عبد الرحمن الراشد

بعد أسبوع يفترض أن يرمي الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الحجارة، أمام المصورين، على الحدود الإسرائيلية، في مشهد دعائي سياسي. ومع هذا فهي زيارة مهمة، وفيها جسارة من الرئيس نجاد بزيارة لبنان، والسفر حتى آخر نقطة في الجنوب، حيث بلدة بنت جبيل. وسيقف في مرمى مناظير البنادق الإسرائيلية العسكرية، وهذه مغامرة ليست بالآمنة.

لا أتوقع أن الإسرائيليين سيتجرأون على استهداف الرئيس الإيراني، أو أي زعيم آخر تستضيفه السلطات اللبنانية، مهما كانت العداوة.. فذلك من قواعد العلاقات المعقدة بين الأعداء. ومع أن الإسرائيليين هم آخر من يتجرأ على استهداف نجاد، فإن زيارته ليست نزهة سهلة، فعداوات إيران، وتحديدا الرئيس نجاد، من الكثرة بحيث تجعلها أخطر زيارة يتكفل اللبنانيون برعايتها. هناك تنظيم القاعدة، والجماعات الأصولية السنية في لبنان، والمعارضة الإيرانية المسلحة مثل laquo;مجاهدين خلقraquo;، والقوى المتنافسة على الحكم في إيران نفسها، وأجهزة المخابرات الدولية التي تعتقد أن التخلص من نجاد سيغير الوضع الإقليمي، وهناك قوى أخرى تطمع في خلط الأوراق.

ومن المتوقع أن حزب الله، لا الجيش ولا الأمن اللبنانيين، هو من سيتكفل بتقديم الحماية للرئيس الإيراني، في أول زيارة رسمية له إلى لبنان. فإيران أنفقت مئات الملايين من الدولارات على تسليح حزب الله وتدريب عناصره، وتثق في قدراته. وليس مصادفة أنه اختار بنت جبيل لتكون مسرحا لزيارة نجاد كونها بلدة محسوبة على حزب الله، ومحاذية للحدود مع إسرائيل. فالبلدة، ذات الثلاثين ألف نسمة، المحكومة من حزب الله، تعتبر أكثر أمنا على حياة الرئيس نجاد من أي مدينة في بلده إيران نفسه حيث تعرض أكثر من مرة لمؤامرات استهدفت حياته.

الحقيقة أن الخطر ليس على الرئيس الإيراني، بل على اللبنانيين مستقبلا الذين سيدفعون ثمن التصعيد لاحقا. فالفارق واضح بين هذه الزيارة، وزيارة ضيوف الدولة، مثل العاهل السعودي، أو أمير قطر، التي تترجم إلى نشاطات إيجابية مثل إصلاح ذات البين سياسيا، أو مساعدة الإنسان اللبناني بالمشاريع، وتقديم الدعم المالي للدولة. فأكثر قرى الجنوب الشيعية التي دمرت في حرب عام 2006 رممت بمساعدات قطرية، وطرقها عبدت بعون كويتي، ودعمت الليرة حتى لا تنهار بمليار دولار سعودي. أما الأموال الإيرانية فجلها، إن لم تكن كلها، أنفقت على ميليشيات حزب الله ورفع قدراته القتالية إلى الضعف، ولهذا أعلن الرئيس نجاد قبل يومين أن لبنان أصبح خط الدفاع الأول مع إسرائيل، وهو صادق حيث أصبح لبنان الجبهة الإيرانية وخط القتال الأول مع إسرائيل. وما الزيارة إلا تجسيد لهذه العقلية الصدامية التي جعلت لبنان في حال حرب بالنيابة منذ ثلاثة عقود. وما تعلنه إيران من نشاطات لصالح لبنان لا يوجد له أثر على الأرض، وآخر ذلك ما أعلنه وزير البترول الإيراني الذي قال إن بلاده ستساعد لبنان على التنقيب عن النفط في المناطق الساحلية في البحر المتوسط. طبعا كلنا نعرف أن إيران عاجزة عن إنتاج حصتها النفطية بسبب امتناع الشركات الغربية عن التعامل معها بسبب العقوبات الاقتصادية، فكيف تساعد الآخرين؟

لقد نجحت إيران في استخدام لبنان لأغراضها السياسية، وهذا من سوء حظ الإنسان اللبناني الذي يتمنى أن يعيش حياة طبيعية لا أن يبقى محاصرا قلقا على حياته وأولاده ومستقبله، كلهم يريدون أن يقاتلوا العدو على حسابه.