خالد الدخيل
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي افتتحها الأربعاء الماضي العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مختلفة عن غيرها من الجامعات السعودية على أكثر من صعيد. فهي أول جامعة يسمح فيها باختلاط الجنسين طلاباً وطالبات وعاملين، وأعضاء هيئة تدريس. وهي جامعة لا تخضع لنظام التعليم الجامعي المعمول به في السعودية، وبالتالي غير مرتبطة بالدهاليز البيروقراطية، والقيود الفكرية لوزارة التعليم العالي، أو وزارة المالية. وهي فوق ذلك مؤسسة تعليمية دولية متخصصة في الأبحاث والدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه)، أي لا يوجد بها برنامج للدراسات الجامعية. وهي جامعة متخصصة حصراً في الرياضيات، والعلوم التطبيقية، والحاسب ولا يوجد فيها مكان للعلوم الاجتماعية والإنسانية. المصدر الرئيس لتمويل الجامعة، حتى الآن، هو الوقف الذي تبرع به العاهل السعودي، وقدره عشرة مليارات ريال سعودي، إلى جانب أنها تقبل التبرعات والهبات من الأفراد والمؤسسات الأخرى. وهي أول جامعة سعودية يرأسها أستاذ غير سعودي، ويشغل المراكز القيادية في هيئتها الإدارية عاملون غير سعوديين. بمثل هذه المواصفات يمكن القول بأن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. هي مؤسسة تقع عملياً خارج الإطار الفكري والتنظيمي للمجتمع السعودي. والأرجح أن هذا كان متعمداً لإعطاء الجامعة مساحة من الحرية: الحرية من قيود البيروقراطية، وقيود التقاليد والأعراف الاجتماعية. وحرية في التمويل والبحث والتعليم، قد لا تتوفر للجامعة بحسب ماهو قار ومتعارف عليه في المجتمع السعودي. وبالتالي فالمأمول هو أن تمثل الجامعة بوضعيتها هذه، وبتوجهها العلمي التطبيقي، وإخضاعها لمعايير تنظيمية وأكاديمية خارجية، مهمازاً علمياً وتنموياً للمجتمع الذي توجد فيه.
يحق للسعوديين أن يفرحوا كثيراً بافتتاح مثل هذه المؤسسة التعليمية التي تبدو واعدة. تطرح فكرة الجامعة وتنفيذها بالسرعة القياسية ملاحظات عدة. أولى الملاحظات أن اللجوء إلى هذه الفكرة كأداة للتغيير والتنمية يتضمن الاعتراف بأن البنية الاجتماعية والتنظيمية للمجتمع السعودي لا تسمح بولادة، وتبني مؤسسة تعليمية من داخلها بمثل هذه المواصفات. ومن ثم فإن تبني الفكرة وتنفيذها يعكس توجهاً إصلاحياً واضحاً. يتضح ذلك في الأهداف التي حددتها الجامعة لنفسها، حسبما جاء في موقعها على الشبكة. من هذه الأهداف: 1- توفير الحرية للباحثين ليكونوا مبدعين ومجربين، 2- تَمثل أعلى المعايير الدولية في العلم والبحث والتربية، والتعليم، 3- تأمين حرية الوصول للمعلومة من دون أية عوائق، وتبادل المعرفة والمهارات والخبرات لتحقيق التنمية والرفاهية الاقتصادية، وأخيراً، 4- دعم وحماية حرية البحث، والتفكير لكل ما يتعلق بالعمل العلمي. هذه الأهداف، وخاصة ما يتعلق منها بحرية المعلومة وحرية التفكير، لا توجد ضمن أهداف الجامعات السعودية. وهي أهداف تحتاج إلى بنية قانونية توفر لها الحماية والمناخ العلمي المناسب. من هنا تطلب الأمر كما يبدو إعطاء الجامعة الوضع الخاص الذي تتمتع به، ويمكن أن يوفر لها البيئة المناسبة، والحماية المطلوبة لتحقيق تلك الأهداف.
من ضمن \\\quot;الخصوصية\\\quot; التي أعطيت للجامعة أن إدارتها غير سعودية، وأن رئيسها أستاذ أكاديمي ليس سعودياً كذلك، هو البروفيسور \\\quot;تشون فونغ\\\quot; شيه من سنغافوره. أمام ذلك ألح علي سؤال: إذا كانت مهمة المدير هي في الأساس مهمة إدارية، ألا يوجد من بين السعوديين، أكاديميون أو غيرهم، من يملك المهارة والخبرة الإدارية لتولي هذا المنصب؟ الحقيقة أن هؤلاء كثر في السعودية، لكن كما قال صديق، لا يمكن للسعودي، مهما كانت خبرته ومهاراته، أن ينعزل عن بيئته الاجتماعية، وما تفرضه من توقعات والتزامات، وميول ومطالب كثيرة، الأمر الذي قد يؤثر على أدائه. في حين أن غير السعودي يأتي من بيئة مختلفة، وسيكون حراً طليقاً من الزامات وإكراهات البيئة السعودية. وبالتالي يكون في وسعه أن يتخفف من تلك الحمولة، ما يسمح له أن يكون أكثر حزماً وانضباطاً في الإدارة والتنفيذ، وفي الالتزام بمعايير وأهداف الجامعة. وإذا كان هذا صحيحا، فإنها مسألة يجب أن نتوقف عندها ملياً. وبعيداً عن الإدارة، ليس واضحاً لماذا لم تتجاوز نسبة الطلاب السعوديين المسجلين 15في المئة. وأكثر ما يلفت النظر ارتفاع عدد الأساتذة المساعدين في الجامعة إذ لا تقل نسبتهم عن 30 في المئة من أعضاء هيئة التدريس، ومجموعهم حالياً 67 عضواً. وهذا لافت لأن الجامعة هي مؤسسة دراسات عليا، والأستاذ المساعد حديث التخرج، ولم تتكون لديه الخبرة، وقد لا يكون مهيئاً للإشراف على أبحاث الماجستير والدكتوراه. وحسب موقع الجامعة فإن أحد هؤلاء لم يتخرج إلا عام 2007.
