافات، فلا توجد مشكلة ليس لها حل.

■ ما رأيك فيما تردد عن وجود مؤامرة صهيونية أمريكية فى معركة اليونسكو التى خسر فيها المرشح المصرى فاروق حسنى؟

- أعرف السبب الحقيقى لخسارة فاروق حسنى، لكننى لن أعلنه، وعلى أى حال خسارته لم تكن مؤامرة كما تردد، فهى انتخابات فى النهاية، وللكل الحق فى اختيار من يريده ويراه مناسباً للموقع، ومن المؤكد أن هناك خطأ فيما حدث يجب دراسته لنستفيد من أخطائنا.

■ وهل تعتقد أننا درسنا الخطأ لنتعلم منه؟

- هذا خطأ أكبر أن نترك معركة مهمة مثل اليونسكو تمر بنتائجها دون دراسة، حتى نتجنب الأخطاء فى المرات المقبلة، ليس اليونسكو فقط، ولكن فى كل الأحداث التى فشلنا فيها، لماذا لم نشكل لجاناً لدراستها، وعلى المسؤولين اتخاذ قرار بهذا الشأن، فكل الشعوب تتعلم من أخطائها إلا نحن.

■ ننتقل إلى ملف أفريقيا، وأنت عضو فى لجنة laquo;مبيكىraquo; التى شكلها الاتحاد الأفريقى لبحث أزمات دارفور، والتى قدمت تقريرها فى القمة الخاصة لمجلس السلم والأمن الأفريقى فى أبوجا، إلى ماذا خلص التقرير؟

- الغرض من التقرير هو مناقشة قضايا السلام والعدالة وتحقيق المصالحة فى دارفور، وقد تم انضمامى لهذه اللجنة بترشيح مصرى، وقد حضرت عدداً من الاجتماعات التى عقدت فى الخرطوم وأديس أبابا، حيث اجتمعت هذه اللجنة مع أعضاء بارزين فى المعارضة السودانية، وممثلين عن المجتمع المدنى، كما التقت عدداً من زعماء دارفور، وأشخاصا من الجنوب، والتقرير بذل فيه جهد كبير، وقد أدار رئيس جنوب أفريقيا السابق سابو مبيكى الجلسات باقتدار شديد، وهو تقرير متوازن ويحاول فى تقديرى البحث عن حلول لمشكلة دارفور، والتى تقوم على أساس السلام والتوافق والعدالة، بمعنى إنهاء العمليات العسكرية، وتقديم من ارتكب أعمالاً مخالفة للقانون للمحاكمة، لكن المحاكمة التى يتحدث عنها التقرير هى محاكمة سودانية، وأن يتولاها القضاء السودانى الذى يوجد به أعضاء أفارقة.

■ هل تطابق التقرير مع تقرير المحكمة الجنائية؟

- لا مختلف تماماً، فتقرير المحكمة الجنائية كان من وجهة نظرى تقريراً سياسياً بالدرجة الأولى، وكان متحاملاً على الرئيس السودانى عمر البشير، وكانت فيه مبالغة فى تصوير الأمور، فالمطالبة بمحاكمة رئيس دولة أفريقية أمام محكمة دولية أمر غير مقبول على الإطلاق.

■ هل هذا يعنى أن التقرير يبرئ الرئيس مما نسب إليه من ارتكابه جرائم ضد الإنسانية فى دارفور؟

- التقرير لا يهدف إلى إدانة أو تبرئة أحد، فالهدف هو رصد الوقائع والأوضاع الخاطئة، ووضع آلية لحل أزمة دارفور بشكل موضوعى يحقق للجميع السلام والتوافق، والأهم هو تحقيق العدالة، لكن عن طريق جهاز ادعاء سودانى به أعضاء من دول أفريقية كما قلت يختارهم السودان ويوافق عليهم الاتحاد الأفريقى.

■ وهل تم رصد أوضاع خاطئة فى التقرير؟

- نعم منها النزاع على الموارد وما يحيط به من نزاع بين الهويات العرقية على ملكية الأراضى، ونزوح جزء كبير من السكان وتشريدهم، كما رصد عمل الحركات المسلحة، وحث الحكومة على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذى يتبعه أمن دائم، كذلك فإن أهالى دارفور- بعد سنوات من التشرد - يطالبون بالحق فى العودة للعيش بسلام فى ديارهم ومجتمعاتهم المحلية، وهم ينتظرون من الحكومة أن تقدم تعويضات فردية وجماعية.

■ هل حمَّل التقرير أسماء بعينها مسؤولية تدهور الأوضاع فى دارفور؟

- التقرير ليس به أسماء، وكما قلت لسنا جهة ادعاء، نحن نرصد الأوضاع ونحرص على أن يقدم المتورطون فى هذه الجرائم للعدالة، وهذه مهمة القضاء السودانى، ومن يثبت تورطه يحاكم.

■ حتى ولو كان الرئيس عمر البشير؟

- تجريم الرئيس غير وارد وأمر غير مقبول من الأساس وهمنا هو الخروج من مأزق المحكمة الجنائية الدولية التى أُثير حولها الكثير من اللغط.

■ هل تعتقد أن الملف السودانى مازال تحت السيطرة المصرية أم أن الأوضاع هناك أصبحت خارج السيطرة؟

- مصر تحاول دائما حل أزمات السودان والحفاظ على وحدته وعملنا منذ اتفاق laquo;نيفاشاraquo; على مساعدة وحث الطرفين على جعل الوحدة هى الخيار المفضل لدى السودانيين.

