علي القاسمي

الفتوى بالمزاج والرغبات وإرسال الأقوال بلا دليل ولا تعليل كارثة مدوية حصدنا نتائجها بما يكفي، لذا كان حديث المفتي العام ومطالبته قبل أيام بضرورة توحيد الفتوى حديثاً مهماً يضرب على المفاصل ويفتح أبواباً لم نجرؤ على طرقها جيداً، بل نقترب منها ونعود، إشارته الأخرى اللماحة اللامحة إلى خطورة انتشار المفتين بغير علم في القنوات الفضائية على المجمل كانت في محلها، وإرجاعه السبب الوحيد الخجول إلى البحث والسعي لتحقيق الشهرة يثبت أن مجتمعنا - والكلام من هنا لي وعلى مسؤوليتي- يثق ثقة عمياء laquo; بالسيمياءraquo; ويؤمن بالملابس قبل الأفكار وهذا عائد لحشو منذ الطفولة، وإقناع متواصل زائداً عليهما عدم الرغبة في التعلم، وضعف القراءة والبحث المستمر عن الرُخَص وتقدير وتقبيل من يأتي بالفتوى بالمقاس والتفصيل على الرغبات والأمنيات ليتكون خليط من الفتاوى على القضية الواحدة وحتى السؤال الواحد، وبعيداً عن القنوات وضجيجها أو تنوعها في الطرح والاستقطاب أشاهد من حولي حين يتوقفون - وهذا جميل - عن المضي قدماً في أي خطوة لا تقف على ثبات أو توازن ونص مقروء صريح من مصادر التشريع الأربعة، فيُخْرِج كل واحد منهم هاتف مفتيه الأقرب حتى يمنحهم laquo;الحل الأقربraquo; ولن أقول laquo;الفتوى الأغربraquo;.

اسمع أيضاً تضارب الفتاوى ومصادرها حين يختلف الأصحاب في نقاط متباينة منها ما هو واضح وضوح الشموس رابعة النهار ولا يحتاج لمجرد فتوى، وجزء بسيط جداً يأتي بإجابته كتب متنوعة متوفرة بها الخبر والإثبات اللذان لا يقبلان التفافاً على نص، هنا للمقارنة والمقارنة أذكر حين انتابتنا - ولا تزال - موجة الأسهم، حيث كانت هذه الموجة تحديداً تهم كل الشرائح ومغرية حد تسييل اللعاب والبحث الجاد عن مصدر تحليل ومنبر يجيز كل التعاملات والتبادلات، عندها صار لكل فئة معينة مفتي محبوب يستندون على كلامه ويعتمدون عليه بل يستشهدون بكل حرف خطه في ورقة أو أطلقه في منبر وفضاء، حتى سمعت حينها كثيراً من إشارات الاتهام الباسمة، ولقطات السخرية الساخنة التي تتمحور أننا كسعوديين لدينا إجماع على جل المسائل بالتحريم إلا المال فالأمر فيه من سعة ولم يكن لرمز الطرافة الخفي أن يظهر لولا التنوع في قراءة الموجة، والتسرع في إصدار القرار والفتاوى بلا علم صريح يؤخذ من صدر المكان لا من الزوايا والأطراف، وبمجرد شك أو وجهات نظر مختلفة.

سهولة الوصول إلى مركز موحد للإفتاء ضرورة ملحة، والأكثر أهمية ألا نخرج في القضية الواحدة بأكثر من فتوى، ولمن لا يزال لديه ذرة شك عن ضرر وخطورة انتشار الفتوى بلا خط حاسم وفاصل، ومرجع ثابت فليحضر للمكان والزمان السبب الجوهري الحساس الذي ذهب بأدمغة وعقول شبابنا إلى وحل الإرهاب ومن الذي أقنعهم وكيف؟ بأن خطواتهم محسوبة محسومة مأجورة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، هم استندوا بلا حاجة لتشغيل مناطق العقل النائمة إلى فتاوى متنوعة تضربهم على المدى البعيد في مقتل، وتم اختيارها بعناية فمطلقوها ومعلنوها في نهاية مسلسل الإقناع كانوا يفتون على مرأى ومسمع ولو في نطاق ضيق، ولا حرج من الاعتراف بالخطورة الأبرز لانتشار المفتين بلا تقنين وتوحيد المنحصرة في التغرير والتشدد، لأن كلاً ينطلق من قواعده وقناعاته الخاصة البحتة ومن زواياه الخفية التي يختار من يشاء ويرغب لكي يصل إليها.