مديرة مونتي كارلو: الاعلام الحكومي الفرنسي اقسى على الحكومة من غيره
ليس هناك تعليمات فيما نتكلم او لا نتكلم...
لندن - حسام الدين محمد
يتذكر الكثيرون الدور الكبير الذي كان لاذاعة 'مونتي كارلو'، التي كانت حاضرة بتغطياتها في اهم المحطات التاريخية العربية، من الحرب الاهلية اللبنانية، الى الحرب العراقية الايرانية مرورا بغزو الكويت. هذا الدورالذي تضاءل شيئا فشيئا مع الظهور الخجول ثم الطامي للفضائيات (600 فضائية ناطقة بالعربية)، ورغم ذلك فان الكثيرين يحنون لتلك الاذاعة الجميلة ويتذكرون اسماء مقدمين ومراسلين صاروا علامات فارقة بتاريخ الاذاعات.
اذاعة 'مونتي كارلو'، التي كانت تجمع بين الجاذبية الأقرب للحسية بالعلاقة مع مقدميها، والثقل الذي تقدمه بتحليلاتها، عادت للبث مجددا بحلة ورؤية جديدتين والاستماع اليها، مع تحريكه للحنين القديم لأيام باريس في الوطن العربي، فانه يحفز احاسيس جديدة تستثيرها الطريقة الناعمة والسلسة للتقديم والمواضيع التي يتم انتقاؤها والقضايا التي تتم اثارتها.
لم تتخل 'مونتي كارلو' التي اضيفت لها لاحقة 'الدولية' عن الاخبار التي كانت عمودا فقريا فيها بل جعلته على فترتين صباحية ومسائية، وطعمته بكثير من اخبار الثقافة والفن والمنوعات، كما انها فتحت افاقا على المشاكل الاجتماعية العربية من خلال برامج حوارية تستضيف مختصين وتتلقى اتصالات المستمعين، كما انها تابعت ريادتها بمجال تقديم الموسيقى المعاصرة، ومرة اخرى، مع فتح المجال للمستمعين للادلاء بآرائهم وطلب ما يحبونه.
في مؤتمر صحافي عقد مؤخرا اشار ألان بوزياك رئيس الاعلام الخارجي الفرنسي الى ان دورة البرامج الجديدة في 'مونتي كارلو الدولية' اعتمدت على دراسات اجريت على مستمعي الاذاعة وعلى غير المستمعين، وبالتالي فان هذه البرامج تمثل استجابة لحاجات المستمع العربي، اما كريستين اوكرانت المديرة العامة للاعلام الخارجي الفرنسي فأشارت الى المنافسة التي يشهدها الاعلام العالمي واعتبرت 'مونتي كارلو الدولية' في دورتها الجديدة استجابة لهذه المنافسة بطريقة خاصة، فهي لا تعتبر الاذاعة عربية بل ان خصوصيتها تكمن في كونها اذاعة فرنسية ناطقة بالعربية. للاطلاع على هذه التطورات الجديدة في المحطة اتصلت بالزميلة ناهدة نكد، مسؤولة القسم العربي في الاعلام الخارجي الفرنسي، والتي تدير قناة ' مونتي كارلو الدولية '، وسألتها:
في زحمة الفضائيات والمحطات الاذاعية واساليب الاستماع والمشاهدة على الانترنت والجوال، كيف يمكن لمونتي كارلو ان تستعيد بعضا من مجدها القديم؟
ناهدة رأت انه ما زال هناك مكان محفوظ ومهم للراديو في العالم العربي وفي العالم اجمالا، فاوقات الاستماع للراديو مختلفة عن الاستماع للتلفزيون.
واكدت نكد ان برامج المحطة الجديدة قائمة على البحث الميداني: 'لقد قمنا بكثير من الدراسات قبل ان نطلب عودة 'مونتي كارلو الدولية' بهذه الحلة الجديدة، ومن الاشياء المهمة التي عرفناها ان مصداقية الراديو ما زالت قوية'، ورغم ان المشاهدة هي الفيصل في تصديق الناس للأخبار فانهم برأيها 'ما زالوا يعتبرون الراديو قادر على نشر وبث الخبر بسرعة، وهذا ليس لأنه اسرع من التلفزيون، ولكن لأن الراديو موجود مع الناس في كل مكان، وهم يستطيعون نقله من مكان لاخر ولكنهم لا يمكنهم فعل الامر نفسه مع التلفزيون'، الامر الآخر المهم برأي ناهدة نكد ان الناس يستمعون للراديو بالسيارة 'ولذلك نحن قوينا البرامج الصباحية. الناس تستمع للراديو وهي 'رايحة على شغلها او بتحضر حالها، الرجال يحلقون والنساء يحضرن الترويقة، ثم ننتقل للسيارة فنستمع للراديو'. وتعتبر نكد ان هناك تعلقا بالاذاعات والراديو في العالم العربي 'صار لنا سنين نقول ان التلفزيون سيقتل الصحافة المكتوبة لكنه لم يستطع قتل الصحافة المكتوبة وكذلك الامر بالنسبة للاذاعة فمحلها ما زال موجودا، صحيح ان التلفزيون اخذ الكثير من حياة الناس اليومية لكنه بنفس الوقت لم يستطع الحلول محل كل وسائل الاعلام الاخرى'.
