الأرشيف البريطاني: الشاه عرض رئاسة الحكومة على 5شخصيات فرفضتها (4)

لندن - رائد الخمار

نجح الشاه محمد رضا بهلوي في الفترة الاخيرة من حكمه في الحصول على دعم شابور بختيار الرجل الثاني في الجبهة الوطنية المعارضة للشاه. واشترط بختيار للتعاون مع الشاه ان يتم تشكيل مجلس وصاية ينوب عن الأخير في غيابه بعدما يسافر في laquo;عطلةraquo;.
وبعدما وُضع الاتفاق قيد التنفيذ حدث انشقاق في صفوف الجبهة، واصبحت برأسين الاول برئاسة بختيار والثاني برئاسة كريم سنجابي. وكان الخميني اعلن من باريس، بعد تشكيل الجبهة الوطنية لاسقاط نظام الشاه، ان كل من يتفاوض مع الشاه معاد للاسلام. وعلى رغم تعهد بختيار بتطبيق دستور عام 1906 والملكية البرلمانية، فان المعارضة والحركة الاسلامية والشيوعيين رفضوا التعاون معه، واعلن الامام الخميني طرده من الحركة الاسلامية مما ادى على الفور الى اثارة الشارع عليه وعنى حكماً سقوط حكومته لاحقاً.
سياسة laquo;الجرعات المتتابعةraquo;

ووفق الوثائق البريطانية عن عام 1979، التي افرج عنها الارشيف الوطني نهاية عام 2009 يتحدث تقرير كتبه السفير البريطاني في طهران انتوني بارسونز عن مقابلته لرئيس الوزراء شابور بختيار في الرابع عشر من يناير 1979:
laquo;قابلت رئيس الوزراء لاحاول حل بعض القضايا المعلقة قبل ان اغادر منصبي واغادر طهران في هذا الوقت الحساس جداً. وبختيار حساس جداً ضد من يقول انه متعاطف مع التأثير الغربي، على رغم انه كذلكraquo;.
تحدث بختيار بالفرنسية وقال ان الامور تسير الى الأسوأ على رغم قوله انه laquo;اعطى، في برنامج الحكومة الذي قُدم الى المجلس، الشعب كل ما طلبهraquo;. واشار رئيس الوزراء الى انه لا يزال يملك بعض الاوراق الاساسية ليتصرف لكنه سيجرب، كما فعل الانكليز في عام 1940، جرعات متتابعة.
واشار بختيار الى ان الشاه عرض رئاسة الوزراء على خمس شخصيات فرفضتها، وقال laquo;قبلتها لأنني احسست ذلك من واجبي على رغم الصعوبات العديدةraquo;.
واعترف بختيار ان المهمة صعبة جداً، لكنه يريد ان يكمل مسيرة الدولة الايرانية الى الافضل.
تعويضات السفارة

وفي خضم حديث رئيس الوزراء عن المصاعب، اثار السفير مسألة التعويضات التي يجب على الحكومة الايرانية تحملها لسداد تكاليف اصلاح الاضرار في السفارة البريطانية نتيجة هجوم المتظاهرين عليها في الخامس من نوفمبر الماضي. وقلت له ان وزير الخارجية السابق ارسل فاتورة السفارة الى رئاسة الحكومة وهي تنتظر التوقيع. ووعد رئيس الحكومة بالنظر فيها ومتابعتها.
.. والدبابات

