الزمر المدان في قضية اغتيال السادات: الكنيسة بمصر تستغفل المجتمع والدولة والمعارضة وأصبحت دولة فوق الدولة

القاهرة - محمد نصر كروم

تنفرد 'القدس العربي' باول حوار مع الدكتور طارق عبدالموجود الزمر وهو من أهم القيادات الإسلامية الجهادية في مصر والعالم العربي والذي تم اعتقاله في عام 1981 لضلوعه في عملية اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وهو ابن عم القيادي الجهادي الشيخ عبود الزمر وشقيق زوجته، وهو السبب الرئيسي في انضمام عبود الزمر الى تنظيم الجهاد في السبعينات وقتها لم ينضم الشيخ عبود لأي تنظيم بينما كان طارق من قيادات التنظيم وقام بدعوة عبود إليه واستطاع إقناعه بكل أفكاره بعد أن تحدث معه وأمده بعدد من الأشرطة والكتيبات والأبحاث التي تعبرعن الفكر الجهادي حتى تمكن من ضمه الى التنظيم.
وانخرطا في العمل السري معا وخططا لاغتيال السادات معا بمفردهما وقاما بمحاولة ولكنها فشلت ولكنهما لم ييأسا وحاولا مرة أخرى ولم يتمكنا حتى كان حادث المنصة.
ومنذ تلك اللحظة وهما خلف الأسوار، ورغم انقضاء مدة العقوية وحصول الدكتور طارق على حكم قضائي يلزم الدولة بالإفراج عنه إلا أن ذلك لم يحدث، وحصل على الدكتوراه من خلف الأسوار وقام بتأليف عدة كتب في محبسه، وهو من الذين أيدوا فكرة المراجعات بشدة وأقنع الكثيرين بها، ويدعم التوجهات السلمية للحركة الإسلامية.
فلماذا لم يتم الإفراج عنه حتى الآن؟ ولماذا تعمد إهانة المحكمة التي تنظر في قرار الإفراج عنه حتى تتم محاكمته بتهمة إهانة المحكمة؟
وهل يأس من خروجه من السجن بعد قضائه ثلاثة عقود خلف الأسوار؟ وهل يشعر بالخطر على حياته في محبسه، وكيف استطاع أن يحصل على الدكتوراه في ظل هذه الظروف الصعبة جدا، وماذا قال في تلك الرسالة، ولماذا منعته جامعة القاهرة من حضور حفل تكريمه، وهل يتابع التطورات التي طرأت على شكل وطبيعة المجتمع المصري الذي غاب عنه منذ ثلاثين عاما وما هي تصوراته للحركة الإسلامية وإلى أين تتجه، هذا ما طرحناه عليه وتحاورنا معه حوله.

هذه الأسئلة وغيرها طرحتها عليه 'القدس العربي' بواسطة شقيقته أم الهيثم زوجة الشيخ عبود، وتسلمت الإجابات منها.
ـ لماذا لم يتم الإفراج عنك حتى الآن؟
ـ الحقيقة أن عدم الإفراج عني وكذلك أخي عبود برغم مضي ما يقرب من ثلاثين عاما في السجون يرجع لعدة أسباب:
أولها: أننا نعيش عصر انهيار دولة القانون ومن ثم تحكم شريعة الغاب فالحكم الذي أداننا عام 1981م أوجب على الدولة الإفراج عنا عام 2001م فما كان من النظام الحاكم إلا أن نفذ حكم الإدانة ولم يلتفت لتاريخ انتهائه وهي صورة من صور الخروج الواضح على حكم القانون فقد عادت مصر في هذا المجال للأسف للوراء لما يقرب من خمسة آلاف سنة فلم تعد تعرف شيئا اسمه التزام الدولة بالقانون، فنحن محتجزون دون أي سند يمت للقانون بصلة وليست حالتنا إلا نموذجا من النماذج الكثيرة لذلك فقد أصبحت مظاهر الخروج على القانون متفشية في هذا الزمان وليست حالتنا بأسوأ من حالات كثيرة تشهدها مصر المعاصرة!!
