جهاد الزين

ليس صعبا تقسيم الدول العربية والمسلمة بين دول تتعرض حدودها الخارجية للتجاوز ودول تتعرض quot;حدودهاquot; الداخلية للتفكيك. فأزمات المنطقة تدور بصورة او بأخرى حول هذين النوعين من التجاوز اللذين يحصلان في حالات كثيرة عبر الدم المسفوك الاهلي والعسكري.
اليمن هي دولة من النوع الثاني في هذا التصنيف. دولة تفكك quot;الحدودquot; الداخلية، ودولة ارتسام حدود داخلية. لكن هذا ليس جديدا وبصورة خاصة في معظم العقد المنصرم والاخير من حيث اتصال التفكك بعناصر امتداد اقليمي ودولي.
اذن ما الذي دفع فجأة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ومن ورائه الاتحاد الاوروبي الى الدعوة لعقد قمة عاجلة مخصصة لبحث الوضع اليمني؟ فكل عناصر التأزم اليمني موجودة في السنوات الاخيرة... quot;القاعدةquot;، quot;الحوثيونquot;، الانفصالية الجنوبية، ومعروف انها تتغذى من عوامل داخلية تقليدية.
من الصعب تشكيل جواب مقنع (بتسكين القاف) على هذا السؤال من دون التوقف المركز عند التطور الوحيد غير المألوف في مشهد التفكك اليمني والذي شهدناه في الشهرين الاخيرين من العام المنصرم. وهو الهجوم الحوثي على الاراضي السعودية ودخوله الى مناطق سعودية وراء الحدود:
لقد بدأ الوضع اليمني يتحول الى خطر على استقرار المملكة العربية السعودية، باعتبارها رأس الاستقرار الاساسي لكل دول مجلس التعاون الخليجي.
بكلام آخر:
لقد بات التفكك اليمني يهدد منابع النفط مباشرة.
في الجغرافيا النفطية، المناطق التي دخلها الحوثيون وابعدوا عنها لاحقا بكلفة عسكرية عالية منابع النفط بعيدة عنها. الا ان الامور على ما يبدو لا ينظر اليها في الدول الكبرى بهذا الشكل، فعدا عن ان المرتفعات التي شملها القتال هي مرتفعات مطلة على البحر الاحمر شمال الساحل اليمني الذي يمر امام باب المندب جنوبا عند بوابة البحر الاحمر، وهو أحد أهم طرق النفط، فان ارتباط الحركة الحوثية بتغطية سياسية ايرانية مباشرة اعطى لهذا الاختراق ndash; ولو المؤقت ndash; جدة كأحد متغيرات الصراع الاقليمي الخطرة.
عدد من الملاحظات يمكن تسجيلها منذ الدعوة البريطانية الى quot;قمة اليمنquot; المفترض ان تعقد في الثامن والعشرين من الشهر الجاري.
فـ quot;الفايننشال تايمزquot; البريطانية في تقرير خاص حول quot;القمةquot; تنقل عن مصدر في مكتب رئيس الوزراء ان بريطانيا والاتحاد الاوروبي quot;يأملان تأمين ظهر المملكة العربية السعوديةquot;، بينما كان الرئيس علي عبد الله صالح يعلن ان quot;امن المملكة جزء لا يتجزأ من امن اليمنquot;.
