أمل زاهد

على الرغم من إيماني الكامل بأهمية حرية التعبير، وقناعتي بضرورة إزالة سقوف المنع لتمارس الأفكار تحليقها، إلا أنني أرى أن مصادرة قنوات التجييش الطائفي والكراهية المذهبية والدينية ـ على وجه الخصوص ـ لا يدخل في نطاق حرية التعبير. بل يدخل في مجال أمن الدول العربية وسلامها ووحدتها الوطنية، والذي يهدده خطاب تلك الفضائيات المتطرف والعازف على أوتار التحريض والتعبئة وشحن المشاعر الدينية. ومن هذا المنطلق لابد من إغلاق أية قناة دينية متطرفة شيعية كانت أو سنية تبث سمومها على الأقمار العربية، ووضع ضوابط ومعايير تلتزم بها القنوات الدينية في خطابها، وإلا تعرضت للتأديب والمصادرة.
وإن كانت مصادرة قنوات التطرف وبث التشرذم والنزاعات والفرقة، ليست إلا خطوة أولى في طريق طويل يتعين على الحكومات العربية انتهاجه على صعد مختلفة ـ أولها التعليم ومنابر المساجد والإعلام ـ وإلا فإن الفتن ستأكل الأخضر واليابس في مجتمعاتنا، وسندخل في متاهات الله وحده هو العليم بما ستجرنا إليه؛ مما سيحقق أهداف أعدائنا وأطماعهم. المنع والإغلاق ـ وحده ـ غير مجد على المدى الطويل؛ فالفضاء الذي فتحت مغاليقه ثورة الاتصالات عصي على الضبط والتحكم، والقنوات التي دفنت وحثي عليها التراب اليوم؛ ستنبت غدا ويبزغ خطابها عبر أقمار أخرى لا يمكن التحكم بها، مادام المال متوفرا والموارد ميسرة، ومادام هناك خطاب تستمد منه تلك القنوات شرعيتها واستمرارها. والحل الجذري بالذهاب إلى أصل المرض ومكمنه، وتكوين حصانة داخلية تقف في وجه خطاب التحريض والكراهية، أو خطاب التغييب والمتاجرة بالدين.
القضية في منتهى الخطورة؛ لذا أعجبت جدا بخطاب شيخ الأزهر quot;أحمد الطيبquot; حينما أكد رفضه القاطع لتكفير الشيعة في فضائيات بث الكراهية فليس له مبرر لا في الكتاب ولا في السنة، مؤكدا أننا نصلي خلفهم فلا صحة أن لديهم قرآنا آخر كما تقول الشائعات وإلا ما ترك المستشرقون أمرا كهذا. وهي ـ في تقديري ـ قضية خطاب ديني لا بد أن تسعى الحكومات العربية لتجديده والاشتغال عليه على كافة المستويات؛ لدحر الفرقة والتشرذم والتأخر والجهل والتغييب والكراهية ورفض المختلف، والخروج من إسلام القشور والشكلانيات إلى إسلام الحرية والعدالة والمساواة ومقاصد الشريعة الكبرى، وإيقاظ روح النهضة واستنهاض الهمم لنأخذ دورنا كمسلمين في عمارة الأرض وفي إنتاج الحضارة. ففكر التخلف والانحطاط والتخدير الديني والغوغائيات والانقسامات، لا بد أن يقارع بخطاب ديني مواز له يدحضه ويقوض مقولاته؛ ويقدم البدائل الموضوعية ويوقظ العقول وإلا فعلى أوطاننا العربية السلام.