علي محمد فخرو
عبثية الانقسامات والصراعات الطائفية بين المذاهب الإسلامية، وعلى الأخص مذهبي السنة والشيعة، لا تنحصر في دولة أو بضع دول من دول مجلس التعاون الخليجي. في بعض المجتمعات أصبحت ناراً ذات لهب تهدد بحرق الأخضر واليابس وفي البعض الآخر تتواجد كنار تحت الرماد، بينما في البعض توجد كل الظروف والمواد القابلة للاشتعال في المستقبل المنظور. وإذن فنحن أمام ظاهرة مجتمعية مشتركة تخص جميع دول المجلس، وإن بنسب متفاوتة.
ومع أن جزءاً من هذه الظاهرة سيحتاج حتماً إلى مواجهات وحلول محلية، إلا أننا هنا معنيون في الأساس بالمواجهة والحلول والأفعال المشتركة لإخراج بعض الدول من الجحيم الذي تعيشه ولمنع انتقال العدوى إلى الدول الأخرى.
والواقع أننا لسنا معنيين بالمواقف الضحلة السهلة من مثل إصدار البيانات المشتركة لتهدئة خواطر مسئولي هذا البلد أو ذاك من خلال دعم الإجراءات السياسية أو الإدارية أو الأمنية أو القضائية التي تواجه المشكلات محلياً بها. فمثل هذه المواقف هي تحصيل حاصل ولا تذهب إلى أعماق الموضوع وتركز على الحاضر ولا تعطي أهمية مفصلية للمستقبل.
ما يهمنا بالدرجة الأولى هو أن يعود الموضوع إلى طبيعته السوية ضمن الأثر الإسلامي العظيم بأن laquo;اختلاف أمتي رحمةraquo; وضمن بديهية تاريخية عبّر عنها بشكل واضح الكاتب الايرلندي الشهير برنارد شو عندما كتب بأن هناك ديناً واحداً ولكن هناك مئة فهم له. هذا الرجوع إلى أصل الموضوع سيحتاج إلى جهد كبير صادق مستمر مشترك يتناول فيما يتناول الجوانب التالية.
أولاً: أن الجوانب الفكرية والعقيدية عند جموع المنتمين لهذه المذاهب هي القضية الأساسية. ويشمل هذا، إضافة إلى المواطنين العاديين، أعداداً كبيرة من المسئولين الكبار ومن القائمين على إدارة المؤسسات الدينية الرسمية. وكمدخل للتعامل مع هذا الجانب هناك حاجة لوضع المغالطات التاريخية، ونقاط الضعف المعرفية المفجعة التي تأسست عليها المذاهب، وبعض المسلمات الدينية غير المعقولة أو مقبولة التي انطلقت منها هذه المدارس الفقهية الإسلامية أو تلك... وضعها كلها أمام أعين الجميع وإفهام العامة دون تجريح أو اصطدام، ولكن أيضاً دون مجاملة وتدليس.
إن ذلك سيعني تغييرات مشتركة في المناهج التربوية الدينية المدرسية، إحداث منابر حوارات علمية رصينة شجاعة حرة مستمرة وغير موسمية يطلع القاصي والداني على مداولاتها، تكوين مراكز بحوث لتنقيح تراث الفقه المليء بالتقوُّل على رسول الإسلام (ص) وبالكذب وبالأدوات المعرفية التي ما عادت صالحة وبالمتضادات غير المقبولة في التراث الحديثي وبالأدوات، ثم نشر ما يتوصل إليه على نطاق واسع ومن خلال كل أدوات ووسائل التواصل الحديثة.
ثانياً: وبالتالي التوقف عن الاعتقاد بأن موضوع الصراعات الطائفية سببه فقط هذا الفقيه الموتور أو ذاك وأن القضية الطائفية هي فقط قضية سياسية تدفعها رغبة هذه الأقلية في الاستيلاء على الحكم أو إصرار تلك الأكثرية على الاحتفاظ بامتيازاتها.
ثالثاً: لم يعد مقبولاً السكوت عما تفعله المنابر الإعلامية الخليجية، من تلفزيونات ومحطات قضائية وإذاعات وصحف وكتب ومواقع إلكترونية، من إثارة مستمرة لسوء الفهم المذهبي، معتمدة في ذلك على التراث البليد الذي ذكرنا من جهة وعلى خدمة بعض جهات الانتهازية السياسية في الداخل أو بعض جهات القوى الطامعة الاستعمارية الصهيونية في الخارج من جهة أخرى. نحن لا نتعامل هنا مع موضوع حرية الرأي والكلمة وإنما مع مؤامرات تنطلق إما من الجهل أو من المصالح الأنانية الضيقة، ولا يمكن للأوطان أن تترك نهباً لمثل هؤلاء. هناك حاجة لميثاق شرف فكري وقانوني مشترك لضبط هذه المسألة.
إذا كانت أي من أنظمة الحكم في دول مجلس التعاون تعتقد أنها تستطيع أن تربح من وراء الجنون الطائفي الذي نراه أمامنا أو الذي سيتفجر في المستقبل، فإنها ترتكب حماقة خطرة. لن يسلم أحد من هذه النار. كما أنه إذا كان هناك في أي من أنظمة الحكم من يعتقد بأن الموضوع الطائفي موضوع هامشي أو غير مستعجل أو يمكن التعامل معه بشكل بطيء سلحفاتي فإنهم أيضاً يرتكبون خطاً سياسياً وأمنياً قائلاً. موضوع الطائفية أخطر من أن يترك لفقهاء أو علماء الدين وحدهم، المجتمع برمته يجب أن ينخرط فيه بما في ذلك أعلى السلطات السياسية في مجلس التعاون.
التعليقات