ثانيها، أن الانتقام من الخصوم السياسيين قد أصبح من أهم سمات ممارسة السلطة في أيامنا هذه وبكل أسف فإن الأوضاع الحالية تتيح للحكام كل متطلبات هذا الانتقام برغم انه سلوك يجب أن تتنزه عنه أي سلطة. ثالثها: لقد أصبح الحكام يخولون لأنفسهم حق الحبس أو الاعتقال لمن يرونه خطرا على وجودهم أو مستقبلهم وهم في هذا يتجاوزون الصلاحيات التي تمنحها لهم حتى قوانينها الاستثنائية.
ـ هل ما زلت تمني نفسك بالإفراج حتى اليوم؟
ـ المسلم لا ييأس من رحمة الله وإن تخلفت كل أسباب الأرض بل إن ذلك يكون أدعى للتعلق بأسباب السماء، كما أن الواجب على المسلم حال استحكام البلاء هو الصبر وأن يتنزه عن الجزع أو الشكوى لغير الله فالمسلم مطالب بعبادة الله تعالى في كل أحواله وفي كل مكان وكل موقع يكون أعبد فيه لله وأنفع للإسلام فإنه يحرص عليه ويتمسك به ومع ذلك يجب ألا ينقطع رجاؤه في رفع البلاء فالله تعالى قادر على كل شيء ورحمته لا يمسكها أحد عن خلقه.
ـ كيف تتذكر اليوم هذا السجن الطويل بعد 29 عاما؟
ـ كما نتذكر الدنيا التي تنقضي على أي نحو كانت من الخير أو الشر ولا يبقى منها إلا العمل الصالح فهي تمر سريعا حتى يقول حال صاحبها: ما هي إلا ساعة من نهار.
ـ هل شعرت بالخطر على حياتك وأنت داخل سجنك؟
ـ السجن عموما اختطاف للحياة بكاملها لهذا فإن الخطر فيها هو خطر على خطر فليس هناك جديد ومن المهم أن يعيش المسجون السياسي غير مكترث بالخطر عموما وإلا فقد الكثير مما يملك بل أشرف ما يملك، ومن المستحسن ان يعيش بنظرية وشعار الشاعر أحمد فؤاد نجم 'ليس لدينا ما نخسره'!!
ـ هل تشعر أنك ضحيت أكثر من اللازم بمناسبة أنك قضيت أكثر من نصف عمرك في السجون؟
ـ هذا سؤال لا يوجه الى من عرف قدر الإسلام وعرف الواجبات المنوطة بكل مسلم في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الأمة لأن من يدرك ذلك سيظل شاعرا بالتقصير يطارده في ليله ونهاره، بل أن شعوري بالتقصير يغمرني كلما تذكرت قوة وجلادة السابقين وتحسرت على ضعف جيلنا وقلة صبرنا وإن كنت أعتز بوجه خاص بجيل السبعينات الذي أنتمي إليه والذي أنتجته الحركات الإسلامية المصرية على مختلف اتجاهاتها والذي يشكل العصب الحي في كل هذه الحركات الآن ولا زلت أراه مؤهلا لمواجهة التحديات الحالية لو تجاوز نقاط الضعف التي ألمت به خلال الـ15 عاما الأخيرة.
