منع احتفالات عاشوراء في كربلاء كي لا تتحول إلى مظاهر تأييد للخميني (18)

لندن ــ رائد الخمار

تتحدث وثائق بريطانية عن عام 1979، أفرج عنها الأرشيف الوطني نهاية العام الماضي، عن تولي صدام حسين الرئاسة في العراق في 17 يوليو 1979 بعد استقالة الرئيس احمد حسن البكر laquo;لدواع صحيةraquo; كما قيل في حينه، ومحاولة الانقلاب التي جرت للاطاحة به بعدها، ومن ثم اصدار اوامره بإعدام زعمائها على الفور، ومن ثم البدء بحملة تصفيات لجميع المعارضين، وحكم البلاد بيد من حديد عبر اجهزة الاستخبارات المختلفة حتى انهيار حكمه في عام 2003 مع الغزو الاميركي للبلاد.


اختارت laquo;القبسraquo; مجموعة من الوثائق في تلك الفترة، والقلق الغربي على المنطقة، ومن ضمنها العراق، في ظل تسلم رجال الدين السلطة في ايران، ومن ثم القلق من امتداد المد الشيعي الى العراق، حيث يضم العراق اغلبية شيعية، وتحكمه اقلية سنية.

عدم ارتياح لتطورات إيران
وفي رسالة من السفير البريطاني في بغداد، الكسندر جون ديكنسون استرلينغ بتاريخ 1 فبراير 1979، رفعها الى ألبرت جورج مونرو في دائرة الشرق الاوسط في الخارجية البريطانية في لندن وتزامنت مع عودة الخميني الى طهران، ذكر السفير بما قاله سابقاً عن ان العراق وقيادته البعثية تحديداً لا يشعر بالراحة من التطورات الايرانية، ووصول رجال الدين الى السلطة في طهران ويخشى وصول المد الشيعي الى الاراضي العراقية خصوصاً الى المناطق الجنوبية الغنية بالنفط.
وفي 12 ابريل 1979، كتب السفير تقريراً عن الموضوع حمل عنوان laquo;شيعة العراق بعد الثورة الايرانيةraquo;، وجاء فيه laquo;بعد تمضية الخميني 15 سنة منفياً في العراق ستحيي عودته الى ايران وتسلمه السلطة عدم الاستقرار في العراق خصوصاً بين المواطنين الشيعة الذين يشعرون بالغبن على ايدي الاقلية السنية. وسيعني نجاح الحكم الاسلامي في ايران امكانات اكبر للشيعة العراقيين، المتعاطفين مع شيعة ايران، وسيدفعهم الى البدء بسلسلة تحركات ضد الحكم القائم وزيادة مقاومتهم لحكم صدام حسينraquo;.

رجال الدين يعادون صدام
واشار التقرير الى ان رجال الدين في كربلاء والنجف يعادون صدام في الباطن ولا يستطيعون الجهر بذلك علانية مخافة انتقامه... ويستطيع الخميني الاعتماد على شيعة العراق في اي حرب سرية ضد صدام مستقبلاً.
وقال السفير laquo;حتى الآن لا دلائل ملموسة على ان الخميني بدأ يوجه اي مشاكل للحكومة العراقية ولم تشهد كربلاء والنجف سوى بعض الكتابات على الجدران تنادي بدولة اسلامية في العراق، وجرت مظاهرات لا يزيد عدد افرادها على 350 شخصاً ادخل من عثرت عليه قوات الأمن الى السجون للتحقيقraquo;.

انتفاضة 77
وكانت السلطات العراقية منعت احتفالات عاشوراء كي لا تتحول الى تظاهرات تأييد للخميني او ضد النظام العراقي.
ولا تزال بغداد تتذكر ما جرى في فبراير 1977 عندما تحولت تظاهرات الشيعة الى انتفاضة كبرى تم قمعها بالقوة.
وكان صدام قام بزيارات مجاملة وعلاقات عامة للمحافظات الاربع في الجنوب حيث 90 في المائة من المواطنين شيعة، لكنه لم يتفقد كربلاء والنجف على رغم جولاته على مختلف المحافظات العراقية. ويبدو انه يخشى الا يجد في المدينتين المقدستين لدى الشيعة استقبالاً ودياً على الاطلاق.
ومن المعروف ان شيعة العراق يتعاطفون مع ايران، لكن غالبية اعضاء الحزب الشيوعي العراقي ينتمون الى المحافظات الشيعية ايضاً، على اساس انهم فقراء لا تهتم بهم الحكومة المركزية. ويستغل الشيوعيون ما جرى في أغلبية عددية إيران لاثارة الاكراد والشيعة ضد الحكم، لكن لا اعتقد ان ما جرى ويجري في المناطق الفقيرة من العراق سيؤدي في المدى القريب الى مشكلة كبرى للحكم.
ولاحظ التقرير ان الشيعة غير منظمين بعد لتهديد النظام، وتعتمد أغلبيتهم على الحكومة في معيشتهم، لكن ذلك لا يعني الهدوء، بل قد نتوقع مزيدا من عدم الاستقرار، خصوصاً اذا حصل الشيعة على دعم من ايران.
وقال السفير انه على المدى البعيد سيتسلم الشيعة حكم العراق بسبب أغلبيتهم العددية ولا يستطيع السنة في العراق الاستمرار في السلطة وحدهم، لكن هذا الامر غير متوقع في ظل البطش الذي يفرضه صدام حسين على البلاد. واعتقد انه بعد انتهاء عهد صدام، وهو غير متوقع في المدى المنظور، سيتسلم الشيعة الحكم بمساعدة الايرانيين او غيرهم.
وتوقع السفير ان تحاول ايران، بعد تثبيت الحكم فيها، ان تحتضن مختلف تيارات المعارضة الشيعية في العراق لخدمة مصالحها، ولنشر الدعوة الشيعية في الخليج.

