محمد الدعمي

لم يكن من المناسب أن يكتفي الرئيس الأميركي ، باراك أوباما، بتوقع أو استباق أيام صعبة ستمر على العراق ، بشيء من الألم المصطنع ، خاصة وأنه يدرك جيداً أن هذه quot;الأيامquot; هي ، في جوهرها ، quot;أوقات تبلوراتquot; لـquot;حرب أهليةquot; من النوع الذي لم يكن يخطر على بال أحد قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والذي لم يكن ليكون لولا تذبذب السياسة الأميركية حيال هذه الدولة المحورية في قلب الشرق الأوسط ، خاصة عندما تغيب الأبعاد الإقليمية ، الأكثر خطورة ، للصراع الأهلي في العراق عن بال الإدارة الأميركية وصنّاع القرار في واشنطن.
إن أية قراءة للنصوص الدموية الأخيرة (تفجيران انتحاريان في بلدة تلعفر الكردية/الشيعية بالقرب من الموصل ؛ تفجير قنبلة في مدينة الثورة (الصدر حالياً) الشيعية ؛ تفجير في سوق عام في منطقة الأعظمية السنية ببغداد) إنما تؤشر طبيعة التحرك الرئيس للقوى الإرهابية/الإجرامية لإحلال نفسها محل القوات الأميركية في المدن والبلدات العراقية لتقديم الفوضى والخصومة الأهلية بديلاً عن الوجود العسكري الأميركي الذي كان ، وإن نسبياً ، يشكل عنصراً عائقاً لأهداف هذه القوى داخل المراكز المدنية.
ثمة شعور ملحاح و مؤرق لدى الكثير من العراقيين يفيد بأن الهدف النهائي لهذا النوع من التفجيرات المتعامية عمّن هم الضحايا، إنما هو إشعال الحرب الأهلية الشاملة بعد أن فشلت هذه المحاولة إثر تفجير مرقد الإمامين العسكريين (علي الهادي والحسن العسكري) في سامراء ، وهو التفجير الذي وضع العراق قاب قوسين أو أدنى من حافة حرب أهلية ، شعواء متسلسلة ، حسب قوانين العداء المستحكم وتقاليد العصبية الطائفية والإثنية التي لا يمكن أن تعبّر عن نفسها إلا من خلال ترجيح كفة الانتقام والثأر: quot;يالثارات الحسينquot;، حيث تمت عملية توصيل أو تآصر الحدث المعاصر بتراكم تاريخي مهول يبدأ من يوم الطف بكربلاء ولا ينتهي إلاّ إلى quot;إشعار آخرquot;. لاحظ ان هذا النوع من الصراع المدني إنما يصعب محوه لأنه يكتسح بسحره الأخّاذ الأفراد والجماعات عبر مثل هذه التراثات القديمة التي يصعب محوها من الذاكرة الجماعية ، خاصة عندما ترتكن هذه الذاكرة إلى إرث لا يلهم المرء سوى المرارة وندب الحظ العاثر الذي يلم به وبالجماعة التي ينتمي إليها!
هذا العبء الماضوي ، بكل حمولته المريرة ولاعدالته ، هو الذي حفز الشعور الطاغي لدى الغالبية الشيعية في العراق في أنهم إنما يخوضون حرباً ثأرية وإنتقامية نيابة عن أجيال وأجيال من الاضطهادات والمرارات حتى صار quot; كل يوم عاشوراء ، وصارت كل أرض كربلاءquot;. ويبقى السؤال العصي على الإجابة في سياق كهذا هو كيف يفهم أوباما هذا التعقيد التاريخي الشامل ، بعيداً عن quot;التبسيط الزائدquot; والمتمثل بسحب الذات من هذه quot;البلاد النائيةquot;، الواقعة على النصف المعاكس من الكرة الأرضية ، بغض النظر عما حاوله قبل بضعة أسابيع من خطاب في القاهرة يرنو إلى تأسيس علاقة تفاهم وليس quot;سوء تفاهمquot; بين أميركا والعالم الإسلامي!
ثمة خطأ كبير في السماح لآليات الكراهية والضغينة لأن تتفاعل بداخل بوتقة المجتمع العراقي المغلقة على أمل استحصال quot;فائض قيمةquot; نقدي أو اقتصادي قد يساعد على انتشال الاقتصاد الأميركي من أزمته، مع عين أخرى ترنو بتشوق لولاية ثانية في البيت الأبيض.
إن تفجر حرب أهلية شاملة في العراق ، بحسب خطة الحركات الإرهابية، سيقضي نهائياً وإلى أجل غير محدود على آمال الإدارة الأميركية بتحسين صورتها عالمياً، خاصة إذا ما خرجت من quot;عراقquot; لا يزيد عن quot;خربةquot; تتصاعد منها الأبخرة وأعمدة الدخان. وعلى نحو معاكس ، إذا تمكن الأميركان من تأسيس ديمقراطية حقة ونظام تمثيلي متحضر ومتقدم في العراق ، فإنهم يمكن أن يضمنوا لأنفسهم التباهي بتجربة يمكن أن تقدم دروساً بليغة للعديد من الدول في المنطقة وعبر العالم الإسلامي.