مهى عون

قد نستغرب كشرقيين تصرف النسوة الإيرانيات، وخروجهن بهذا الاندفاع إلى الشارع متقدمات أحياناً الرجال في بعض التظاهرات، ونندهش حيال شجاعتهن في تخطي حاجز الخوف، في مواجهتهن لشتى أنواع الأهوال والمخاطر، ليس أقلها القتل رمياً بالرصاص كما حدث مع الطالبة الشابة ندى سلطان، والتي تحولت إلى رمز لنضال المرأة الإيرانية، كما وللنضال الشعبي بشكل عام، بعد سقوطها مضرّجة بدمائها على الرصيف حيث كانت برفقة والدها تشارك في التظاهرة المنددة بنتائج الانتخابات الرئاسية.
وإذ تأخذنا الدهشة لمرأى بسالة واندفاع هؤلاء النسوة، نتساءل أيضاً حول مسوغات خروج المرشحين الرئاسيين مع زوجاتهم إلى العلن، في شكل سابقة لا تخلو من الغرابة كوننا لم نرَ الرئيس نجاد أو أي زعيم أو قائد إيراني آخر يخرج على الملأ برفقة زوجته. ولقد شاهدنا المرشح مير موسوي برفقة زوجته زهرة رهنفار في مختلف محطاته الانتخابية، كما نشطت زوجة مهدي كروبي، فاطمة كروبي، خلال حملة زوجها الانتخابية بشكل لافت توقفت حياله مختلف وسائل الإعلام الإيرانية والغربية. وللتذكير، فالأولى كانت تحتل مركز المستشارة السياسية لمحمد خاتمي، حين كان هذا الأخير رئيسا للجمهورية (1997 ـ 2005)، كما كانت رئيسة لجامعة الزهراء في طهران المخصصة للنساء فقط، (وهو مركز أقالها منه الرئيس أحمدي نجاد لاحقاً). وكانت زهرة قد وجهت في مرحلة سابقة انتقادات حادة للرئيس أحمدي نجاد ولسياسته الداخلية في ما خص حقوق العائلة والمرأة. ومن تصاريحها الشهيرة إعلانها عن نيتها وعزمها للعمل الدؤوب لإلغاء الفوارق في التعامل بين المرأة والرجل في إيران، وقولها أيضاً إن هذا الهدف سوف يشكل المحرك الأساسي لكل عملها المستقبلي. أما حسين رضائي المرشح الثالث في الانتخابات الرئاسية، فلقد لوحظ اصطحابه لامرأته إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده بمناسبة إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية.
ان الدفع وتبني هذا الدور التقدمي للمرأة الايرانية اليوم من قبل المرشحين الثلاثة، والذين اعتبروا راسبين من قبل مجلس صيانة الدستور، لم يأت من باب الصدفة أو تيمناً أو تقليداً لتصرف الرؤساء الغربيين، بل هو عائد لرغبة وإرادة العودة إلى الجذور إلى أهمية دور المرأة التقليدي وعبر العصور الغابرة، والحديثة أيضاً.
فالمرأة في إيران تتميز بحيوية نادرة، واندفاع متوارث للمشاركة في الحياة العامة تفتقده المرأة الشرق أوسطية بشكل عام. وبما أن ثقافة شعب ما لا تتكون سوى بالتراكم، وبظهور نماذج مميزة ومتفوقة عبر الأزمنة تنطبع في وجدان المجموعة، وتشكل حافزاً ومثالاً يحتذى به، فالمرأة الإيرانية تجد في تاريخها الغابر كما الحديث أمثلة عديدة لنسوة طموحات أشداء طبعن الذاكرة الجماعية بصورة التفوق والشجاعة والإقدام.
ولا بد من التمييز بين ثلاثة أنماط لصورة المرأة الإيرانية خلال التاريخ. الأولى والتي تمتد من العصور الغابرة والتي برزت عبر حقول الآثار العديدة التي نُبشت في منطقة ما بين النهرين. أما الصورة الثانية فهي التي تلت الفتوحات الإسلامية، وتصل إلى أيامنا هذه، ويمكن تجزئتها أيضاً إلى صورتين، الأولى التي تسبق الجمهورية الإسلامية، والثانية التي تليها.
وإذا جاز الاختصار في استحضار هذه الصور الثلاث، يمكن القول إن المرأة في فترة ما قبل العهود الإسلامية وصولاً إلى الحقبة الغابرة الضاربة في القدم والتي تعود إلى حقبة ما بعد تاريخ زرادشت (583 ق م) نبي الفرس الأقدمين ومصلح ديانتهم، كانت المرأة تتمتع بنفس الحقوق المدنية والاقتصادية، أسوة بالرجل، وكان بإمكانها الوصول إلى المواقع القيادية ذاتها، وتقام على مداخيلها وممتلكاتها الخاصة ضريبة الدولة كما تقام على أملاك ومقتنيات الرجل.
أما في الحقبة التاريخية اللاحقة والممتدة حتى أيامنا هذه، يمكن القول إن المرأة الإيرانية خسرت الكثير من حقوقها دون أن يمنعها ذلك من إظهار استيائها على العلن كل مرة تجاوز هذا التعدي على حقوقها حدود المقبول. ففي حقبة حكم سلالة البهلوي استعادت المرأة الكثير من حقوقها، ومنها على سبيل المثال تصديق quot;المجلسquot; أو البرلمان سنة 1931 على قانون أعطى المرأة الإيرانية حق طلب الطلاق، كما رفع العمر القانوني لزواج الفتيات إلى عمر الـ15 سنة بدل الـ13 سنة، ومن بعدها رفعه إلى عمر 18 سنة. وفي سنة 1936 صدق المجلس أيضاً على قانون لنظام تربوي لا يميز بين الفتاة والشاب في حقوق التحصيل العلمي وعلى مختلف المستويات. وكان لإيران في هذه الحقبة سيدة لامعة وهي فروخ بارسا احتلت مركز وزيرة الثقافة والتعليم، ولكنها أعدمت لاحقاً بعد استتباب نظام الجمهورية الإسلامية. وفي سنة 1978 وصلت نسبة النساء في ميدان العمل إلى ما يقارب المليونين، وكان 33% من طلاب الجامعات من النساء، وكان المجلس يحوي 22 نائبة ووزيرتين. ولكنها وبالرغم من حصولها على حقوقها هذه كانت تشعر بوطأة ديكتاتورية النظام القائم، فساهمت وبنسبة كبيرة في نجاح الثورة الإسلامية سنة 1979، ونزلت إلى الشارع أيضا برفقة زوجها وأولادها مطالبة برحيل نظام الشاهنشاه. ولكن سحر الثورة انقلب لاحقا عليها ليسلبها كل مكتسباتها السابقة. والذي بات واضحا اليوم هو معاناة ورفض المرأة الإيرانية لهذا الواقع المفروض عليها وعلى الأمة بشكل عام، وها هي تعود إلى الشارع للتعبير عن استيائها وغضبها من جديد، مستعيدة دورها التقليدي والذي لعبته طوال تاريخ الأمة الفارسية.