الأهوار وكردستان
وفي الوثائق البريطانية عن العراق تقرير كتبه السفير في ابريل 1979 عن لقاء تم مع مراسل هيئة الاذاعة البريطانية غافين يونغ الذي امضى ثلاثة اسابيع يعد تقريراً اخبارياً عن الاهوار وكردستان بدعوة من الحكومة العراقية (...).
وتحدث المراسل عن خلافات وصلت الى صدامات مسلحة بين عشائر شيعية في المنطقة الجنوبية، وقعت بين الناصرية والعمارة في الطريق بين القرنة والعمارة، لكن القوات الحكومية لم تتدخل لفض النزاع، خصوصاً ان بغداد لا ترى فائدة في الدخول في نزاعات القبائل، وتركت الامر لشيوخ القبائل لفض النزاع.
محرومة من خيرات النفط
ونقل السفير عن يونغ اعتقاده بان الجنوبيين لا يرون ان المنطقة الشيعية تستفيد من خيرات النفط فيها، وان التنمية والتطوير والعمران يصب في مناطق ذات أغلبية سنية.
وقال المراسل انه سمع اشاعات تفيد بان اليساريين الايرانيين يصلون الى العراق تباعاً لشراء الاسلحة من تجار سنة كانوا يبيعون الكلاشينكوف بنحو 800 دينار.
وعن المنطقة الكردية، قال المراسل انه وجدها هادئة، وهو زارها بغالبيتها حتى حاج عمران من دون صعوبات، ولم يشاهد فيها اي دليل عن اضطرابات معينة، كما لم يُشاهد اي اثر للثوار الاكراد (...) لكنه منع من دخول مناطق شرق السليمانية ودخل المنطقة لاحقا بحماية قوة مدرعة باوامر من المحافظ، وشهد توترا في ديبينديكان جنوب السليمانية.
وتحدث المراسل عن مشاهدته صدام في المنطقة، وكيف تجمع اطفال صغار من المدارس فيها لتحية نائب الرئيس وللصياح بنشيد يحيي حزب البعث، لكن بعضهم كان يحيي البرزاني(..) ما أدى الى تدخل قوات الحماية وجمع الاطفال، الذين راوحت اعمارهم بين 10 و12 عاما، في شاحنات ونقلهم الى جهة مجهولة.

خطاب صدام
وفي 28 ابريل 1979 تسلمت الخارجية البريطانية من السفارة في بغداد تقريرا عن خطاب القاه صدام في الذكرى 48 لتأسيس سلاح الطيران العراقي ناقش فيه علاقة حزب البعث بالاسلام، آخذا بالاعتبار ما جرى في ايران، وقال في الجزء الاول من خطابه ان الاسلام والتاريخ كانا في روحية مبادىء حزب البعث الذي احترمها ولا يزال، لكنه شدد على ان الحزب هو لجميع العراقيين بمختلف مذاهبهم. وقال laquo;ان الانقسام بين المسلمين يعود الى تداخل الدين مع السياسة، وان حزب البعث يعمل لتوحيد مختلف المذاهب بدلا من بث الفرقة بينهاraquo;.
واضاف laquo;ان المواطن غير المنتمي الى الحزب، لكنه يؤمن بمبادئه، مواطن صالح يعمل لبناء الوطن الذي يضم جميع الشرفاءraquo;.

تسهيلات أرض ومال

بين الوثائق برقية عاجلة حملت تاريخ 1 يونيو 1979 تتحدث عن منح الضباط كافة فوق رتبة ملازم اول قطعة ارض لبناء منزل ومبلغ خمسة الاف دينار. واشار السفير الى ان قرار القيادة يُشابه ما فعله الكويتيون الذين يوزعون قسائم ارض على السكان، ويمنحونهم تسهيلات مالية لبنائها.
وفي الثاني عشر من يونيو 1979 تسلمت الخارجية في لندن برقية من السفير استرلينغ حملت الرمز laquo;جي ار اس تي ال 637raquo; تحدثت عن اشتداد العمليات المسلحة ضد الجيش العراقي في كردستان. وقال السفير ان العمليات تتركز عند زاخو وعندما تدخلت قوات عراقية للسيطرة على المنطقة عثرت على كميات كبيرة من الاسلحة قرب الحدود بين ايران والعراق وتركيا.
ويبدو ان القتال في المنطقة حدث بعد تعرض عضو مجلس قيادة الثورة عزة ابراهيم لمحاولة اغتيال قرب السليمانية نجا منها لكن احد مرافقيه قُتل.
ونسب الى مؤسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني قوله انه يستعد الى مضاعفة عدد مقاتلي الحزب من ثلاثة الاف الى ستة الاف، وهو سيطلب التنسيق من مسعود بارزاني في العمليات ضد الحكومة المركزية، كما انه قال عن استعداد الحزب الديموقراطي الكردي المعارض في ايران تقديم الدعم له من بين مسلحيه الذين يصل عددهم الى 60 الفا.
في الوقت نفسه وزع حزب التحرير الاسلامي في الجنوب منشورات حض فيها على الاتحاد ضد حكم صدام لاعلان حكم الدولة الاسلامية.
وافاد السفير الى انه لا تهديد للنظام على الاطلاق على رغم بعض الحوادث في الشمال وهي اصبحت روتينية، اما في الجنوب فان الحكومة تسيطر بقوة عليها، وان ما يجري فيها كناية عن حركات بسيطة.

الحلقة 20 :
ثلاثة أخطار على رئاسة صدام حسين