جميل الذيابي

يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه الأيام ضغوطاً كبيرة، بعد أن أثبتت تقارير سرية لوزارة الدفاع الأميركية laquo;البنتاغونraquo;، أن واحداً من كل خمسة من المفرج عنهم من معتقلي سجن laquo;غوانتاناموraquo; عاد إلى جبهات القتال ضد الولايات المتحدة أو انضم مجدداً إلى laquo;القاعدةraquo;، بهدف التخطيط أو المشاركة في عمليات إرهابية حول العالم.

لقد جاء أوباما إلى البيت الأبيض، وفي أولوياته منذ حملته الانتخابية إغلاق المعتقل، الذي تعتبره منظمات حقوقية دولية - بما فيها الأمم المتحدة - وصمة عار في السجل الأميركي لحقوق الإنسان ورمزاً لانتهاك حقوق السجناء، وفعل ما وعد به، إذ كان أول قراراته الرئاسية إغلاق المعتقل، لكن هل دول المنطقة التي تتزايد فيها أعداد الإرهابيين والمتعاطفين والممولين تتعاون كما يجب؟!

اعتقد ان أكثر من لفت الأنظار إلى خريجي laquo;غوانتاناموraquo; من المفرج عنهم، الذين عادوا إلى دائرة العنف، كانا السعوديين سعيد الشهري ومحمد العوفي، اللذين هربا من بلادهما إلى جبال اليمن ليعلنا الانضمام إلى laquo;القاعدةraquo;، ويبدآن تهديد الأمن العالمي، وهو ما يؤكد عدم تأثرهما البتة بجلسات لجنة المناصحة، بعد نجاحهما في خداعها وتضليلها وتظاهرهما بتغير قناعاتهما وأفكارهما، إذ كانا يخططان ويعدان العدة للارتماء في أحضان laquo;القاعدةraquo; مجدداً.

عدد السعوديين المفرج عنهم من laquo;غوانتاناموraquo;، الذين انضموا لجماعات العنف يبلغ 11 شخصاً، أبرزهم الشهري، الذي يعتبر نائب رئيس تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، بعد ان سلم العوفي نفسه للسلطات السعودية متراجعاً للمرة الثانية. كما ان هناك اثنين من اليمنيين الذين خضعوا لبرنامج المناصحة السعودي ثم عادوا للعنف، هما عبدالرحمن الفولاني وصديق التركستاني. وهو ما يؤكد صحة آراء بعض المراقبين الذين أشاروا إلى ان بعض المفرج عنهم من laquo;غوانتاناموraquo;، لم ولن يتغيروا، وسيظلون يؤمنون بفكرة العنف ويؤيدون منهج laquo;القاعدةraquo; الإرهابي.

عودة الشهري والعوفي وآخرين إلى دائرة العنف، تضع علامات استفهام حول دور لجنة المناصحة ومدى دقة تقاريرها ومعرفتها بسلوكيات المفرج عنهم وتغير أفكارهم، إذ يعتقد مسؤولون في واشنطن بحسب وكالة laquo;أسوشيتد برسraquo; بأن معتقلين سعوديين سابقين، أفرج عن أحدهما في 2006، والآخر في 2007، هما من قاما بدور رئيسي في نشاط تنظيم laquo;القاعدة في جزيرة العربraquo; الذي يتخذ من اليمن مقراً له.

في المقابل، لا يزال أوباما يتجاهل مطالب غالبية الأعضاء الجمهوريين وعدد من الديموقراطيين في laquo;الكونغرسraquo;، الذين يدعونه إلى التخلي عن خطته لإغلاق laquo;غوانتاناموraquo;، معلناً تمسّكه بضرورة إغلاق السجن الحربي الأميركي، لكن المعلومات الجديدة عن ارتفاع نسب العائدين من المفرج عنهم إلى الإرهاب ستشكل ضغطاً إضافياً عليه، وستضع قراراته السابقة بشأن المعتقل على المحك، خصوصاً أن نسبة العائدين إلى العنف من المعتقلين السابقين بلغت نحو 11 في المئة مطلع السنة الماضية، وارتفعت إلى 14 في المئة بحلول نيسان (ابريل) 2009 بحسب تقرير laquo;البنتاغونraquo;. إضافة إلى ان مسؤولاً أميركياً أكد أن النسبة ارتفعت أخيراً إلى 20 في المئة.

الأكيد ان هذه مطالب أعضاء laquo;الكونغرسraquo;، والمعلومات الجديدة ستشكل تحدياً جديداً لإدارة أوباما، في ظل تزايد الدعوات بالكشف عن أرقام عدد المعتقلين المفرج عنهم الذين استأنفوا نشاطاتهم الإرهابية، خصوصاً بعد محاولة النيجيري عبدالمطلب تفجير طائرة أميركية كانت متجهة إلى ديترويت.

القلق الذي يعتري الأجهزة الأميركية بعد محاولة النيجيري أدى إلى تشديد الإجراءات والاحتياطات الأمنية وزيادة التفتيش في المطارات وعلى ركاب الرحلات المقبلة إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يعيد العالم إلى صورة شبيهة بما حدث بعد 11 أيلول (سبتمبر)، حينما تلاشت الثقة بين الأديان والحضارات، وبدأت حالة من الفزع والصراع بين laquo;فسطاطينraquo; كما يريد ان يكون عليه العالم ويصوره أسامه بن لادن.

لا شك في ان تنظيم laquo;القاعدةraquo; فشل بعد إحباط عبوة laquo;الخصيةraquo; التي يحملها النيجيري لتفجير الطائرة الأميركية، وبعد نجاة محمد بن نايف من محاولة الاغتيال بقنبلة عسيري laquo;الشرجيةraquo;، لكن عناصره لم تفشل في الوصول إلى أهدافها ببساطة، إضافة إلى قدرة التنظيم على تجنيد نساء وصغار وبعض خريجي laquo;غوانتاناموraquo;، وتحالفه مع متمردين ومتشددين للانضمام إليه وتزويده المعلومات، وهو ما يستدعي يقظة أمنية كبيرة لتفكيك الخلايا النائمة والمستيقظة، خصوصاً في دول اليمن والسعودية وباكستان وأفغانستان والسودان والصومال وبعض الدول الأوروبية.