ـ كيف حصلت على الدكتوراه وهل كان ذلك سهلا في السجن؟
ـ الحقيقة انني تأخرت كثيرا حتى حصلت عليها في شباط/فبراير عام 2006م ويرجع ذلك التأخير إلى أن الجامعة قد عرقلت تسجيلي لمدة عامين من 1997م وحتى 1999م ولم تتسلم أوراقي إلا بعد أن ألزمتهم بذلك بحكم قضائي وشاءت الأقدار أن يتم تغريبي إلى سجن أبو زعبل مع أخي عبود بعد قبول أوراقي بأقل من أسبوعين وكان من المشهور في تلك الأثناء ان من يستطيع ان يحافظ على حياته في هذا السجن فقد فاز!! فكيف بمن سيفكر في مذاكرة ولا سيما إذا كانت دراسات عليا تحتاج إلى أجواء خاصة!؟ ومع ذلك فقد حاولت قدر المستطاع أن استثمر هذه الفترة التي دامت ما يقرب من ثلاث سنوات ثم تحسنت الأحوال بعدها وأتممت رسالتي بحمد الله، وكان لشخص الأستاذ المشرف د. عاطف البنا دور كبير في تيسير الكثير من الأمور وذلك لأنه شخصية جادة ومعارضة ولا يستنكر أن تعج صفحات الرسالة بتوجيه الانتقادات للأوضاع القائمة مهما كانت حدة هذه الانتقادات.
ـ ماذا أردت أن تقول في رسالتك للدكتوراه؟
ـ أردت أن أقول أمرين أساسيين وأمورا أخرى فرعية كثيرة أما الأمران الأساسيان فهما: أن النظام السياسي الإسلامي هو النظام الذي يجب على الأمة الإسلامية أن تلتزم به كما أنه النظام الأكفأ في ظل أزمة النظم السياسية المعاصرة سواء على المستوى العالمي أو على مستوى منطقتنا التي فشلت فيها كل الحلول المستوردة بالشكل الذي يوجب ويدعو الى العودة إلى الذات، كما أردت أن ألفت الانتباه الى تراث السلف السياسي المبهر والذي دعوت إلى ضرورة التأسيس عليه في بناء المشروع السياسي الإسلامي المعاصر كما حذرت من إهماله بالشكل الحالي ونبهت لخطورة الانبهار بالنموذج السياسي الغربي أو محاولة استنباته في أرضنا أو مواصلة استنساخه في بلادنا.
ـ نشرت بعض الصحف أنك قاضيت جامعة القاهرة لعدم دعوتها لك لحضور حفل تكريم الحاصلين على أعلى التقديرات في شهادات الدكتوراه، فهل هذا صحيح؟
ـ هذا صحيح ولازالت هذه القضية تنظرها المحاكم، فقد كان من المفترض أن توجه الجامعة الدعوة لحضوري هذا الحفل وقد علمت فيما بعد أن الكلية قد حررت الدعوة بالفعل وكلفت الاستعلامات بتوصيلها لكن الدعوة وجدت من يترصد لها أو يكمن لها في الطريق وقام بمصادرتها!!
ولما علمت من الصحف بانعقاد الحفل في حضور د، فتحي سرور ود، مفيد شهاب أرسلت إلى الجامعة اسأل فإذا بهم يرسلون لي سرا!! درع الكلية وشهادات التقدير التي كان مقررا أن أتسلمها فعلمت ان السبب في عدم دعوتي هو الإحراج الشديد الذي سيسببه حضوري مع هؤلاء الأساتذة الكبار في القانون!! والكبراء في الدولة!! والذين كنت سأواجههم بطبيعة الحال وأسألهم: أين القانون في الدولة التي تعملون لها وقد مضت سنوات طويلة على انقضاء مدة سجني دون أن يلتفت أحد إليه!؟ ولم يبق أمامي بعد أن فوتوا علي هذه الفرصة إلا أن أقاضي جامعة القاهرة ولازالت القضية تنظرها المحاكم حتى الآن.
