حليمة مظفر

العلم بالدين واستنباط الأحكام الفقهية من النص القرآني؛ لا يمكن أن يكون بمعزل عن العلم باللغة العربية وفروعها وأسرارها والقدرة على تقليب وجوهها؛ خاصة أن الإعجاز القرآني هو في لغة القرآن الكريم؛ ولهذا يتطلب جهدا حصيفا؛ ولا أستوعب أبدا أن يكون هناك شيخ يُفتي الناس في أمورهم ويجهل أسرار اللغة العربية ومعرفة ظواهرها؛ وأظن أن هذا الأمر هو الذي أوقع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في إساءة الفهم والتوظيف بما استشهد به من آيات كريمة؛ لكي يثبت نظريته التي نسبها للإسلام بكتابه (الحقوق والواجبات على الرجال والنساء في الإسلام )؛ بل وندد بمن يرفضها وهدده بالعقاب الإلهي؛ إذ يقول في (ص 21) quot;من هذه الآيات يدرك المؤمنون والمؤمنات بالله فضل الرجال على النساء في الدنيا والآخرة؛ وأن المرأة دون الرجل في الدنيا والآخرة؛ لا ينازع في ذلك إلا من يجادل في آيات الله بالباطل ليدحض الحق؛ فيا ويل له من عقاب اللهquot;؛ ولكن تعالى الله سبحانه أن يكون بظلام للعبيد؛ فكيف بـ(الأنثى) ابنة آدم وحواء عليهما السلام؟!. فالمؤلف يعتبر المرأة quot;متاعاquot; مستندا على حديث نبوي من صحيح مسلم؛ والمتاع كما شرحه وفهمه هو quot;ما ينتفع به من عرض الدنيا قليلها وكثيرها؛ وخير ما ينتفع الرجل المؤمن المرأة الصالحة؛ فالمرأة الصالحة نعمة وغير الصالحة نقمةquot; ويستشهد بقولهquot; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْquot;ويفسرها بقولهquot;المرأة غير الصالحة قد تفتن الرجل في دينه وتثبطه عن الطاعات وعن فعل الخير ...؛ فليحذرها؛ لأن فعلها هذا فعل الأعداء ... إلخquot; وأستغرب جدا مثل هذا التفكير؛ أليس الرجل غير الصالح أيضا فتنة لزوجته حين يأمرها بالمعصية وترك الخير، بل فتنته أشد إذا استغل قوته في فرض ذلك عليها؛ وما أكثر هؤلاء! ولكن كما يبدو أن الشيخ المؤلف فهم من الخطاب القرآني أنه موجه للرجال كونه للمذكر في quot;يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواquot; ولهذا اعتبر quot;إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْquot; مقصودا بها النساء؛ وأعود مرة أخرى إلى (ظاهرة التغليب) في اللغة التي ذكرتها بمقالي السابق؛ فالخطاب القرآني قُصد به المؤمنون رجالا ونساء؛ كما قُصد من (أزواجكم) الذكور والإناث؛ ولهذا تصدق الآية على الجنسين معا؛ ثم تجد الشيخ المؤلف يؤكد نظريته الدونية للمرأة؛ بأن جعلها عبارة عن شيء؛ مستشهدا بقوله quot;زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ...quot; ويعلق عليها بقوله quot;فجعل هذه الأشياء من شهوات الرجال ومطامحهم ومما يتمتعون به في هذه الحياة الدنيا؛ ومن ضمن ذلك بل أولها: المرأة، فهي من متاع الرجل وفي مقدمة شهواتهquot;، وأرد كلامه بأنه لو كان صحيحا؛ على اعتبار المرأة خُلقت لمجرد أن تكون شهوة تمتع الرجل!؛ فلماذا كلفها الله إذن بالعبادات وساواها معه بكافة العقوبات! إذ كان عليها فقط أن ترضي شهوة الرجل كما بقية الأشياء من المال والخيل والأنعام كما زعم! أما الآية الكريمة التي استشهد بها quot;زُين للناسquot; فالخطاب للناس جميعا نساء ورجالا؛ وكنتُ اجتهدتُ مرة في قراءة لغتها بمقال سابق نشر بعنوان (هل النساء فتنة!؟) ولا داعي للتكرار؛ وأعيدكم إليه على هذا الرابط؛ ونكمل غدا.
http://84.235.54.86/news/writerdetail.asp?issueno=3469amp;id=18579amp;Rname=128