سعد العجمي


مسكينة أنت أيتها القضية الفلسطينية، الأغلبية يتاجرون بك، ويتكسبون من ورائك، بل إن أكثرهم يرفعك شعاراً كي يبقى على كرسي حكمة أطول وقت ممكن، وبالذات من قِبَل رؤساء الأنطمة الشمولية.

نظام المقبور صدام حسين خير مثال على من استغل الفلسطينيين وقضيتهم من أجل أهداف سياسية بحتة تتعلق بالتكسُّب والضحك على عقول عوام الشارع العربي، فهو من هدد وتوعد بحرق نصف إسرائيل بصواريخه الكيماوية... وفجأة، ووفق فلسفة صدام، فإن تحرير القدس لابد أن يمر عبر احتلال الكويت، بعد ذلك ربط الانسحاب منها وضمان سلامة الجيش العراقي وعدم الاعتداء عليه، بانسحاب إسرائيل من فلسطين!

الأنظمة القمعية ذات تفكير واحد وفلسفة واحدة، فها هو أحمدي نجاد يسير على خُطى شبيهه صدام قولاً وفعلاً. نجاد وأنظمة طهران المتعاقبة لطالما زايدت على القضية الفلسطينية وحاولت أن تستخدمها كورقة سياسية في صراعاتها بالمنطقة أو مواجهاتها مع المجتمع الدولي.

نجاد يقول إنه سيحرق إسرائيل كلها، لكنه ربط ذلك بتعرض إيران ومنشآتها النووية لأي هجوم كان. لنسلم جدلاً بأن طهران لديها القدرة على تحويل إسرائيل الى محرقة، رغم أنني أشك في ذلك، فلماذا لا تبادر إيران وهي من تروّج لنفسها أنها نصيرة القضية، وسند للفلسطينيين، إلى تحرير التراب الفلسطيني من دنس الاحتلال الصهيوني؟

لا شك أن القدس وتحرير فلسطين ليسا من أولويات ايران، بل على العكس من ذلك تماماً، فبقاء الاحتلال الإسرائيلي هو في مصلحة طهران كونه أحد أهم عوامل الصراع الإقليمية التي تُستغَل من قِبَل الإيرانيين للعب دور في قضايا المنطقة، يقويها ويحشد من حولها الأنصار إن كان على صعيد الأنظمة أو الشعوب.

كسابقَيه، يستخدم الرئيس الإيراني الحالي القضية الفلسطينية كورقة سياسية لمصلحة إيديولوجية نظامه، لا لمصلحة بلاده أو حتى أمته الإسلامية، فنجاد بتهديده حرق إسرائيل يدغدغ مشاعر السذّج والدهماء، عبر محاولة الترويج بأن السلاح النووي الإيراني يطوّر لضرب تل أبيب وتحرير القدس، لكن مثل هذا الأمر لن يحدث كمبادرة إيرانية، فبحسب تصريحات نجاد، الأمر مرتبط بدك المفاعلات النووية الإيرانية من قِبَل أميركا أو حتى إسرائيل كي يحرر نجاد القدس ويحرق الصهاينة!

اجتاحت اسرائيل جنوب لبنان عام 2006 وعربدت في مدن وقرى لبنان كافة والعاصمة بيروت، ولم يحرك الرئيس الإيراني ساكناً، بعد ذلك قطّع العدو الإسرائيلي أوصال الغزاويين في قطاعهم وقتل النساء والشيوخ والأطفال، ولم نرَ الصواريخ الإيرانية تحرق إسرائيل، وفوق ذلك كله عاش نجاد أزمته الداخلية التي مازال يصطلي بنارها، وهو يحاول أن يبرر للإيرانيين قبل غيرهم أنه وصل إلى سدّة الحكم مرة أخرى بانتخابات نزيهة، لا بفضل قوات مكافحة الشغب والغازات المسيلة للدموع، وفوق جثث أبناء شعبه في شوارع طهران والمدن الإيرانية الأخرى المختلفة.

على كل، قلتها أكثر من مرة وفي غير مناسبة، كم رصاصةً أطلقها الإيرانيون في الحروب العربية على إسرائيل؟ وكم إيرانياً استُشهد لتحرير القدس والتراب الفلسطيني على مر التاريخ؟ لا يوجد شيء من هذا القبيل طبعاً، في المقابل دفع الإيرانيون الملايين للفلسطينيين، لا حبّاً فيهم وفي قضيتهم، بل لاستعداء طرف على آخر، كي يعززوا الخلافات بينهم لتتشتت كلمتهم ويبقى حل قضيتهم معلقاً، فعدم حل القضية الفلسطينية أحد أهم عوامل قوة نظام الحكم في إيران وبقائه على سدّة السلطة هناك. بقي أن أقول إنني أتحدث هنا عن إيران الدولة لا عن إيران المذهب.