وفي شأن العقود الدفاعية والتدريب شرح السفير لرئيس الوزراء، الذي لم يكن قد نال الثقة بعد، حجم التواجد العسكري البريطاني في بلاده والذي يراوح بين تدريب القوات الجوية والبحرية والبرية وسلاح المدرعات. وقاطع بختيار السفير بقوله ان الجنرال توفانيان ابلغه ان عقد شراء دبابات تشيفتين الغي (...). واحتج السفير على ذلك مبلغاً رئيس الحكومة الايرانية ان عقد تصنيع الدبابات شمل بناء مصنعين خاصين لذلك وتوظيف آلاف الاشخاص ولا يمكن لاي طرف ان يلغي العقد من دون التشاور مع الآخر والنظر في جوانب التعويضات وغيرها، وانه تم تسليم اكثر من 900 دبابة، من اصل 1350، حتى الآن ولا علم لبريطانيا بما تتحدث عنه في الغاء العقد. وشدد على laquo;اننا نعمل باستمرار لاستكمال تنفيذ العقد على مدى خمس سنوات مقبلة حتى نتبلغ رسمياً رغبة مفصلة من الحكومة الايرانية وفق ما جاء في العقد معنا.
وقال بختيار laquo;اننا دفعنا ثمن كل الدبابات التي استلمناها وسأنظر في العقد الباقي علماً باننا لا نريد تسلحاً اضافياً يرهق الموازنةraquo;. وأضاف حرفياً laquo;سأعيد النظر في عقود شراء الاسلحة من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وحتى مع روسياraquo;.
واقترح السفير الاتصال مباشرة مع الجنرال توفانيان لمناقشة الامر معه والبحث في سبل الوصول الى حل، مع الاشارة الى ان المصارف البريطانية قادرة على تمويل مراحل تنفيذ العقد اذا احتج الايرانيون على قلة الموارد المالية.
ومع ان بختيار كان في بداية اللقاء متشائماً من المستقبل، الا أنه اشار الى امله بالانتهاء من اتخاذ قرارات مصيرية مع نيل الحكومة الثقة بعد يومين. وقال انه سيصدر اليوم قرار تشكيل مجلس الوصاية في غياب الشاه من تسعة اعضاء برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كل من محمد جوادي رئيس مجلس الشيوخ، وجواد سيد رئيس المجلس، وعلي قلي اردلان وزير البلاط، وعبد الحسين علي عبادي المدعي العام السابق، ومحيي الدين علي فارزاداه وزير المال السابق، وعبدالله انتظام رئيس مؤسسة النفط وسيد جلال الدين طهراني المحافظ السابق لخراسان والجنرال عباس قره باغي ممثلاً عن القوات المسلحة.
ولم يعط بختيار جواباً عما اذا كان الخميني سيعود قبل مغادرة الشاه او بعدها وقال laquo;اكيد ليس قبل مغادرة الشاه الذي سيسافر خلال يومين.. ولا ادري اذا كان الخميني سيعود فور ذلكraquo;.
واشنطن تصرفت بحماقة

واتهم بختيار الخميني بعدم اعلان ما يريد صراحة، والشيوعيين بالاستمرار في اثارة الشغب والفوضى، ولم يعط اي جواب شافٍ عن المجاهدين مكتفياً بالقول laquo;ان هناك فريقين من المجاهدين laquo;مجاهدو خلقraquo; وlaquo;فدائيو خلقraquo; ولم يزد.
وقبيل مغادرة السفير بادره بختيار بالقول laquo;من المؤسف ان نتعرف على بعضنا البعض في مثل هذه الظروف وقبيل مغادرتك العاصمة طهران في نهاية مهمتك فيها... واعتقد ان التطورات التي تحدث سببها التصرفات الحمقاء لواشنطن (...) التي تجاهلت المعارضة ولم تتصل بهاraquo;.
ورد السفير بالقول laquo;لا اعتقد ان ذلك ممكن خصوصاً ان عيون الشاه كانت جد مفتوحة على كل شيء، واي اتصال مع المعارضة سيعني القضاء على اي فرصة للحصول على عقود تجارية او غيرهاraquo;!
واشار السفير الى ان بختيار يبدو حائراً ولا يسيطر على الوضع وهو قلق من تطور الاحداث بسرعة ويعلم ان رجال الدين سيتسلمون السلطة ويقضون على جميع عناصر المعارضة لاحقاً.