سباق على العالم العربي
تقر مديرة مونتي كارلو الدولية بوجود سباق حالي كبير على المستمع والمشاهد العربي على مستوى العالم، حيث تابعنا ظهور قنوات امريكية بريطانية فرنسية صينية روسية وتركية، بالتالي، سألت: 'في هذا الزحام ، برأيك كادارية واعلامية، كيف يمكن التميز؟'
تقول ناهدة نكد: اولا نحن نعلق اهمية كبيرة على الصدق في الاخبار، وتميزنا هو في هذا الجانب في كل ما يحيط به من طريقة القاء الاخبار، الى طريقة اختيارها والتعاطي معها. الاخبار ليست سياسة او فظائع فقط، الاخبار هي الحياة كما هي وهي تتكون من سياسة و من ثقافة من فن عيش من اخبار طريفة، وتكمل بلهجتها اللبنانية المحببة: 'نحنا بمونتي كارلو عملنا مثلا الفترة الصباحية والساعة 5 عندنا كمان نشرة اخبار مطولة فيها كل هذه الاشياء من ناحية نعطي معلومات ومن ناحية ثانية نعطي اخبارا بشكل محبب ومرفه. الناس تحب ان يلعب الراديو دوره كترفيه وتسلية في نفس الوقت الذي هو اداة جدية وبالتالي لدينا اخبار ثقافية واخبار طريفة واخبار مفيدة مثل الطقس والطيران'.
لماذا الطيران؟: 'لأن الطيران قضية عامة بالنسبة لراديو دولي. في كتير ناس بيتسمعوا علينا ومنعطيهم اخبار الطيران'.
تؤكد نكد على اهمية الطريقة التي يتم فيها القاء الاخبار: 'طريقة الالقاء مهمة جدا وكذلك انتقاؤها. هناك صحافيون ينتقون الاخبار: اخبار صحة او اخبار النجوم او اخبار طريفة او اخبار جديدة. وهناك شخصان مسؤولان، وليد عباس وعماد خياط، يديران هذه الفترة الصباحية، ويوجهان الكلام في الاستوديو، في محاولة منا لنعطي هذا الشعور الجميل الذي يأتي من الراديو. الشعور بالالفة داخل الاستوديو وهذا امر نجحنا فيه وصار لنا 4 ايام نبث وعندما تستمع الى هذه النشرات ستحس انك مع هؤلاء الاشخاص الذين يكونون مع المستمع من الرابعة صباحا بتوقيت باريس (3 بتوقيت غرينتش الدولي) ونصل معهم للساعة 8 . خلال النهار لدينا برنامج عن الصحة يستضيف طبيبا نفسيا او صيدليا او شخصا متخصصا بالجمال والتجميل يجيب على اسئلة المستمعين وتقدم هذا البرنامج سونيتا ناضر. ولدينا من البرامج المهمة التي تدوم ساعة وفيها حوار مع المستمعين برنامج اجتماعي يبث على مدة 5 ايام في الاسبوع ويعالج قضية اجتماعية في العالم العربي نتكلم عنها واحيانا يكون هناك خبير فرنسي للمقارنة بين طريقة معالجة الموضوع في الطرق العربية وطريقة معالجته في فرنسا ولدينا فترات موسيقية مع مذيعين جديدين يعطيان معلومات ويقدمان موسيقى ويمكن للمستمعين ان يطلبوا اغاني معينة، كما ان هناك برامج ثقافية حوارية تستضيف بالاستوديو شبابا ليتحدثوا مع فنانين. ومن البرامج الاخرى التي نقدمها اخر السهرة فانها تتوجه الى مستمعي مونتي كارلو الذين يحبونها فتقدم لهم موسيقى الخليج والاغاني التقليدية العربية مثل فيروز وعبدالحليم وعبدالوهاب وغيرهم.
برأي ناهدة، ان هذه الخلطة تقدم روحا جديدة ومختلفة 'عملنا راديو نعتقد اننا نختلف فيه عن الراديوهات الثانية، من طريقة التقديم التي نقدم فيها الخبر بشكل واضح، والتي تقدم تحليلا واضحا. منحلل منفسر وبنفس الوقت لدينا تقارير على الارض كثير مهمة، على الطريقة الفرنسية بمعالجة الاخبار بالعمل الصحافي'.