ـ هل تشعر بالإهانة لسجنك كل هذه السنوات؟
ـ صحيح أن السجن عموما يلقي بظلال كثيفة من الشعور بالمهانة والإذلال وانتقاص الآدمية وإذا كان السجن طويلا فربما حول الإنسان الى ما يشبه الحيوان الذي يستجيب لتعليمات من يقوده أو يوجهه دون تفكير لكن هذا لا ينطبق على صاحب العقيدة الذي يحمل رسالة يريدها أن تبلغ الناس مهما كان الثمن وإن دفع حياته في مقابل ذلك بل إنني كلما رأيت الحكومة تتمادى في ظلمي واضطهادي أحسست بقيمة الدعوة التي أحملها وأهميتها بالنسبة لأمتي ومجتمعي، ولا أخفي عليك انني كلما طالت فترة سجني أشعر انني الذي أسجن الحكومة وليست هي التي تسجنني فالحكومة التي تهدر قوانينها ودستورها وتهين أحكام القضاء الملزمة لها في سبيل الإبقاء على مسجون في سجونها كل هذه السنوات هي حكومة ضعيفة خائفة أسيرة لظلمها وبطشها بخصومها السياسيين، كما أن الأسير حقيقة كما قال شيخ الإسلام بن تيمية هو من أسره هواه، كما أن القرآن قد علمنا أن الإعراض عن طاعة الله وذكره هو الذي يجعل الحياة أكبر وأضيق سجن فقد قال تعالى 'ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا'.
المجتمع المصري

ـ هل تصورت التغيرات التي طرت على شكل وطبيعة المجتمع المصري الذي تركته منذ ثلاثين عاما؟
ـ سبق أن ذكرت لك أن صاحب القضية لا يمكن أن ينساها وخاصة إذا كان يضطهد من أجلها كما ان المجتمع وتطوراته هو قضية الإسلاميين الأولى وهي يفكرون ليل نهار في يقظته ونهضته وإخراجه من كبوته لهذا فإن متابعة ما يطرأ على مجتمعاتنا من تغيرات تعد جزءا هاما من عبادتنا لربنا ولا سيما إذا كانت هذه التغيرات تمس الدين والعقيدة في هذا المجال يؤسفني ان ألاحظ حرصا شديدا على الأخذ بتلابيب المجتمع نحو اللهو المحرم والإيقاع به فريسة سهلة في يد الشيطان يتلاعب بها ليل نهار فضلا عن العمل على إذلال غالبية المجتمع تحت ضغط الحاجة العوز.
ان اكثر ما يؤلم المسلم اليوم أن يرى تنمية مظاهر التحلل الأخلاقي وتوسيع مساحات الفقر الشديد، والحقيقة التي يجب ألا تغيب عنا أن هاتين الظاهرتين صناعة حكومية في إطار ما أسمته بمكافحة الإرهاب والتطرف.
فنشر ودعم ما يفسد أخلاق الشباب جاء في إطار وقف تحوله نحو التدين ثم اصبح سياسة دولة، وتوسيع دائرة الفقر من خلال ضرب قواعد الطبقة الوسطى جاء في إطار التحليل القائل بأن هذه الطبقة هي المجال الرئيسي لنفوذ الصحوة الإسلامية وأصبح كذلك سياسة دولة. كما أن الأهم والأخطر من ذلك ان المسلم يجب أن يهتم لانتشار هذه المعاصي التي اصبحت تجتاح مساحات واسعة من المجتمع لأن ذلك يؤذن بعقوبات عامة لن ينجو منها أحد كما يجب على المسلم أن يأسى ويحزن وهو يرى شعبه يتضور جوعا أو أنه يكافح غالبية وقته ليحصل على لقمة تكفيه وأولاده أو وهو يراه ينتحر لأنه لا يأمن على مستقبله.
ـ ما هي الظواهر الثقافية التي تتابعها من داخل سجنك؟
ـ لعل أحدا لن يصدق أن أمثالنا يتابعون ظواهر قد يظنها بعض بعيدة كل البعد عن مجالات اهتمامنا أو أنها يجب أن تكون كذلك لكنها في الحقيقة ربما كان اهتمامنا بها أهم من اهتمام غيرنا فقد تابعت على فترات مختلفة من سجني تطورات ظاهرة الغناء الشعبي والتي تعكس أحد جوانب التدهور العام الذي يعيشه مجتمعنا ومدى تفاهة الاهتمامات ومدى تردي الذوق العام.