الموقف الأميركي
وفي الوثائق تقرير من السفير البريطاني في واشنطن بيتير جاي عن الموقف الاميركي من حكومة بختيار اعلنه وزير الخارجية سايروس فانس في 11 يناير 1979.
بدأ التقرير بنص شدد على laquo;ان للولايات المتحدة مصلحة في رؤية ايران مستقلة حرة في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم... ان هذه هي سياستنا التي اتبعناها على مدى عقودraquo;.
ولاحظ السفير ان فانس شدد على اهمية استعادة الاستقرار والقانون في ايران لعودة البلاد الى حياة عادية وتأمين حل سياسي للمشاكل السياسية في البلاد.
وقال فانس قبيل اعلان تشكيل مجلس الوصاية: laquo;ان الشاه لا يزال رأس الدولة ونحن نتعامل معه على هذا الاساس، وقال الشاه انه عندما يُغادر البلاد سيطبق الدستور ويكلف مجلس وصاية تولي مهامهraquo;.
ورحب فانس بتشكيل حكومة بختيار وقال laquo;يجب ان تُعطى فرصة لمصالحة جميع الاطراف بعضها مع بعض ومن ثم اقرار السلم الاهلي وحل سلمي للأزمة.
ولاحظ الوزير الاميركي ان القوات المسلحة الايرانية يجب ان تبقى مستقلة وهي ضرورية لمساندة الحكومة الشرعية، ونحن عبرنا عن رأينا بان على افرادها العمل في خدمة الشعب الايراني ما سيؤدي الى حلول سلمية للازمة الحالية. وحضت الولايات المتحدة، كعادتها في ازمات قد تمس مصالحها الاقتصادية، الايرانيين على حل ازماتهم بانفسهم من دون تدخل خارجي، واعلن فانس ان حكومته ستتعاون مع حكومة بختيار كما مع الجيش في وقت كان الخميني حرم التعاون مع الاميركيين والشاه على الاطلاق.
واعلن فانس ان الادارة الاميركية لا ترى مصلحة حالياً في تدخل عسكري في ايران لحماية مصالحها في المنطقة المحيطة بها.
واعرب الوزير الاميركي ان حكومته ستبقى تراقب الوضع عن كثب وتتشاور مع الحلفاء في شأن اعادة الاستقرار الى ايران ومنطقة الخليج.
ووفق السفير البريطاني، وما ورد في البرقية الصادرة عن السفارة البريطانية في واشنطن بتاريخ 11 يناير وتحت الرمز laquo;112350زدraquo;، بدا ان الحكومة الاميركية لا تعرف ما سيجري وهي مشوشة الاهداف خصوصاً ان ما اصدره الخميني من ارشادات كان يصب خارج مصالحها النفطية والاقتصادية. ولم يُشر السفير على الاطلاق الى اي تدابير عسكرية اتخذتها الادارة في حال ساءت الامور في طهران والمدن الكبيرة او في حال سقوط الحكم في ايدي رجال الدين.
وتوقع السفير جاي ان تؤدي سيطرة رجال الدين على الحكم بزعامة الخميني الى ما قد يكون انهاء اي نفوذ لليساريين والجبهة الوطنية في ايران وقد laquo;تحصل مذابح بين فئات عدة شاركت في الثورة على الشاه وان يكون الخميني هو الزعيم الاوحد مطلق الصلاحية في ايرانraquo;.
ووفق رسالة حملت تعبير laquo;سري جداًraquo; وحذفت بعض سطورها، قال السفير جاي laquo;يعتقد الاميركيون ان الحكم الاسلامي وعلى رغم شعاراته المعادية للولايات المتحدة والدول التي ساندت حكم الشاه سيستمر في التعامل التجاري مع الغرب كما سيستمر في تزويد الغرب بالطاقة اللازمة للاقتصادات الغربيةraquo;.

الحلقة المقبلة
النفط وقرارات حكومة بختيار