24-06-2009

برقع ساركوزي


فريد أحمد حسن



الحديث الذي أدلى به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاثنين الماضي أمام مجلسي البرلمان في فرساي عن البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، ووصفه له بأنه يشكل علامة استعباد وأن ارتداءه غير مرحب به في فرنسا، وقوله إن الذي ترتديه النساء في أفغانستان مثلا ليس رمزا دينيا وإنما رمز استعباد للمرأة، ووصفه كذلك للمرأة المرتدية لهذا النوع من اللباس بالسجينة خلف سياج والمعزولة عن الحياة الاجتماعية والمحرومة من الكرامة، حديث لن يمر مرور الكرام وسيتسيد الكثير من المجالس في الكثير من بقاع الدنيا، كون هذه المسألة من المسائل التي ينظر لها كل فرد من زاوية معينة تمليها عليه ثقافته وتربيته وتكوينه وعلمه وطريقة تفكيره وانتماؤه السياسي وأفكاره والأيديولوجيات التي يؤمن بها والبيئة التي يعيش فيها وتحولاته الفكرية، وغيرها من أمور كثيرة يصعب معها فرض قانون وضمان تطبيقه.
أما مسألة عدم ترحيب فرنسا بارتداء النساء لباسا معينا سواء كان برقعا للوجه أو لباسا كاملا يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها أو حجابا فهذا حقها، حيث من حق أي بلاد في العالم أن تفرض أمورا معينة على قاصديها أو المقيمين فيها ''في بعض البلاد العربية والخليجية صدرت قوانين بمنع الخروج إلى الشارع والأماكن العامة بالجلابية للرجال وبالسروال القصير للنساء وقوانين أخرى في هذا الخصوص وهذا حقها حيث أمور كثيرة تفرض عليها فرض قوانين معينة كالدين والعادات والتقاليد والأعراف وغيرها'' غير أن نقطة الخلاف مع الرئيس الفرنسي في خصوص تصريحه المثير من وجهة نظري تكمن في التناقض بين ما تدعو إليه العلمانية من حريات شخصية وبين فرض رأي وفكر وتوجه معين على الآخرين، حيث ارتداء الحجاب أو النقاب أو البرقع أو أي لباس ساترا كان أو فاضحا ينبغي أن يكون صادرا عن قناعة المرأة وليس فرضا عليها أو معبرا عن قناعات الآخرين.
هنا في البحرين وفي منطقة الخليج العربي ترتدي المرأة أنواعا من النقاب والبرقع والحجاب لأسباب مختلفة، فهناك من هي مقتنعة بأنه لا خيار أمامها سوى الاستجابة إلى هذا اللباس لأسباب دينية حتى لو لم تكن ملتزمة دينيا بالمعنى الدقيق، وهناك من ترتديه لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد والأعراف وأحكام المجتمع حتى لو لم تكن مقتنعة بكل هذه الأمور، وهناك من تجد أنه لا مفر من ارتداء هذه الأشياء كي لا تغضب الزوج، وهناك من تلجأ إليها لأسباب معينة في أوقات معينة دون غيرها، وهكذا.
ربما ما لا يعرفه ساركوزي وآخرون في فرنسا وبلاد الغرب أن البرقع تستخدمه بعض النساء حاله حال أي وسيلة تجميل حديثة فهناك من النساء من تسعى إلى إبراز جمال عينيها من خلال البرقع وهو ما تسبب في أن تجود قريحة الكثير من الشعراء بأبيات غزل خالدة، وهناك من ترى في البرقع وسيلة لتخفي عن الناس شخصيتها ''كما تفعل بعض المطربات المشهورات كأحلام مثلا عندما يردن الذهاب إلى مكان عام كي لا يتسبب أحد في مضايقتهن.. وكما تفعل بعض نساء العائلات الكبيرة عندما يقصدن التسوق في بعض المحلات المعروفة برخص أسعارها ولكن أكثر قاصديها من ذوي الدخل المحدود'' وغيرها من أسباب ليس بالضرورة أن تعلن المرأة عنها.
شخصيا لست مع البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من أعلاها إلى أسفلها فتبدو وكأنها خيمة تتحرك أو بحسب وصف ساركوزي سجينة خلف سياج ومعزولة عن المجتمع. وربما لا أجد نفسي متحمسا للحجاب أو العباءة الخليجية ولكنني مع كل هذا إن كان باختيار المرأة نفسها وصادرا عن قناعة منها، وضده كله لو كان فرضا ويعبر عن قناعة الآخرين كالزوج أو الأب أو الأخ أو العم أو الخال أو أنه هو ما يريده الجيران والأصحاب. يهمني كثيرا أن يكون ما تلبسه المرأة هو ما اختارته لنفسها بنفسها وعن قناعة منها والسبب في هذا بسيط هو باختصار ''حقها''، فكما أن للرجل حقا في اختيار ما يلبس كذلك ينبغي أن يكون للمرأة الحق في اختيار ما تلبس فالزمن الذي كان فيه الرجل يفرض على المرأة أن تلبس ما يريده هو ينبغي أن يكون قد ولى وانتهى.
لست أتحدث عن المرأة في أفغانستان أو باكستان أو في غيرهما فلباسهم من شأنهم ولكنني أتحدث عن فرنسا وأوروبا والغرب الذي يناقض نفسه بادعاء الحريات وفي نفس الوقت منع المرأة الفرنسية وغير الفرنسية من ارتداء ما يعبر عن قناعتها وأفكارها. لتلبس المرأة في فرنسا ما تلبس أو إن شاءت لا تلبس (وهو موجود هناك) فهذا قرارها ولكن أن يفرض عليها لباسا معينا أو تمنع من ارتداء لباس معين فهو أمر غير حكيم.
ترى ماذا سيكون رد وموقف ساركوزي لو أن البلاد الإسلامية كلها فرضت على الفرنسيات والأوروبيات ارتداء الحجاب أو البرقع أو النقاب أو العباءة عندما يزرنها أو يقمن فيها للعمل؟
لعلي أميل بقوة إلى رأي الرئيس الفرنسي وأرى كما يرى أن هذه الألبسة تجعل المرأة تبدو وكأنها سجينة خلف سياج ومعزولة عن الحياة الاجتماعية ''وهو ما يضايقني رؤيته في المجمعات التجارية في البحرين عندما أرى بعض الخليجيات في هذا الوضع بينما الزوج أو الأخ يدور بالسروال القصير'' ولكنني أبدا لست مع فرض قانون يمنع المرأة أيا كانت من ارتداء الحجاب أو البرقع أو النقاب أو الشادور أو الساري أو المشمر إلا أن يكون قرارها وعن قناعة منها.