العراق دون العرب السنّة!

خلف الحربي
الجريدة الكويتية
لا أعرف كيف يمكن الحديث عن العرب السنّة في العراق دون أن تنهال على رؤوس المتحدثين الاتهامات المجانية بالتعصب المذهبي أو التعصب القومي؟! ولكن إذا كان ثمة متسع من الوقت للأفكار البراغماتية في هذا الزمان الصعب فإنه يمكن النظر للعرب السنّة في العراق باعتبارهم الفئة التي تملك قدرة غير عادية لإنقاذ العراق من شبح التقسيم والحرب الأهلية، فهم في موقعهم الجغرافي الذي يتوسط الخارطة العراقية يشتركون مع إخوتهم الشيعة في رابط العروبة، ويشتركون مع إخوتهم الأكراد في الرابط المذهبي، وهذا الوضع يؤهلهم دائما لأن يكونوا همزة الوصل السياسية التي لا يستطيع العراق الجديد النهوض على قدميه دون الاستعانة بخدماتها.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق دفع العرب السنّة ثمن جرائم صدام حسين, وكانت نتيجة تحالف الجيش الأميركي مع الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب هي تصفية أي دور سياسي للعرب السنّة في العراق، فترك هؤلاء فراغا لا يستطيع أي طرف اليوم الادعاء بأنه قد نجح في تعويضه.
في الأيام الأولى للاحتلال الأميركي قاد العرب السنّة حركات المقاومة المسلحة وأصبح (المثلث السني) مأزقا حقيقيا للجيش الأميركي, ولكن بعد الضربات الساحقة التي تعرضت لها حركات المقاومة العراقية وجد أبناء هذه الأقلية أنفسهم موزعين بين خيارين أحلاهما مر، فإما القبول بدور هامشي ضعيف دون أي التزام حقيقي بحماية وجودهم, وإما التحالف مع تنظيم القاعدة الإرهابي كردة فعل طبيعية على محاولات سحق هويتهم.
وحين هبطت الديمقراطية على العراق بالبراشوت الأميركي تم التعامل معهم باعتبارهم رقما صغيرا في صندوق الاقتراع, إنها الديمقراطية التي فرضتها طائرات الشبح وصواريخ التوماهوك التي تتعامل مع البشر كأرقام دون أي عناية بالواقع السياسي والتعقيدات الثقافية والنسيج الاجتماعي للبلاد, وهي أيضا الديمقراطية التي اختطفتها ميليشيات ذات سجل دموي معروف فوجدت فيها غطاء شرعيا يمنح الأغلبية حق تصفية الأقلية.
تخيلوا لو تم التعامل مع الطائفة المارونية في لبنان باعتبارهم أقلية لا تستحق دورا سياسيا مؤثرا انطلاقا من عدد أصواتهم في الانتخابات! فهل لديكم أدنى شك في أن الكيان السياسي في لبنان سوف يتعرض للانهيار؟! هذا هو مأزق العراق الحقيقي اليوم، فقد ارتبط التكوين السياسي للعراق بالدور المؤثر الذي يلعبه العرب السنّة داخل العراق وخارجه، ولن تؤدي محاولات إقصائهم عن اللعبة السياسية إلا إلى المزيد من التقسيم والفوضى.
كل محب للعراق يشعر بوجود مشروع تقف وراءه العديد من الأطراف لتقسيم هذا البلد العربي الرائد, وهذا المشروع يعتمد على نظرية بسيطة جدا تتلخص في اقتطاع المنطقة التي تتوسط خارطة العراق، وتحويلها إلى مساحة قلقة وشديدة التوتر، وهو ما يؤدي تلقائيا إلى عزلة المساحتين الجنوبية والشمالية عن بعضهما بعضا فيصبح التقسيم أمرا واقعا, فهل يدرك قادة العراق الجديد أنهم اليوم في أمس الحاجة لخدمات العرب السنّة حفاظا على وحدة العراق، أم أنهم سيستمرون في مطالبتهم بتسديد فاتورة الدم التي تركها صدام حسين؟!.
الحوار في سياسة العراق
احمد المهنا
العالم العراقية
هل بالامكان رؤية شيء ايجابي في الحركة السياسية الدائرة حول تشكيل الحكومة العراقية؟
السلبيات حدث ولا حرج، ومجموعها ينم عن انقسام سياسي عميق يصعب لحمه، وعن درجة قصوى في الفصام بين احتياجات الشعب وبين تطلعات الساسة. هذا ما صار يقين كل مواطن عراقي تقريبا.