وكنت أحرص على متابعة هذه الأمور دون أن أقع طبعا في سماع الغناء فكنت أقرأ أو أسمع الحوارات التي تجري مع هؤلاء المغنين أو المؤلفين فقرأت مرة لأحدهم وضحكت كثيرا وهو يحاول أن يضفي أبعادا فلسفية وسياسية على أغنياته فقال: أنه يعالج الطبقية في المجتمع مستدلا بأغنيته 'حبه فوق وحبه تحت، يا أخونا ياللي فوق ما تبصوا عللي تحت'!!
وسمعت أحدهم المؤلفين في الإذاعة ذات يوم يروي كيف انه يفني عمره في التأليف!! وكيف أنه بذل مجهودا كبيرا ووقتا طويلا في الوصول الى كلمة واحدة من كلمات احدى أغنياته وهي كلمة 'فلق'!! وذلك في قصيدته التي قال فيها: 'حلق حوش حوش حلق، هو الحلو يا ناس يتخلق، أكمني مسكته السلم علقني في الهوا وفلق' هكذا ظل يبحث عدة شهور حتى سمع كلمة فلق في أحد الحواري فعلم انها الكلمة الوحيدة التي تؤدي غرض الأغنية!!
وقرأت مرة لأحدهم يتغزل في أغنية تقول 'كوز المحبة اتخرم اديله بنطة لحام'!! وسمعت ان هناك من يغني أغنية تقول 'باحبك يا حمار'!!
هكذا تابعت أحد جوانب التدهور التي رثيت لها وأشفقت على من يعيش تحت وطأتها أو أسيرا لها!!
الكنيسة والدولة

ـ صدر بيان موقع باسم أسرة الزمر يستنكر اختطاف الكنيسة لكاميليا شحاتة فهل تتابعون أيضا مثل هذه المشكلات؟
ـ فالكنيسة اليوم تستغفل المجتمع والدولة وقوى المعارضة جميعا وهي تلقي بنفسها في أتون السياسة لتحصل على امتيازات وصلاحيات لا يمكنها أن تدوم لأنها تحمل في طياتها عوامل اندثارها كما أنها تلعب بالفتنة التي لن ينجو منها أحد، كما أن الكنيسة وأنصارها الذين دفعوا باتجاه التأكيد على مبدأ المواطنة في التعديل الدستوري الأخير وفسروه بأنه يقيد المادة الثانية من الدستور التي تنص على الشريعة الإسلامية ويقدم عليها إذا بهم ينقلبون على هذا المبدأ عند أول اختبار ويرفعون الكنيسة وقراراتها فوق الدستور وفوق الدولة ايضا!! لهذا فإنني أرى أن الكنيسة قد اصبحت دولة فوق الدولة وليست مجرد دولة داخل الدولة كما يرى البعض، لأنه في الصورة الثانية يمكن أن تبحث الكنيسة عن صلاحيات فيها صلاحيات مغتصبة من الدولة وتمارسها رغما عن الدولة!!
إن ما قامت به الكنيسة من وقائع اختطاف عديدة لمن يرغب في الدخول في الإسلام تفوق أضراره على المجتمع والدولة تلك الأضرار التي سببتها أحداث التسعينات والتي انتفضت لها الدولة بكل أجهزتها ولم تهدأ إلا بعد أن أخمدتها ولازالت تفرض القوانين والقيود الاستثنائية حتى لا تعود مرة أخرى، فخطف المواطنين واعتقالهم خارج سلطة الدولة وقوانينها من أخطر ما يلغي سيادة الدولة ويسقط هيبتها كما انه ويؤسس للاعتراف بدولة جديدة للأقباط!! ولا سيما إذا كانت الدولة بلا حيلة في مواجهة هذه الوضعية!! لقد كان ولا يزال من أعجب السلوكيات في مواجهة هذه الظاهرة هو الصمت الرهيب الذي خيم على كبار المثقفين العلمانيين في بلادنا والذين أرهقونا وهم يتكلمون عن حرية العقيدة وصدعوا رؤوسنا وهم يتكلمون عن تطبيقات مبدأ المواطنة، لقد كان سقوطهم هذه المرة مدويا وذلك في أول اختبار علني بعد التعديلات الدستورية الأخيرة.
