إنها العين الحمراء يا سادة
الشرق القطرية
فهمي هويدي
فى الأسبوع الماضي قررت مصر وقف بث خمس قنوات فضائية، ووجهت إنذارا إلى قناتين أخريين، بحجة مخالفتها لشروط التراخيص الممنوحة لها. وفي تفسير ذلك ذكرت بعض الصحف أن تلك القنوات شاركت في التحريض على العنف، وإثارة الجماهير ونشر أخبار غير صحيحة.
نشر خبر الإيقاف يوم الأربعاء 13 أكتوبر الحالي، وفي اليوم التالي مباشرة صدرت تعليمات إلى مكاتب 9 قنوات تلفزيونية أخرى تقدم خدمات البث المباشر في القاهرة بضرورة توفيق أوضاعها طبقا للقواعد المنصوص عليها لتجديد التراخيص. واشترطت تلك القواعد ضرورة موافقة اتحاد الإذاعة والتلفزيون على تحريك وحدات البث المباشر. كما اشترطت نقل تلك الوحدات إلى مكاتب دائمة بمدينة الإنتاج الإعلامي التابعة لوزارة الإعلام.
في الأسبوع ذاته، صدر قرار حكومي آخر بإخضاع عملية بث الرسائل الإخبارية عبر الهواتف الجوالة لتنظيم جديد، يقضي بضرورة الحصول على تصريح من الجهات المختصة قبل ممارسة تلك الأنشطة، وهذه الجهات تختلف باختلاف طبيعة الخدمة المقدمة. وإن كان من الواضح أن الجهات الأمنية هي المرجع الأساسي في إصدار تلك التصاريح. والتفسير الرسمي الذي قيل في تبرير هذه الإجراء هو أنه اتخذ لمنع إثارة البلبلة في المجتمع، بما يعني إخضاع تلك الرسائل للرقابة المسبقة.
هذه الإجراءات اتخذت في أعقاب خطوات أخرى تمثلت في منع بث برنامج القاهرة اليوم الذي كان يقدمه الإعلامي عمرو أديب على قناة أوروبيت. ومنع الناقد الرياضي علاء صادق من تقديم برنامجه اليومي على شاشة التلفزيون الرسمي، لأنه انتقد وزير الداخلية على الهواء. ومنع زميلنا إبراهيم عيسى من تقديم برنامجه على قناة أو. تى. في. ثم تمت إقالته من منصبه كرئيس لتحرير صحيفة الدستور، والانقضاض على الصحيفة لتغيير سياستها وطاقم العاملين فيها.
ما أعلن من إجراءات ليس كل شيء. لأن هناك رسائل أخرى لم تعلن مضت في ذات الاتجاه. بعضها طلب من بعض الصحف القومية والخاصة وقف استكتاب أناس معينين، وبعضها استخدم الترهيب الاقتصادي في الضغط على أصحاب الصحف الخاصة، من خلال افتعال المشكلات التي تؤدي إلى إيقاف أنشطتهم الأخرى أو الإيعاز للبنوك للحد من تعاملها معهم. هذا غير الرسائل الشفوية التي تنقل عبر الوسطاء تتضمن إيحاءات مسكونة بالتحذير والتهديد.
حين تتلاحق تلك التصرفات خلال الأشهر الأخيرة. فإننا لا نستطيع أن نقول إنها مجرد مصادفات. وبالتالي لا يستطيع المرء أن يقاوم الربط بينها، خصوصا أن موضوعها واحد ولا يخرج عن نطاق الإعلام، كما أن اتجاهها واحد أيضا، من حيث إنها تصب في مجرى التضييق والرقابة وتقييد حرية تداول المعلومات.
بعض زملائنا الذين علقوا على تتابع الأحداث حذرونا من أمرين، منهم من دعانا إلى عدم الربط بينها بحجة عدم الاستسلام لنظرية المؤامرة. ومنهم من طالب بعدم تسييس الوقائع، والنظر إليها باعتبارها أحداثا منفصلة كل منها له دلالته الخاصة، التي ليس للسلطة علاقة ضرورية بها.