في مؤتمرك الصحافي مؤخرا، قلت لناهدة، اشرت الى ان صورة الراديو كانت ذكورية وانك تسعين لتأنيثها وتقديمها للشباب اكثر، هل يمكنك شرح هذا الرأي اكثر؟
'راديو مونتي كارلو كان راديو تقليديا يتمتع بجذور قوية في العالم العربي، لكن المسألة هنا اننا لسوء الحظ لم نستطع ان نتجدد في السنوات الثماني الماضية، والذي نحب ان نفعله حاليا هو الحفاظ على مصداقية الراديو، لأن اهم ما يهمنا في عملنا هو الحفاظ على اخلاقية المهنة التي هي مهمة كثيرا والتي كانت على طول من اساسات عمل مونتي كارلو'، وتتابع نكد: 'بنفس الوقت انتبهنا الى ان المستمع تطور لذلك قمنا بدراسات - وسنظل نقوم بدراسات ـ على المشهد الاعلامي وقد وجدنا انه يتطور في العالم العربي بنفس السرعة التي يتطور فيها بالدول الاجنبية. لقد تغير المستمع العربي ولذلك يجب ان تتغير بحسب ما يتغير المستمع بحيث نلبي ما يهمه وان نعرف كيف وبأي شكل يستمع الى الراديو لذلك احببنا ان نقدم الحلة الجديدة لـ'مونتي كارلو' بحيث ان الناس الذين ما كانوا منتبهين لنا والذين صاروا يعتبروننا اذاعة قديمة يستمع اليها اباؤهم واجدادهم فحسب. اردنا ان نقول لهؤلاء: نحن راديو جديد يتكلم مع كل الناس يهتم بالقضايا التي تهم النساء والتي تهم الشباب دون ان ننسى الاهتمام بقضايا تهم الناس كلهم'.
محطة 'مونتي كارلو' تابعة للاعلام الخارجي الفرنسي، وهي بالتالي جزء من مؤسسات الدولة الفرنسية، وفي الجو السياسي المتلبد في العالم العربي سيعتبر الكثيرون ان المحطة هي مثل قنوات وفضائيات عالمية تتنافس على رأي المستمع العربي، وتمثل بالتالي محاولة من الدول الممولة للسيطرة على عقل وقلب المستمع والمشاهد، على هذه النقطة اجابت ناهدة:
'هنا الفرق بين فرنسا والدول الثانية. مثلا انا اؤكد لك ان القنوات الحكومية في فرنسا هي القنوات التي تقدم اقسى التقارير بالنسبة للحكومة، وهي اقوى بكثير من التقارير التي تبثها القنوات الخاصة التي لا تمولها الدولة.
هناك حرية تعبير بالقنوات الفرنسية الحكومية ولم يحصل بأي وقت ان جاءتنا تعليمات بما يمكن ان نتكلم او لا نتكلم، وكلما حصل اشكال او انتقادات من رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء اوالوزراء في الحكومة الفرنسية نكون اول من يقدم هذه الانباء فدورنا كصحافيين، ان نقول ما يحصل في فرنسا وليس ان نعطي وجهة نظر الحكومة الفرنسية وهذا تقليد راسخ عند الصحافيين الفرنسيين منذ سنوات طويلة، ولكنه تقوى بعد ان تم الغاء وزارة الاعلام في فرنسا بحيث حصلت ردة فعل عند الصحافييين الفرنسيين . الحكومة لا تتدخل في الاعلام حتى لو كان الاعلام ممولا من الحكومة، كما ان هناك نقابات بكل وسيلة اعلام، فيها صحافيون يعتبرون انهم يدافعون عن حرية الصحافة واخلاقية المهنة حتى ضد الادارة وهم محميون والادارة لا تستطيع ان تضغط عليهم.
هل تقولين انك لا تتدخلين في اعمال الصحافيين لديك؟
يحدث احيانا ان يتساءل الصحافي حول موضوع معين وامكانية الخوض فيه، وهم يعودون اليّ كشخص مسؤول، وانا من ناحيتي اقرر فيه واتحمل مسؤولية نشره او بثه، ولا اعود الى مسؤول آخر لاستشارته ان كنا نستطيع الحديث في هذا الموضوع اولا نتكلم. نحن نأخذ مسؤوليتنا فيما نبث ونتحدث دون تدخل من احد. لا يمكن ان يتدخل احد في عملك اذا كنت تنشر خبرا صحيحا والذي يمكن مناقشته فحسب هو طريقة نشر الخبر.
التعليقات