■ لكن التقارير الأجنبية تؤكد أن انفصال الجنوب عن الشمال قادم لا محالة؟

- نحن نأمل ألا يحدث هذا، فمن مصلحة السودانيين جميعاً العيش فى دولة كبيرة موحدة قوية، بدلاً من الانفصال الذى ربما ينتج دولة غير مستقرة.

■ بعيداً عن الآمال والطموحات بالنسبة للمستقبل، ما هو الواقع هناك؟

- خطر الانقسام موجود وكلا الطرفين يساهم فى ذلك بأخطاء متبادلة أدت إلى ظهور نزاعات قبلية وعرقية، وتوتر فى الأجواء مع تدخل قوى أجنبية بشدة لحث السودان على الانفصال والوقت يمر.

■ وأين مصر من هذا الخطر؟

- المسألة صعبة للغاية ومعقدة والتفكك فى السودان موضوع خطير ليس للسودانيين فقط وإنما للقارة بأكملها.

■ هل هناك تهديد على مصر إذا حدث انقسام فى السودان؟

- مصر من مصلحتها أن تكون جارتها مستقرة، لكن تهديد بمعنى التهديد لا أظن، فقط ستزيد المنطقة دولة.

■ وهل تعتقد أنه لو حدث الانقسام، ستطالب السودان الجديدة بحصة منفصلة من نهر النيل، ووقتها لن يكون صراعنا مع ٩ دول إنما ١٠ دول؟

- السودان بأكمله شماله وجنوبه من دول المصب وليس المنبع، لذلك سيكون فى نفس كفة مصر فى مقابل دول المنبع، وليس ضدنا، وإن كنا نأمل ألا يكون هناك أى خلاف بيننا وبين أى دولة من دول حوض النيل، فالمشكلة ليست قلة مياه، فالمياه موجودة وبوفرة، لكنها مشكلة سوء انتفاع، وفاقد كبير يذهب فى المستنقعات وبرك الحشائش، والهدف العام لكل دول حوض النيل - وهو هدف لا خلاف عليه - هو زيادة موارد المياه وتقليل الفاقد، ومصر لديها الكثير من المشروعات فى دول حوض النيل، والموضوع يجب أن يعالج على أساس فنى ليستفيد الجميع الاستفادة القصوى من مياه نهر النيل دون الإضرار بأحد، لكن للأسف هناك دول على رأسها إسرائيل حولت الأزمة إلى سياسية.

■ إسرائيل تدفع ملايين الدولارات فى مشروعات المياه فى دول حوض النيل، فهل هى فعلاً تضغط لتقليل حصة مصر من المياه؟

- إسرائيل مهما كان السلام بيننا وبينها، لا تريد أن تعيش مصر فى هدوء، ولا أن تكون بينها وبين جيرانها علاقات طيبة، فالعلاقة بيننا وبين إسرائيل ليست صداقة ولا ودا، إنما قائمة على المصالح.

■ برؤيتك هل ستنجح إسرائيل فى التأثير على دول المنبع ضد مصر خاصة مع تمويلها مشروعات إقامة سدود دون رغبة مصر؟

- لا تستطيع دول المنبع إقامة سدود دون رغبة مصر، والسدود الموجودة لا تحجز المياه إنما هى سدود كهرباء، ولحسم هذا الأمر حتى لا نتحدث فيه كثيراً، أقول إن مصر حريصة على علاقات جيدة مع دول منبع النيل، وتسعى لإقامة مشروعات لزيادة الموارد، والمصالح متكاملة وليست متناقضة، لكن مصر لن تسمح بالمساس بحصتها فى المياه مهما حدث.

■ مصر أهملت أفريقيا كثيراً وأفاقت مؤخراً عندما فوجئت بحجم التواجد الإسرائيلى فى دول حوض النيل فبدأت تنشط نشاطاً مرتبكاً.. فما تعليقك؟

- لم نهملها أبداً، ودخلنا فى منظمات أفريقية مثل laquo;نيبادraquo; وlaquo;الكوميساraquo;، إضافة إلى اتفاقيات رفع الجمارك وغيرها.

■ ومع ذلك علاقتنا التجارية بإسرائيل أقوى من علاقاتنا بأفريقيا؟

- ليس لدى أرقام فى هذا الشأن.

■ إذن ما الذى يجعلنا نشعر أننا أهملنا أفريقيا مادمت تنفى الأمر وما الذى خلق لدينا هذا الإحساس؟

- فى فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان اهتمامنا بأفريقيا ظاهر للعيان، لأنه كان يرتكز على مساعدة الحركات التحررية فى أرجاء القارة، لكن الدول الآن استقلت، وربما نحن انشغلنا فى مرحلة من المراحل بعلاقات أخرى، لكن الآن أؤكد أنه يوجد اهتمام كبير بأفريقيا، ربما يكون غير ظاهر ويدور فى الأوساط السياسية والدبلوماسية، لكنه موجود، الاهتمام لم ينقطع، لكنه يتذبذب أحياناً يزيد وأحياناً يقل لكنه دائماً موجود.

■ وهل أنت راض عن حجم الاهتمام الموجود؟

- نحتاج لجهود أكبر وأكبر.