ديبلوماسي عربي في بيروت اخبرني ان سفارة بلاده اطلعت على معلومات تؤكد أن أوساطا سياسية يمنية في صنعاء، وبعضها ليس بعيدا عن السلطة، أظهرت قلقا من قرار الدعوة الى ما أصبح يعرف سلفا بـquot;قمة اليمنquot;. ففي نظر هذه الاوساط، وعلى الرغم من التعاون الوثيق بين الرئاسة اليمنية وبين المملكة العربية السعودية وواشنطن ولندن وباريس حول ما يحدث في اليمن، خصوصا ما يتعلق بتنظيم القاعدة، فان تحويل الاهتمام باليمن الى هذا المستوى الرفيع دوليا في ظل نوع من حالة طوارىء سياسية هو سيف ذو حدين، من جهة سيساعد الدولة اليمنية على الحصول على مزيد من احتياجاتها العسكرية المتعددة المستويات فضلا عن مساعدات اقتصادية لاهداف التنمية في بلد معتبرة أريافه من أفقر أرياف العالم. ووزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون اعلنت رسميا قبل يومين وضع المساعدات التنموية لليمن على رأس لائحة اهتماماتها. لكن من جهة أخرى تخشى بعض الاوساط اليمنية ان quot;القمةquot; ستعني وضع كل الحالة اليمنية، بما فيها النظام السياسي، في غرفة العناية الفائقة، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات مفتوحة على مرحلة جديدة تماما بالنسبة لنظام سياسي هو الاطول عمرا بما لا يقاس من كل العهود التي سبقته منذ قيام الجمهورية في الستينات.
خشية هذه الأوساط اليمنية من الوضع الجديد ما بعد quot;قمة اليمنquot; في مكانها على أكثر من مستوى. صحيح ان تجارب هذا النوع من الاستنفار الدولي حول بلد معين قد لا تفضي الى تحولات سريعة كما حصل في الصومال المنتقل من تفتت الى تفتت لكن في دول أخرى كباكستان وأفغانستان تواكب التركيز السياسي مع اطلاق ديناميكية تغيير أنظمة سياسية، او تغيير لطواقم قيادية رئيسية للدولة.
على أي حال لكل بلد خصوصيته... حتى في التفكك. فالتكوين القبلي في شمال اليمن هو دائما جزء من النظام السياسي لا سيما بين التكتلين الكبيرين بكيل وحاشد، وأي تحول لا شك وإن كان يتعلق بأوضاع مناطق أخرى في اليمن الموحد، فان الموقع الخاص للعاصمة صنعاء في قلب الشمال سيجعل هذين التكتلين جزءا من أي ترتيب جديد مع الجيش الذي يملك دائما نواة متماسكة بمعزل عن ظروف تحركه خارج العاصمة وبعض المدن.
لا توقعات سريعة في هذا المجال... لكن quot;حدسquot; هذه الاوساط اليمنية ndash; ولو الغريزي! - الذي أظهر عدم ارتياح الى quot;قمة اليمنquot; التي ستنعقد بالتوازي مع مؤتمر حول أفغانستان في لندن، يعني الكثير في بلد ذي سجل طويل من التشابكات والمناورات بين الوضعين الداخلي والاقليمي منذ محاولات الانقلاب الاولى في الخمسينات على quot;إمام اليمنquot;... قبل النجاح في اسقاطه في الستينات.
ملاحظة أخرى في هذا المجال سمعتها من مراقب خليجي قبل فترة وهي ان أحد مستويات الرصد الضرورية للمرحلة المقبلة، هو كيفية الادارة السعودية لمشاكل quot;الملف اليمنيquot; بعد صدمة الاختراق الحوثي للحدود. وفي اعتقاد هذا المراقب المخضرم انه ربما أصبح الاستقرار الآن مصلحة ثابتة للسياسة السعودية في اليمن بسبب حجم التفكك الذي بلغه هذا البلد (أي اليمن). والمعروف ان السياسة السعودية كانت متهمة تقليديا بأنها تشجع وجود سلطة مركزية ضعيفة في صنعاء. على غرار ما كانت متهمة مصر مع السودان وسوريا مع لبنان منذ الاربعينات من القرن الماضي: الوضع الحالي هل بات فعلا ناضجا لنشهد تحولا في التوجهات السعودية نحو دعم معادلة يمن مستقر لا يشكل خطرا على اراضيها ونسيجها نفسه في مناخ اقليمي لا سابق له من حيث حجم النفوذ الايراني الجيوبوليتيكي في العصور الحديثة؟