إنني أتصور أن تعود هذه الأزمة مرة أخرى بشكل أعمق فيما لو دخل أحد الوزراء النصارى في الإسلام ـ والذين تتزايداحتمالاته مع تزايد أعداد الوزراء الأقباط والمتوقع في المراحل القادمة ـ ثم قررت الكنيسة اختطافه!! ماذا ستفعل الدولة حينئذ؟ هل ستحافظ على علاقاتها مع الكنيسة مهما توسعت اختصاصاتها وانتزعت اختصاصات الدولة!؟ أم ستحافظ على وزرائها ومسؤوليها ومن ثم تحافظ على وجودها وهيبتها!؟ إنني أتصور إذا استمر الحال على ما هو عليه أن الحسابات سترجح مجاملة الكنيسة على حساب الدولة واستقرارها!!
ـ في ضوء هذا الحوار الشامل هل يمكن أن نقف على تصورك للحالة الإسلامية المعاصرة إلى أين تتجه؟
ـ برغم الإجراءات والنظم والقوانين الدولية الجديدة التي تستهدف الصحوة الإسلامية المعاصرة وبرغم تحقيقها لبعض النتائج في بعض البلدان إلا أنني أرى من خلفها نصرا جديدا وأرى من خلالها فتحاً أكيداً، ويكفي أن ترجع بنظرك إلى السبعينيات حيث كانت الصحوة الإسلامية لا تكاد ترى إلا بالمجهر وفي بعض الدول دون غيرها وها هي قد أصبحت اليوم من أهم الظواهر التي يشهدها العالم ولن تبذل جهدا كبيرا وأنت ترى انشغال أهم مراكز صنع القرار بالعالم بمحاصرة هذه الصحوة والعمل على إجهاضها واهتمام كل المراكز البحثية المتنفذة بمتابعة حركتها والتخطيط لوأدها ومع ذلك تجد أن الله تعالى قد جعل كل وسائل الحرب الموجهة إليها هي وسائل لنشرها وتدعيم وجودها وأن تمدد واتساع رقعة الصحوة وتزايد تأثيرها لا يزال خارج السيطرة ومن العسير ملاحقته أو حذره.
وأضرب لك مثالا بحقبة جورج بوش العدوانية والتي كان هدفها العالمي الأول والمعلن هو إجهاض وتصفية كل الحركات الإسلامية تحت شعار محاربة الإرهاب والتطرف فما هي النتيجة؟ التي قطع بها المهتمون ولا تزال تؤكد عليها السياسات الأمريكية الجديدة هي فشل تلك الحملة وهو ما اضطر الإدارة الأمريكية الجديدة التي جاءت على متن هذا الفشل أن تتخلى عن سياسات بوش التي جعلت الصحوة الإسلامية والحركات وكأنها المنافس الأول على قيادة العالم وإلا ما الذي دفع الولايات المتحدة القطب الأوحد المتحكم في العالم لكي تستهدف هذه القوة الوليدة إلا إذا كانت تجدها حجر عثرة أمام طموحاتها للهيمنة على عالم اليوم والتي بات واضحا انها تمر عبر الهيمنة على العالم الإسلامي والذي لن يتم بدوره إلا من خلال تصفية الحضور الإسلامي في مجتمعاتنا والحركات الإسلامية فيها.