ولكن الا يوجد شيء ايجابي واحد؟ لعل البحث عن مثل هذا الشيء يراودنا جميعا. ذلك انه في الواقع بحث عن الأمل. ولكي تستمر الحياة لابد ان يكون هناك امل. فهل يوجد مثل هذا الشيء؟ واذا وجد فما هو؟
هناك عنصران ايجابيان يمكن رؤيتهما في مجرى الصراع على السلطة. الأول انحسار احتمال الحرب الأهلية. والثاني اجماع الساسة على مفهوم حكومة الشراكة الوطنية. وكلاهما يعني امرا واحدا هو اعتماد اطراف العملية السياسية الحوار وسيلة وحيدة لحل الأزمة العويصة. وبالطبع فان المواقف الاخيرة التي ظهرت بعد ترشيح quot;التحالف الوطنيquot; المالكي لرئاسة الوزراء لا يمكن وصفها بانها نهاية الحوار، وانما هي استمرار له ولكن عبر مسالك اشد وعورة.
ان اتباع مبدأ الحوار في حل المشاكل السياسية يعد منجزا استثنائيا في مثل هذا الجزء من العالم. ذلك انه مبدأ لا رصيد له في بنك المنطقة. والبديل الوحيد عن الحوار في حالة العراق هو الصراع المسلح. فالبلد مازال في طور ضعف امني وسياسي يفتقد معه الى مقومات فرض الاستقرار بالقوة. الحوار اذن في هذه المرحلة quot; اضطرارquot;. وعندنا من هذا الاضطرار نحو عشر سنوات مقبلة على الاقل، حتى اكتمال القوة الأمنية.
ومدار الحوار، قبل وبعد الاتفاق ndash; اذا تم - على تسمية رئيس وزراء، هو حكومة الشراكة الوطنية، وهي تعبير مباشر عن غياب الثقة بين الكتل السياسية. فلو كانت مثل هذه الثقة متوفرة لما احتاج الامر الى مثل هذه الحكومة. كان الحكم البرلماني سينقسم الى موالاة ومعارضة، شأن الوضع الطبيعي في الديمقراطيات.
ولكن خوف الكتل السياسية من بعضها البعض، وغياب الثقة المتبادلة، هو الذي يضطرها الى حكومة شراكة وطنية. ولعل القوات الامنية هي اهم عنصر في هذه الشراكة. ذلك ان احتمال استحواذ حاكم او طرف عليها هو مصدر المخاوف والشكوك، فضلا عن موروث غني من غياب الثقة، وفقر فادح في الثقافة الديمقراطية. والطريقة الوحيدة لحل مشكلة الشراكة على هذا الصعيد هي ابعاد القوات المسلحة، من جيش وشرطة ومخابرات، عن دوائر نفوذ الأحزاب، وتحويلها الى قوة مهنية تدين بعقيدة الولاء للوطن.
والمعروف ان للقوات المسلحة في بلدان العالم الثالث دورا رياديا في التحديث وفي نشر العقيدة الوطنية. فتاريخيا كانت هذه المؤسسة هي اولى مؤسسات الحداثة في بلدان الشرق الناهضة للتو من القرون الوسطى. ولأنها في بداية ذلك المنعطف اصبحت اقوى المؤسسات الحديثة في الدول الناشئة وافضلها ضبطا وربطا، فغالبا ما خرجت من دورها الأمني والعسكري الى دور سياسي عبر الانقلابات. فجاءت النتائج وبالا عليها وعلى بلدانها.
وعلى اي حال فان هذا شبح ينبغي التحسب له في المستقبل، وايجاد الضمانات الكافية لمنع تكراره. اما المهمة العاجلة فهي اتخاذ اجراءات والقيام بخطوات ملموسة لابعاد القوات الامنية عن الولاءات الحزبية والطائفية والمناطقية. والحوار في هذا الجانب سيكون اشق من الحوارات حول الجوانب الأخرى لحكومة الشراكة.
الحوار اذن هو ايجابية السياسة العراقية. والسؤال هو: هل ستحوله الأيام من اضطرار مرحلي الى خيار وطني راسخ؟ ان تقييم التغيير العراقي كله بعد 2003 يتوقف على جواب هذا السؤال.