لا نستطيع أن نفصل الحاصل الآن عن الدعوة المبكرة إلى إحكام الرقابة على البث التلفزيوني، من خلال وثيقة تنظيم البث الفضائي التي فشلت مصر في تسويقها من خلال الجامعة العربية قبل سنتين.. وهي خلفية كاشفة عن النية المبيتة مبكرا لتكميم وسائل الإعلام وحصارها. بالتالي فلست أرى وجها سواء لتجاهل تلك الخلفية، أو لاستبعاد الربط بين الوقائع السابقة بعضها البعض، أو بينها جميعا وبين الانتخابات النيابية الراهنة أو الرئاسية المقبلة. وأزعم أن ذلك التجاهل هو من قبيل الاستهبال أو الاستعباط. إذ لا يستطيع أحد أن ينكر أن تلك الإجراءات تخدم هدفا واحدا هو إعداد المسرح للتعتيم على ممارسات laquo;النزاهةraquo; المفترضة في الانتخابات القادمة، خصوصا بعدما قرر الإخوان المشاركة فيها، وأعلنوا أنهم سيخوضون حتى آخر رمق معركة الحيلولة دون تزويرها. الأمر الذي يفسر مثلا لماذا كان ينبغي من الآن أن يوضع البث التلفزيوني المباشر تحت الرقابة الشديدة، ولماذا اتخذت إجراءات إطفاء الأنوار، وإسكات الأصوات، وإظهار العين الحمراء، ولماذا هذه الأيام يُضرب المربوط لكي يخاف السائب.
معركة القنوات الدينية
الحياة اللندنية
داود الشريان
قبل أيام أصدرت الشركة المصرية العامة للأقمار الاصطناعية قراراً بإغلاق مجموعة من القنوات الدينية، أبرزها قناة laquo;الناسraquo;. رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية laquo;نايل ساتraquo; أحمد أنيس، قال أن laquo;أسباب وقف البث الموقت للقنوات هي الحض على كراهية الأديان والفتنة الطائفية، ونشر الخرافات، والترويج لمستحضرات طبية وأساليب علاج غير مرخص بها من وزارة الصحةraquo;. لكن أنيس ترك الباب موارباً، وأشار الى إمكان عودة البث في حال تصويب مسار تلك القنوات.
القنوات الدينية تمارس رهبانية إعلامية، ليست في مصلحة الإسلام والمسلمين، وهي تمهد للحروب الدينية في المنطقة. لكن بعض الدول العربية ما زال خائفاً، ومتردداً في الوقوف أمام هذه الظاهرة ومناقشة مضارها وفوائدها، واتخاذ قرار جريء وشجاع في شأنها، خشية اتهامه بمحاربة الإسلام... على رغم ان تلك القنوات باتت وسيلة لتحريض مضاد، على الدين والمنطقة، وفرّقت بين المسلمين، وكرّست المذهبية، وخلقت laquo;إسلاماً تلفزيونياًraquo; مغشوشاً يحض على الرهبنة، ويكرّس تسييس الدين، وتديين السياسة.
لا شك في ان خلط الدعوة الإسلامية بالمصالح قضية خطيرة. هذا لا يعني ان تلك القنوات تخلو من برامج مفيدة، ودعاة صادقين، يؤدون عملاً عظيماً، لكن المشكلة ليست مع داعية نذر نفسه للدفاع عن الإسلام والمسلمين، بل مع أصحاب مصالح جعلوا الدعوة الإسلامية صناعة ومهنة، ووسيلة للنجومية، والتكسب. والقريب من واقع المحطات الدينية و ما يسمى laquo;صناعة الدينraquo; يدرك ان معالجة هذه الظاهرة بحاجة الى خطة طويلة المدى تستند الى رؤية بحجم الظاهرة وخطورتها. والحل لن يكون بإغلاق هذه المحطات، ومصادرتها. فهذا الحل، فضلاً عن انه يتنافى مع حرية التعبير، سيجعل أصحاب تلك القنوات شهداء، وربما وجدوا في هذه المواجهة وسيلة لتكريس شرعيتهم ودورهم.
الأكيد ان القنوات الدينية صارت واقعاً، يصعب الفكاك منه بالقوة، والحل هو إيجاد بديل موضوعي منها. والاعتناء بالإسلام وقضايا المسلمين، في القنوات العامة، بداية صحيحة لوقف هذا المد من القنوات الدينية، فضلاً عن ان التركيز يجب ألا ينصبّ على القنوات الإسلامية، ولا بد ان يتعداها الى كل القنوات الدينية.
هذه القضية بحاجة الى قادة رأيٍ في شجاعة أحمد بن حنبل، في مواجهة فتنة خلق القرآن.