كما أن المتابع لحالة الحضور الإسلامية على طول المنطقة في مواجهة العدوان والاضطهاد ومحاولات تكريس أنظمة الطغيان والاستبداد يرى بوضوح أن المقاوم الأول لكل ذلك هي الحركات الإسلامية وأنها تضحي بالكثير في سبيل إخراج الأمة من هذه الوضعية المهينة، وفي هذا المجال يجب ألا نعمل رؤية المؤشرات الواضحة للهزيمة الأمريكية الأطلنطية في أفغانستان والعراق وتراجع المشروع الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة فكلها في نظري مؤشرات على أن الأمة تعيش واقعا إسلاميا جديدا افتقدته منذ قرنين يوم ان كانت تولي ظهرها للهجمات الاستعمارية الغربية وهاهي اليوم تواجه أعدائها في كل الميادين وبالصورة التي أذهلتهم وجعلتهم يولون مدبرين بذرائع عديدة على أمل أن تستر الهزيمة المرة.
ولا يفوتني إلا أن أبشر به الله تعالى في كتابه العزيز والذي أكد أنه ناصر دينه ولو كاد له المكيدون ودبر له الكارهون 'هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون'.
ـ كيف ترصد في حديثك كل هذه التحريات والمؤامرة ثم تتوقع انتصاراً إسلامياً حتمياً؟
ـ الحقيقة التي يجب أن تعلمها أن ديننا قد علمنا أن نستبشر بالنصر كلما تزايدت التحديات وكثر الأعداء فهو يحكي لنا عن المؤمنين الصادقين يوم الأحزاب وكيف أن قوة عدوهم لم تكن سببا في أن يدب اليأس في نفوسهم بل زادت من يقينهم بنصر الله طالما كان إيمانهم بالله صحيحا ودينهم سليما 'ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله' كما يأمر الله سبحانه موسى عليه السلام أن يبشر قومه برغم أنهم كانوا يمرون بأقسى فترات الاستضعاف التي لا يأمنون فيها على مجرد إظهار صلاتهم فيقول: 'وأوحينا إلى موسى أخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين'. كما أن هناك وقائع يجب أن نرصدها كي ندلل أيضا من الواقع على صحة ما نقول:
أولها: أن الصحوة الإسلامية المعاصرة والتي ترجع جذورها القريبة إلى عقد السبعينات قد حار الفلاسفة والباحثون في تفسير الأسباب المباشرة لنشأتها كما تضاربت هذه التفسيرات بالشكل الذي يجعلنا نقطع بعجزها عن الوصول لأسباب او نتائج علمية يمكن التعويل عليها وهو ما يجعلني أركن الى التفسير الإيماني الذي يجعلني أؤكد أن هذا التيار قد انتشر في أرجاء العالم في وقت واحد بقرار سماوي وإرادة إلهية ولهذا فإن كل المخططات الأرضية ستعجز وتفشل عن مقاومته لأنها تجابه حينئذ إرادة السماء.
