حمزة قبلان المزيني

نشرت quot;الوطنquot; في (3 /5 /1431) تقريرا عن quot;مؤتمر اتفاقيات المرأة الدولية وأثرها على العالم الإسلاميquot; الذي عقد في البحرين مؤخرا. وأشار التقرير إلى مطالبة بعض المشاركين فيه بالإعلان عن quot;وثيقة بديلةquot; للمرأة.
وشارك في المؤتمر quot;مركز باحثات لدراسات المرأة بالرياضquot;، بالإضافة إلى quot;عدد من رجال الدين، والباحثين والباحثات، والمختصات من الرجال والنساء من quot;ذوي التوجهات الإسلاميةquot; من دول الخليج وعدد من الدول العربيةquot;.
ويلفت النظرَ الأسبابُ التي رفض المشاركون لأجلها تلك quot;الاتفاقيات الدوليةquot;. ومنها ما أشار إليه الباحث المغربي في العلوم السياسية الدكتور مصطفى الخلفي من رفض الولايات المتحدة الأمريكية للتوقيع quot;على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بـ quot;السيداواquot; quot;لأن التشريع بحق الأسرة أمر سيادي، وليس إملاءات خارجية لانتهاكها مبدأ quot;سيادة الدولة الوطنيةquot;.
وما أشار إليه quot;القانوني الإماراتيquot; الدكتور سعيد حارب، من quot;أن التطبيق الشامل ـ دون التحفظ ـ لهذه الاتفاقيات، التي ألزمت بها بعض الدول العربية، التي وقعت عليها في وقت سابق، يخالف quot;السيادة القانونية المحليةquot; على حساب ما أطلق عليه quot;سيطرة السيادة الدوليةquot; موضحاً ضرورة quot;التوضيح القانونيquot; للجهات الرسمية العربية المعنية بالمرأة من quot;أن تطبيق النصوص القانونية الدولية في الدول الأعضاء، والذي يخالف أعراف المجتمع وتقاليده ربما يهدد مكونات المجتمع ويدفعها إلى التقسيم الداخليquot; ومثّل بنموذج quot;إقرار فرنسا مؤخراً بمنع الحجاب في المؤسسات الرسمية باعتباره يخالف أعراف الدولة الفرنسية العلمانيةquot;.
ولم يشر التقرير إلى ما تضمنتْه الوثيقة البديلة، ولا المآخذ التي رآها المؤتمرون على quot;الاتفاقيات الدوليةquot;.
ومن هنا فأحد الأسباب المهمة لعدم قبول هذه quot;الاتفاقياتquot; هو مبدأ السيادة القانونية المحليةquot;. وهو الذي مثَّل له الدكتور حارب باستخدام فرنسا له لمنع الحجاب فيها احتجاجا بالمبادئ العلمانية.
ويمثل هذا التسويغ قبولا بالموقف الفرنسي الرسمي ضد حرية المسلمات quot;الفرنسياتquot; في ارتداء الحجاب. ولا يقيم هذا الموقف quot;القانونيquot; وزنا لكون المواطنين المسلمين الفرنسيين جزء من الشعب الفرنسي، وكونهم شركاء في quot;السيادة الوطنية الفرنسيةquot;، وأن أي قرار يُتخذ ضدهم إنما هو quot;خرقquot; لها.
كما أن هذا التسويغ يمثل نكوصا عن الموقف المعهود للتيارات الإسلامية في العالم الإسلامي في شجب الموقف الرسمي الفرنسي. بل إنه يمثل تحالفا فعليا مع القوى المحافظة الفرنسية ضد المرأة، والمرأة المسلمة خاصة.
أما رفض الكونجرس الأمريكي التوقيع على تلك الاتفاقيات فسببه سيطرة الأغلبية الجمهورية في الدورة البرلمانية التي عرضت فيها. وتخضع هذه الأغلبية دائما للقوى اليمينية المحافظة في المجتمع الأمريكي التي تعارض كثيرا من المضامين المهمة لحقوق الإنسان، والمرأة على وجه الخصوص.
ومن الأدلة الواضحة على تسلط هذه القوى اليمينية المحافظة وعلى وقوفها ضد مصالح المواطنين الأمريكيين العاديين موقفها الأخير ضد مشروع الرئيس أوباما للتأمين الصحي تعلُّلا ببعض القضايا الخلافية عن المرأة. لقد اختارت هذه القوى الوقوف إلى جانب شركات التأمين الجشعة ضد الأمريكيين من ذوي الدخول المحدودة الذين لا يستطيعون دفع مبالغ التأمين الصحي العالية.