وبالعودة إلى دور البيئة والخلفية الاجتماعية للقيادة الإدارية، نجد أن تجربة المدن الاقتصادية في المملكة تؤكد الجانب السلبي لهذا الدور. إحدى هذه المدن تحمل اسم الملك أيضاً، لكنها لم ترتق إلى مستوى التسمية. تم وضع حجر أساس \\\quot;مدينة الملك عبدالله\\\quot; عام 2005، وقيل حينها إنها ستكون أكبر مدينة اقتصادية في المنطقة. ولم يمض وقت طويل قبل أن يتم طرحها شركة مساهمة في السوق المالية. بعد أربع سنوات من ذلك لا يزال مشروع هذه المدينة في أغلبه حبرا على ورق. بنيتها التحتية لم تكتمل، وتناوب على إدارتها ثلاثة أشخاص، انتهى الأمر باثنين منهم إلى الاستقالة، والثالث يقال إنه في طريقه إلى الاستقالة أيضاً. بعبارة أخرى، رغم الضجيج الإعلامي الذي رافق إطلاق فكرة المدينة، تبدو حتى الآن مشروعاً فاشلا، أو يتعثر نحو الفشل. قارن هذا بجامعة الملك عبدالله التي افتتحت بعد سنتين من الإعلان عنها، وبدأت الدراسة فيها قبل افتتاحها بحوالي الشهر. الجهة المشرفة على المدينة هي \\\quot;الهيئة العامة للاستثمار. كيف تبدو هذه الهيئة أمام شركة \\\quot;أرامكو\\\quot;؟
يبدو أن \\\quot;أرامكو\\\quot; تعاملت مع مشروع الجامعة من وحي تجربتها، وهي تجربة قائمة ولها تاريخ طويل. بدأت \\\quot;أرامكو\\\quot; شركة أميركية خالصة، وهي الآن شركة سعودية. كيف أثرت هذه النقلة على عمل الشركة في بيئتها الداخلية، وتحديداً على أدائها، وانضباطية نظمها، وإنتاجية نشاطها الاقتصادي؟ إسناد مهمة تأسيس الجامعة لشركة \\\quot;أرامكو\\\quot; يتضمن الإجابة على هذا السؤال. وقد أسندت إليها هذه المهمة رغم أنها شركة متخصصة في التنقيب عن النفط، ولا علاقة لها بالشأن الأكاديمي، وخاصة التعليم العالي. كان المعيار الذي أخذ به هنا الخبرة التنظيمية والإدارية للشركة. من ناحيتها الأرجح أن خلفيتها التاريخية هي التي جعلت \\\quot;أرامكو\\\quot; تتبنى فكرة أن تبدأ جامعة الملك عبدالله مؤسسة دولية، وبإدارة غير سعودية. الافتراض هنا هو أن الجامعة ستكون تجربة مماثلة لتجربتها هي: فمن حيث أن \\\quot;أرامكو\\\quot; بدأت شركة أميركية وانتهت سعودية، تبدأ جامعة الملك عبدالله مؤسسة دولية، وسوف ينتهي بها الأمر بأن تكون مؤسسة تعليمية سعودية. والحقيقة أن برنامج الجامعة لا يشير إلى شيء من ذلك، لكن هل ذلك الافتراض عملي وممكن؟
السؤال الأهم هو: هل يمكن أن تؤتي جامعة الملك عبدالله أُكلها في المجتمع السعودي؟ الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة، وفي مقالة لافتة في صحيفة الوطن السعودية، يبدو متشككاً. يتساءل: \\\quot;هل يستفيد المجتمع من هذه الوثبة العالمية، أم أننا سوف نسجنها داخل سورها ونحكم عليها الأقفال من الخارج... ونبقيها جزيرة متطورة متفوقة في بحر من التخلف العلمي والإداري والمالي، كما فعلنا بالجزر السعودية الأخرى مثل: أرامكو والجبيل وينبع... والحي الدبلوماسي في الرياض؟\\\quot;. ورغم كل التساؤلات التي يمكن أن تطرح عما آل إليه أمر تلك الجزر في الأخير، فإن الأمير محق في تساؤله. وإذا كانت تلك الجزر لم تؤثر كثيراً في المجتمع، فالأرجح أنها هي التي بشكل أو آخر تأثرت بالمجتمع. ومن ثم هناك سؤال آخر: إلى أي حد تأثرت تلك الجزر بما يسميه الأمير \\\quot;بحر التخلف العلمي والإداري والمالي\\\quot; المحيط بها؟ سؤال يستحق التوقف عنده أيضاً.
في حالة جامعة الملك عبدالله ستكون هناك مقاومة لها، ولما ترمز إليه. وقد بدأت معالم ذلك باستنكار أنها جامعة مختلطة في مجتمع يرفض الاختلاط. ومع أن تبريرات هذا الرفض والاستنكار واهية، فإنه من المحزن حقاً أن لا ينظر البعض إلى الجامعة إلا من هذه الزاوية الضيقة، وبمثل هذه الرؤية البسيطة المخلة. من هنا سيكون على الجامعة وحدها مواجهة تحدي التوقعات المنتظرة منها، والعقبات التي ستواجهها.














التعليقات