ثانيا: أنه مع تزايد الضغوط والحصار فإن الإسلام يتزايد انتشاره وهو ما يمكن ملاحظته في السنوات الأخيرة في تزايد نسبة الداخلين في الإسلام على المستوى العالمي وأصبحت بحسب إحصائيات الأمم المتحدة أعلى النسب برغم تزايد حملات تشويهه وتبشيع صورته لهذا فإنني دائما أذكر إخواني بأننا نمر بمرحلة فاصلة حيث أصبحت كل الظروف بما فيها الظروف المناهضة والمحاربة للدعوة الإسلامية تصب في صالحها وأذكر في هذا على سبيل المثال ما قاله أحد المهتمين الغربيين بهذا الموضوع والذي ذهب إلى أن عمليات التغريب التي تعرض لها العالم الإسلامي على مدى القرنين الماضيين قد أفرزت رد فعل إسلامي مقاوم للتغريب في العصر الحديث وأن رد الفعل الإسلامي قد تناسب طرديا مع حجم وعمق ومدى عمليات التغريب في هذه المجتمعات ويضربون مثالا لذلك بمصر والجزائر وإيران، بل أن أحدهم ضرب مثالا لذلك بتخرج خالد الإسلامبولي من مدرسة إنجيلية تبشيرية!! إلا إذا كانت هذه المدارس تهدف إلى ايجاد هذا الجيل!؟
ثالثا: أن النظرة السريعة والخاطفة الى العناصر الإسلامية في مجتمعاتها تؤكد أنها من أكثر العناصر المهتمة بالشأن العام والحريصة على نهضة مجتمعاتها والعاملة في سبيل إخراجها من أزمتها فالدارس لتكوين المجتمعات الإسلامية المعاصرة لن يصعب عليه اكتشاف ان عناصر الحيوية والديناميكية تكاد تكون منحصرة في الفكر الإسلامي وتيار الصحوة الإسلامية وذلك برغم الحصار المفروض على كل أشكال حركته ووجوده.
رابعا: لقد أصبح فشل كل النظريات الوضعية التي تبلورت في نظم سياسية أخذت البلاد مرة ناحية اليسار وأخرى ناحية اليمين وثالثة وهي تتأرجح بينهما وأصبح ذلك رصيدا هاما لدعوتنا وسببا إضافيا في الدعوة لمشروعنا السياسي كما ان الفشل الكبير الذي تنتقل بين جنباته النظم الحاكمة في العالم الإسلامي وانسداد كل الطرق السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والأمنية أمامها قد لفتت انتباه الشعوب الى مشروع واعد تدعو إليه الحركة الإسلامية.
ـ كيف تتصور إدارة إسلامية صحيحة للصراع الجاري بين الإسلام والغرب؟
ـ أولا: لا بد من العمل لإجهاض الحملة المتصاعدة ضد الإسلام داخل المجتمعات الغربية وذلك بتكثيف حركة الدعوة هناك والتي ثبت خلال العقود الأخيرة انها احدى قدرات الإسلام الاستراتيجية في هذه المرحلة الهامة والفاصلة.
ثانيا: كما اصبح من الضروري العمل على تحييد المجتمعات الغربية بإبراز الوجه الحقيقي للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعث رحمة للعالمين، علما بأنه قد أصبح من الضروري عدم إعطاء الفرصة الذهبية للنخب الغربية المتحالفة مع الصهيونية والتي تحرص على إقحام المجتمعات الغربية في الحرب المعلنة على الإسلام كما ترغب بشدة في إبراز الإسلام بشكل عدواني ومن فرط اهتمامي بهذه القضية وتعويلي عليها فقد كتبت كتابا بعنوان 'هذا فقهنا فأرونا فقهكم، رسالة تحد للمستشرقين الجدد الذين يزعمون أن الإسلام هو سبب الصدام الحالي' وقد جمعت فيها ما يقرب من 300 حكما فقهيا توضح أهم أبعاد علاقة المسلمين بغيرهم وتتحدى الثقافة الغربية العدوانية التي كرست أبشع ألوان العداء والكراهية والحروب سواء فيما بينها أو فيما بينها وبين غيرها من العقائد والأمم الأخرى واعتقد انها أحكام جديرة بالتحدي وأنها لا نظير لها في الثقافات الأخرى.
ثالثا: لا بد من التأكيد على دعم حركات المقاومة التي تقف في الخطوط الأمامية في الدفاع عن الأمة أو التي تواجه حملات الاضطهاد والإبادة الموجهة لشعوبها فقد أصبح هذا الدور من أهم أدوار الأمة وأهم واجباتها.
رابعا: لا بد من العمل على إصلاح أوضاع مجتمعاتنا ونظمنا السياسية تلك الأوضاع التي استأهلت هذه الوضعية المهينة للمسلمين على المستوى العالمي 'ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم'.