محمد علي الهرفي

أعجب من كثير من الليبراليين العرب الذين يتشدقون بالحديث عن الحريات وأهميتها، وهم في الوقت نفسه من أكثر الناس محاربة لهذه الحرية عندما لا تتفق مع أهوائهم... يدعي الليبراليون أنهم من أكثر الناس دفاعاً عن الحريات العامة وفي كل أنحاء الدنيا، بل ويذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يدعون أنهم مستعدون للموت في سبيل تحقيق الحرية للآخرين لأن مذهبهم يدعوهم لذلك! لكن الأقوال شيء والأفعال شيء مغاير تماماً!

لا أريد الحديث عن مجموعات كبيرة من الليبراليين من مختلف الأجناس فالمقال لا يتسع لكل ذلك. ولهذا سأتحدث عن شريحة من الليبراليين السعوديين والكويتيين، هذه الشريحة هي الأغلب في أوساطهم وهذا يعني أن هناك قلة قليلة منهم تؤمن بما تقول، وهذه الشريحة منهم أحترمها وإن كنت اختلف مع بعض آرائها. في الكويت معرض للكتاب يقام كل سنة ومثله في الرياض، ومعروف أن الكويت فيها هامش من الحرية كبير، ومثلها السعودية فيما يتعلق بالكتب المخصصة للمعارض... لكن هذه الحرية لا تسمح لدولة مسلمة أن تسهل بيع كتب تتعارض مع أبسط مسلمات الإعلام، فعندما تمنع هذه الكتب -على قلتها- يثور الليبراليون منددين بمن منع حرية الكلمة، وأحياناً يطالبون بمحاكمته جراء الجريمة التي ارتكبها!

هؤلاء يعرفون أن للحرية سقفاً يجب أن لا تتجاوزه، وهؤلاء يعرفون - أيضاً - أن الغالبية العظمى من أفراد مجتمعهم لن يقبلوا عن يسيئ لمعتقداتهم، وهؤلاء - أيضاً - يطبقون هذه القاعدة إذا كانت في صالحهم!

هناك كتب تسيء للحكام وهي تمنع من المعارض، وهناك كتب تشجع على الإرهاب، وهي تمنع كذلك من المعارض، وهناك كتب مماثلة وكلها لا يسمح بنشرها لا في الكويت ولا في السعودية ولا غيرهما ومع هذا كله لا نجد لهؤلاء الليبراليين صوتاً يطالب بفسحها تحت حجة حرية الكلمة التي ينبغي احترامها فلماذا هذا التناقض إذا كان السبب واحداً وهو الحرية؟!

بل إن المسألة تتعدى ذلك بكثير، ففي السعودية كان لأحد كبار العلماء رأي في الاختلاط في الجامعات وهو عدم جوازه، فقام الليبراليون من كل جهة هجوماً فجاً منقطع النظير، ولم يقل أحد منهم إن لهذا الرجل الحرية في التعبير عن رأيه مهما كان مخالفاً لآرائهم! هم وحدهم لهم الحق في القول بحرية الاختلاط أما إذا عارضه أحد فالويل له وتذهب الحرية إلى الجحيم.

وشيخ آخر كان له رأي في الطواف المختلط عبر عنه بحرية، وكان يجب أن يحترم رأيه مهما كان شاذاً ومخالفاً لكل الأعراف، لكن القوم زادوا كثيراً على ما قال وهاجموه بجلافة متناسين قواعدهم في المناداة بحرية الرأي للجميع... وما قلته عن السعودية له شواهد في الكويت مع بعض الشيوخ الذين قد يقولون كلاماً نراه شاذاً ولكن كان يجب أن نلتزم لهم بما نطلبه لأنفسنا كما يقول الليبراليون.

مجموعة من الليبراليين السعوديين هاجموا منهجاً دراسياً وبقوة واستمرار لا لشيء إلا لأن الدكتور يوسف الأحمد شارك مع مجموعته في وضع المنهج!

لم يتحدث أحد منهم عن المعلومة المغلوطة التي ذكرها الأحمد -هذا إذا كان هناك شيء من ذلك - لكنهم هاجموا الشخص لذاته بعيداً عن أي شيء آخر! هم يعرفون أن وزارة laquo;التربيةraquo; تراقب كل شيء بدقة وهناك أكثر من لجنة لمراقبة الكتب ومع هذا كله فإنهم ndash; ولحاجة في نفوسهم ndash; لم يلتزموا بما يدعونه من إعطاء حرية الرأي للجميع... الحرية لهم وحدهم ولا شيء آخر!

كثير من هؤلاء لا يتحدثون إلا عن المرأة وحريتها وبحسب مفاهيمهم، ولا يريدون إلا نشر الثقافة التي تتماشى مع معتقداتهم، إما ما يريده الآخرون فلا قيمة له في عرفهم!

الحديث عن الحريات أمر محبب، فالكل يتمناه ويسعى إليه، نريد حرية سياسية واقتصادية وثقافية وكل أنواع الحريات، لكن العدل أن نطالب بها للجميع وليس للفئة التي ننتمي إليها... وشيء آخر يجب أن لا تصادم هذه الحريات الثابت من ديننا...

ليت هذه المجموعة من الليبراليين يدركون أنهم بتلك الممارسات الخاطئة التي لا تعرف للعدالة طريقاً إنما يسيئون لأنفسهم ويعرونها أمام مجتمعهم...

العدالة مع الجميع تفرض احترام صاحبها، فهل يعقل هؤلاء؟!