15-06-2009

جنت عليهم شهادات ميلادهم


جزائريون أحياء يعيشون بهوية أموات


الجزائر - الخبر


كيان غائب وشخصية مريضة ووجود بُني على أنقاض آخر لم يعد له وجود... هو شعور صاحب عينة من الجزائريين يعيشون بيننا بهوية شخص ميّت ليس له مكان بين الأحياء، وذنبهم الوحيد أنهم ولدوا وسط عائلة فقدت وليدها وعوضته بآخر.
''أعيش على هامش الحياة، فليس لي وجود في هذا العالم، فأي حياة هاته التي أحياها وأنا لم أكتسب أول حق للطفل، وهو يصرخ صرخته الأولى معلنا قدومه للدنيا: الاسم''.
بهذه الكلمات الناقمة المتشائمة خاطبتنا فريال، 40 عاما، إطار في شركة عمومية، وهي تروي تفاصيل حكايتها مع اسم شقيقتها الميتة الذي لازمها منذ أن رأت النور.
تقول فريال'' فقدت عائلتي شقيقة سبقتني إلى الدنيا بثلاث سنوات، توفيت عند بلوغها سنتها الثالثة وكانت والدتي وقتها حاملا بي، ومن سوء حظي وجهل والدي أنني ولدت فتاة، فلم تسجل وفاة شقيقتي في الحالة المدنية، وبالمقابل لم يسجل ميلادي وفق منطق.. ماتت طفلة زادت طفلة..''.
طيف الشقيقة الميتة صاحب محدثتنا في كل مراحل حياتها، حيث أجبرت على دخول المدرسة وهي دون الرابعة، لأن شهادة ميلادها، أو بالأحرى شهادة ميلاد شقيقتها، تظهر أنها في السادسة، رغم أن شكلها لم يكن يوحي بذلك إطلاقا، على حد تعبيرها.
وتواصل محدثتنا، وهي تروي حكايتها مع المدرسة، ''كنت أبدو أصغر عنصر في القسم، لم أكن أعي ما يحيط بي، حتى المعلمة تفطنت لذلك وحاولت الاستفسار من والدتي، غير أنها تحفّظت عن إفشاء سّر العائلة، خاصة أني أكملت مشواري الدراسي بعد ذلك بنجاح''. ولم تنته مشكلة فريال مع السن المزيف عند أسوار المدرسة، بل أرخت بظلالها على حياتها الخاصة أيضا، ذلك أنها وجدت بالغ الصعوبة في إقناع خطيبها أنها تصغره بخمس سنوات، وإن كان عقل خطيبها قد استوعب الحكاية على غرابتها، فقد واجه هو الآخر الأمرين في إقناع عائلته بعروسه التي ظلت في نظرهم أكبر منه.
حالة فريال ليست الوحيدة، ففريدة المعلمة ذات 38 عاما كادت تتحول إلى ذكر رغما عن أنفها، ذلك أن والدها كان ينتظر أن يرزق بمولود ذكر بعد أربع بنات، ولأن فريدة المسكينة خالفت توقعات والدها، اختار هذا الأخير أن يجعل منها ذكرا على طريقته.
تقول المتحدثة التي وصلنا إليها عن طريق أصدقاء يعرفون تفاصيل قصتها ''سجلني والدي باسم عبد الرحمان، وعليه كنت بخلاف شقيقاتي المدللة، حتى إنني اكتسبت سلوكا ذكوريا أكثر منه أنثويا في طفولتي الأولى''.
ومن حسن حظ محدثتنا أن والدها تفطن لفداحة خطئه، واستغرق سنوات لتسوية الوضع قانونيا، وإلا كانت فريدة ستظل عبد الرحمان رغما عن أنفها، وتقضي سنتين من عمرها مجنّدة لأداء الخدمة الوطنية، ذلك أن عائلتها تلقت استدعاء باسم الابن المزعوم لأداء الخدمة الوطنية، والمضحك أن أمر التبليغ جاء عن طريق الدرك الوطني ''ولك أن تتصوري الموقف في الحي والعائلة'' تواصل محدثتنا ضاحكة.
ورغم أن هذه العينات تعايشت مع واقعها، إلا أن إمكانية تصحيح الوضع لا تزال قائمة، حسب المحامي عزي مروان، موضحا ''يمكن لهؤلاء تصويب تاريخ ميلادهم عن طريق حكم قضائي، والاستعانة بشهود لإثبات التاريخ الحقيقي والمكان الأصلي لميلاد الشخص المعني''.
وأبرز المتحدث أن هذه القضايا نادرة الحدوث في الوقت الحالي، مشيرا إلى أنها تصنف في خانة التصريح الكاذب أمام هيئة قانونية، واستعمال المزور في حال استعمال وثيقة شهادة الميلاد.
وهو نفس ما ذهب إليه السيد بن عكسة عبد الله، رئيس مصلحة الحالة المدنية ببلدية سيدي امحمد، حيث أكد هذا الأخير أن هذا النوع من القضايا لم يعد مطروحا. ذلك أن إدارة المستشفى تتكفل بتسجيل المواليد الجدد، غير أنه لم ينف إمكانية حدوثها في المناطق النائية، حيث يمكن التغاضي عن الشهادة الطبية وشهادة الوفاة عند الدفن