كاميليا انتخابي فارد

الإيرانيون متعبون من دور المؤسسة الدينية وسيرحبون بأي حكومة تفصل الدين عن الدولة. قد تكون تلك حركة خطيرة، وقد تتسبب في سقوط السلطة في يد الميليشيات والحرس الثوري

ضمن الدائرة المصغّرة حول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، هناك رجلان يثق بهما تماما. هذان الرجلان هما صديقاه القديمان، وهما متدينان كثيرا مثل الرئيس ويشاركونه نفس الرؤيا. الحليفان المقرّبان من أحمدي نجاد هما: إسفنديار رحيم مشائي و سماره هاشمي. السيد هاشمي، وهو مستشار الرئيس، ليس تحت الأضواء مثل السيد مشائي، الذي يحتل منصب المشرف على شؤون رئاسة الجمهورية. السيد مشائي جريء لا يخشى التعبير عن آرائه بوضوح وهو أمر غير عادي بين كثير من المحافظين، في بلد يتظاهر فيه الكثير من السياسيين بأمور كثيرة للحصول على منصب، أو البقاء فيه، وليس هناك كثيرون مثل مشائي في وضوحه وصراحته وجرأته.
وبسبب هذا الاختلاف عن الآخرين، انبرى كثير من المتشدّدين، مثل: عضو البرلمان حجّة الإسلام حميد راساي وآية الله مصباح يازدي ورئيس مجلس صيانة الدستور آية الله جنتي، لمطالبة الرئيس نجاد بإقالة المشرف على شؤون رئاسة الجمهورية.
في إيران، مثل معظم الأنظمة الدكتاتورية، يجب أن يبقى الدكتاتور الأكثر شعبية وشهرة، وفي إيران، يجب أن يكون الشخص الوحيد المحبوب والمسموح له بأن يعبر عن رأيه في المصالح الدينية والوطنية هو المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي. حتى الرئيس لا يصبح شرعيا إلا بعد أن يصادق المرشد الأعلى على توليه المنصب، فهناك تناقض إذا بين ما يقوله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأن quot;الديمقراطية كاملة في إيرانquot; وبين ممارسات المرشد الأعلى الذي يعتبر فوق الدستور. هل حان الوقت ليضع أحمدي نجاد حدّا لهذا النظام الدكتاتوري الشمولي الذي يسمى ولاية الفقيه؟ وإذا حدث هذا، ما هو شكل الحكومة التي ستخلف هذا النظام في إيران؟
آية الله يازدي، الذي يعتبر المرشد الروحي للرئيس أحمدي نجاد، فاجأ الكثيرين، خاصة الإصلاحيين، عندما صرّح أن الذين يدعون لتبني النظام المدرسي الإيراني الوطني عوضاً عن المدرسة الإسلامية quot;هم خارجيون، وليسوا داخليين، وعلينا أن نكون حذرين.quot;
ربّما علينا أن نتوقع الآن نوعا جديدا من العلاقة بين أحمدي نجاد والمؤسسة الدينية المحافظة، وربّما نرى صداماً قويا بين الرئيس ورجال الدين قد يتحول إلى معركة بشعة خلال الانتخابات الرئاسية القادمة. ما يقلق آية الله مصباح يازدي المعروف بتشدده ليس فقط وجود مشائي كمشرف على شؤون رئاسة الجمهورية، لكنّه يخشى أن ينتهي عهد رجال الدين في إيران. أحمدي نجاد كان دائما يبدي عدم اهتمامه برضا أو عدم رضا quot;آيات اللهquot;، لم يكترث بالذهاب لزيارة رجال الدين أثناء زيارته لمدينة قم. وعندما انتشرت إشاعة بأن بعض آيات الله لم يلتقوا مع الرئيس أحمدي نجاد، أصدر مكتب أحمدي نجاد بيانا جاء فيه أنّ الرئيس لم يكن لديه الوقت الكافي لزيارة رجال الدين.
لكن ما أثار غضب آية الله جنتي هو دعوات الرئيس نجاد المتكررة للرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى مناظرة علنية، وهي دعوات رفض البيت الأبيض الاستجابة لها. ومع أنه لا يمكن قراءة ما يدور في عقل الرئيس نجاد، إلا أن ما يحدث في فترة ما بعد الانتخابات هو أنه يحاول العثور على تأييد بين صفوف الشباب والمفكرين والطبقة الوسطى. في الأسبوع الماضي، خلال احتفال بمناسبة اليوم الوطني للصحفيين، طالب الرئيس أحمدي نجاد النظام القضائي أن يعفو عن أي صحفي مُتّهم بانتقاد الحكومة أو يمارس حرية التعبير. في اليوم التالي، قال رئيس السلطة القضائية في إيران آية الله أمولي لاريجاني إن تصريحات أحمدي نجاد quot;غير واقعيةquot;، وأضاف آية الله لاريجاني أنّ الرئيس quot;ادعى أن النظام القضائي يبحث عن أي صحفي ينتقد الحكومة ويوجه له أيَّ تهمة ويعتقله وهذا غير صحيح.quot;
وجاءت مفاجأة أخرى عندما قال الجنرال حسن فيروزآبادي، قائد القيادة المشتركة في القوات المسلحة: إن مواقف السيد مشائي منحرفة، واتهمه بدعوة quot;منظّري الحرب الناعمة وجواسيس وكالة الاستخبارات المركزيّة الأمريكيّة إلى البلد.quot;، ولكن لماذا هذا الجدل الحادّ والاتهامات المتبادلة بين المحافظين في الوقت الذي تواجه فيه إيران خطرا حقيقيا بالمواجهة العسكرية مع قوى أجنبية بسبب برنامجها النووي؟
ربما تكمن الإجابة في مخاوف أتباع التيار المحافظ حول الانتخابات الرئاسية القادمة إذا كان الرئيس أحمدي نجاد يخطط لترشيح أحد مساعديه المخلصين لمنصب رئيس الجمهورية القادم. في العهد الجديد، في حال رحل آية الله خامنئي، يخشى المحافظون أن يقوم تيار أحمدي نجاد بتحديد نفوذ رجال الدين وإرسالهم إلى المعاهد الدينية في قم، وربما يطلب من حميد رسائي، الذي أظهر استياءه أكثر من مرة، أن يحزم حقائبه ويتوجه إلى النجف!
قلوب معظم الإيرانيين، سواء كانوا من مؤيدي أحمدي نجاد أو معارضيه، مليئة بالفرحة لأنهم يرون النظام يقف في وجه المؤسسة الدينية بعد 30 سنة من سيطرة رجال الدين على الحكم في البلد. مواقف السيد مشائي من المؤسسة الدينية تعبير بالضبط عما يعتقده غالبية الشعب الإيراني. رجال الدين المحافظون مثل مصباح يازدي وآخرين ربما يضغطون على الرئيس لطرد مشائي، لكنهم لا يعرفون أنهم بذلك يزيدون شعبية مشائي ويجعلونه يكسب اهتماما أكبر بين الناس. الإيرانيون متعبون من دور المؤسسة الدينية وسيرحبون بأي حكومة تفصل الدين عن الدولة. قد تكون تلك حركة خطيرة، وقد تتسبب في سقوط السلطة في يد الميليشيات والحرس الثوري، لكن الخروج من هذا الطريق المسدود يحتاج لبعض التغيير حتى لو كان هذا التغيير سيجعل الظروف أكثر صعوبة مما هي عليه.
هل هذا ما يفكر فيه أحمدي نجاد ويراهن عليه؟