فيمثل الاستشهاد بمعارضة هذه القوى لهذه الاتفاقيات في المجتمع الأمريكي تحالفا فعليا آخر مع أكثر القوى تخلفا في ذلك المجتمع. وهي قوى تعادي العرب والمسلمين من حيث المبدأ وتتنقص ثقافتهم ودينهم. ويمثل هذا التحالف معها تأييدا لها ضد خصومها الذين يقلِّون عنها عداءً للثقافة العربية الإسلامية ولتطلعات العرب والمسلمين السياسية.
ولم يقف تحالف المشاركين في المؤتمر عند هذه القوى اليمينية المعادية لحقوق الإنسان في أمريكا وفرنسا، بل أوصى بعضهم بالتحالف مع أكثر القوى تخلفا في العالم وأكثرها اعتداء على حقوق الإنسان، والمرأة خاصة. فقد أشار أحدهم إلى quot;أهمية عقد التحالفات مع المؤسسات والهيئات الدينية الأخرى كالفاتيكان مثلاً، وبعض المنظمات الغربية التي تتقاطع مصالحها مع الدول الإسلاميةquot; في رفضها لبعض تلك النصوص الأممية، بهدف quot;عمل تكتل ولوبي ضاغط على الأمم المتحدة، من أجل تغيير بعض بنود الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة، لحفظ كيان الأسرةquot;.
وهذا التحالف أكثر التحالفات غرابة! أنسِيََ المشاركون في المؤتمر اتهام البابا بندكت السادس عشر للإسلام بعدم العقلانية، في خطابه الذي ألقاه في جامعة ألمانيا في 12 سبتمبر 2006 ؟ أنسوا غضب المسلمين الذي تفجر في العالم ضد تلك التصريحات؟! أيمكن نسيان تلك الاتهامات الفجة مقابل حشد تأييد الفاتيكان ضد quot;الاتفاقيات الدوليةquot; التي تخص المرأة؟!
ثم ألا يقرأ هؤلاء الذين يسعون إلى التحالف مع الفاتيكان ما تزخر به وسائل الإعلام من الجرائم الجنسية البشعة التي ارتكبها عدد كبير من القساوسة ضد الأطفال في الكنائس؟ ألا يعرفون مدى الخزي الذي أصاب هذه المؤسسة التي تدعو أتباعها إلى التزام الفضيلة فيما يرتكب مسؤولوها كل ما يناقض الفضيلة؟ ألا يعرفون مدى الجهد الذي تبذله هذه المؤسسة للتستر على قساوستها المجرمين؟! أيمكن لأحد، بغض النظر عن انتمائه الديني، أن يقف في صف مؤسسة الفاتيكان، مهما كانت وجاهة القضية المعنية؟
وأشار تقرير quot;الوطنquot; إلى سيطرة بعض المصطلحات في المؤتمر ومنها quot;المرجعية الإسلاميةquot; وquot;السيادة الوطنيةquot; وquot;التعاطف الشعبيquot;، على مساحة كبيرة من الحوار في المؤتمر، لكن الاحتجاج بهذه المفاهيم يظل فارغا ما لم تقم على أسس قوية واضحة.
فأية quot;مرجعية إسلاميةquot; يريد المؤتمرون الركون إليها؟ أهي التي تقوم وراء تحالف القوى المحافظة الشيعية والسنية في البحرين ضد قانون الأحوال الشخصية الإصلاحي الذي اقتُرح مؤخرا؟ أهي المرجعية التي يمثلها كتاب quot;حراسة الفضيلةquot; للشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ أم تلك التي يمثلها كتاب quot;تحرير المرأة في عصر الرسالةquot; للشيخ عبد الحليم أبو شقة، المناقض له في كثير من الآراء؟.
إنه لا يمكن الاحتجاج بمبادئ مثل quot;السيادة الوطنيةquot; وquot;الإجماع الشعبيquot; إلا حين تقوم على إجماع نابع من إرادة شعبية حرة، لا على فرض تيار معين ما يراه على الآخرين.
كان يمكن أن يكون اعتراض المؤتمر على quot;الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأةquot; مُقنعا لو كانت أوضاع المرأة في منطقتنا أفضل مما هي عليه. لكن واقعها لا يسر؛ ذلك أنها تعاني من التسلط والحرمان من كثير من الحقوق غير القابلة للتنازل، ومن أهمها الاعتماد على الذات.
ألا يصح لنا ـ بعد ذلك كله ـ أن نقول: quot;قلْ لي مع مَنْ تتحالف أقلْ لكَ منْ أنتquot;؟!