عبدالله إسكندر

سعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، لمناسبة محادثاتها مع نظيريها الأردني ناصر جودة والمصري أحمد أبو الغيط في واشنطن الجمعة الماضي، الى الالتفاف على العقدة الفعلية أمام معاودة التفاوض على المسار الفلسطيني. فهي نقلت، عشية توجه الموفد الرئاسي الأميركي جورج ميتشل الى المنطقة، المشكلة من استمرار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية التي ينبغي ان تشملها الدولة الفلسطينية المقترحة الى مشكلة نظرية، وربما أكاديمية، في شأن الاستيطان. وهذه المحاولة تتوجه أساساً الى الطرف العربي لإقناعه بهذا الحل النظري، ما دام الطرف الإسرائيلي مستمراً في الاستيطان وغير عابئ بكل ما يطلب منه من خطوات ملموسة في اتجاه هدف إقامة الدولة.

لقد اعتبرت الوزيرة الأميركية، مع اعترافها أن المشكلة هي الاستيطان، أن حل مشكلتي القدس والحدود يحل مشكلة الاستيطان. يعني هذا الاعتبار أنه بعد الاتفاق على وضع القدس وحدود الدولة، تنتهي مشكلة الاستيطان ما دام انه سيستمر خارج هذه الدولة. يستقيم هذا الاعتبار نظرياً، في حال اعترفت إسرائيل بأن القدس الشرقية وكل الضفة الغربية أرض محتلة، وأن المفاوضات تهدف الى إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة. لكن إسرائيل، خصوصاً في ظل حكومتها اليمينية المتشددة الحالية، تفترض العكس تماماً والاستيطان هو أداتها في تنفيذ هذه السياسة.

هذا الاجتهاد النظري الأميركي الجديد لتصور عملية السلام يريح الإدارة من واجب الضغط على إسرائيل التي وجهت صفعة مؤلمة للإدارة في قضية الاستيطان. ويتوجه، بدل ذلك، الى الجانب العربي الذي عليه أن يغض الطرف عن الاستيطان ويقبل على التفاوض، ما دام الأساس النظري لعملية السلام سليماً. ويستمر موسم المساعي الأميركية، بغض النظر عن الدوامة الجديدة التي ستدخل فيها هذه العملية: الحل يؤدي الى وقف الاستيطان، أم أن وقف الاستيطان هو الذي يؤدي الى الحل؟

لقد وضعت الإدارة الأميركية هذا المخرج النظري لمشكلة الاستيطان، على أن يتولى ميتشل في جولته المقبلة الإعداد لمعاودة التفاوض استناداً إليه. ويمكن سلفاً توقع فشل هذا المسعى، على الأقل بسبب الرفض الإسرائيلي لأي حل يتضمن القدس والمستوطنات في الضفة.

في المقابل، وفي الوقت الذي تزداد السياسة الاسرائيلية عدوانية وتصلباً وتقزيماً لمفهوم الدولة الفلسطينية وشروط قيامها، يبدو الجانب العربي في حال من التشرذم على نحو يعجز فيه عن إدخال تغيير في ميزان القوى لمصحلة الحل الذي يقترحه والمتمثل بالمبادرة العربية.

ففي الوقت الذي تشهد العواصم العربية الأساسية حركة ديبلوماسية، جيئة وذهاباً، ومشاورات وتصريحات، تشدد على توظيف المصالحات العربية في إطار العملية السلمية، تبدو المصالحة الفلسطينية أبعد من أي وقت مضى. لا بل تُلاحظ عملية مدروسة ومنسقة لتوتير مقصود بين حركة laquo;حماسraquo; والراعي المصري لهذه المصالحة، على نحو يطيح الحد الأدنى من إمكانات الاتفاق بين laquo;حماسraquo; والسلطة. هذا الاتفاق الذي يشكل الشرط الشارط لأي معاودة جدية لمفاوضات سلام على المسار الفلسطيني، مهما كانت طبيعتها.

وإذا كانت مصر ودورها، في المصالحة وعملية السلام عموماً، هو المستهدف مباشرة بعملية laquo;شريان الحياةraquo; التي نسقت ونفذت تحت إشراف التنظيم الدولي لـ laquo;الاخوانraquo; وجناحه التركي هذه المرة، وبافتعال مشكلة مع الأمن المصري في رفح، فإن الاستهداف يطاول على نحو غير مباشر كل الدول العربية التي لا تزال تشدد على ضرورة المصالحة الفلسطينية، تحت الرعاية المصرية، ولا تزال تعتبر ان المبادرة العربية صالحة كأساس للحل مع إسرائيل.

بكلام آخر، يبدو أن الوضع العربي، على رغم كل ما يُقال ويُعلن، ما زال يعاني من الانقسام ذاته على موضوع السلام والذي عاناه خلال السنوات الماضية، والذي كان أحد أسباب تعثر الحل.