محمد جابر الأنصاري

ثمة ضجة كبيرة بشأن ldquo;تسلّحrdquo; دول الخليج العربية وصفقات الأسلحة الضخمة التي تبرمها مع الولايات المتحدة، خاصة .

ولكن حقيقة الأمر، أنه يقوم حالياً سباق تسلح على جانبي الخليج بين الجانب العربي والجانب الإيراني، حيث لا تمر أيام معدودات إلا بإعلان هذا الجانب الثاني عن تجربة طائرة جديدة أو سلاح صاروخي جديد، هذا فضلاً عن احتمالات الملف النووي الإيراني، ثم تزايد الحديث في الأوساط ldquo;الإسرائيليةrdquo;، والأمريكية مؤخراً، بشأن توجيه ضربة عسكرية إلى منشآت إيران النووية .

وهي حرب لن تكون إن حدثت ldquo;نزهةrdquo; في مياه الخليج الهادئة، بل ستكون كما تمثّل الحجاج بن يوسف الثقفي في خطبته المشهورة:

هذا أوان الشدِّ فاشتدي زيَمْ

قد لفها الليل بسوّاق حُطَم . . إلخ

علماً أن الخليج عانى كثيراً حروباً سابقة كحرب تحرير الكويت التي انتهت بإيجابية، وحرب العراق 2003 التي لم تكن نتائجها إيجابية إلى هذه الدرجة .

إن سباقات التسلح تثير العديد من المشاعر والأفكار المتضاربة والمتناقضة، وهي في جانبها السلبي تدفع أكثر الناس إلى الاستنتاج بأن الدول التي تبيع هذه الأسلحة لدول المنطقة الغنية بالنفط، تبيعها من أجل الحصول على المال في أزمة اقتصادية عالمية الانتعاش الملحوظ من آثارها بطيء وهش، وتهديدها ما زال مسلطاً على الرؤوس . ولا يمكن، بل يستحيل ldquo;تبرئةrdquo; الدول البائعة من هذه ldquo;التهمةrdquo; .

أما الجانب الأكثر سلبية وظلامية فهو ldquo;عامل الخوفrdquo; . إن عامل ldquo;الخوفrdquo; من العوامل المؤثرة في التاريخ . وقد ذهب مفكرون واقتصاديون وأيديولوجيون بعضهم ينتمي إلى المدرسة الماركسية والبعض الآخر إلى المدرسة الرأسمالية، أن ldquo;الاقتصادrdquo; مثلاً هو ldquo;العامل الأوحدrdquo; في مجرى التاريخ . ومن دون أن نتعرض لدحض أو تأكيد هذا العامل باعتباره ldquo;العامل الأوحدrdquo;، فإنا نرى أن عامل ldquo;الخوف المتبادلrdquo; لا يقل أثراً عنه، وهو عامل نفسي يؤدي إلى الإنفاق الشديد، أي يؤدي إلى مفعول ldquo;اقتصاديrdquo; يصب في دوامة الخلط بين عوامل التأثير التاريخي أيهما أشد تأثيراً: الدجاجة أم البيضة؟

إن عامل ldquo;الخوف المتبادلrdquo; قد أدى مراراً في التاريخ إلى سباقات تسلح رهيبة، بل إلى اختراع أسلحة مدمرة، وهو الآن لا يقتصر على حوض الخليج، بل نشهده حول ldquo;البحر الأصفرrdquo; في شرقي آسيا، حيث تتنافس دوله على شراء الأسلحة أو تصنيعها، في ظل تحالفات بين دول وشعوب لم يكن متوقعاً أن تتحالف إلا بدافع عامل ldquo;الخوف المتبادلrdquo; .

إن تفكير الإنسان، منذ فجر التاريخ، في سكن ldquo;مأمونrdquo; دليل على ذلك، وقبل أيام قليلة اتهم الرئيس الأمريكي خصومه ldquo;الجمهوريينrdquo; بأنهم يثيرون ldquo;الخوفrdquo; لدى الناخبين الأمريكيين من أجل مكاسب انتخابية .

إن جنون سباق التسلح في شرقي آسيا مطلع القرن الحادي والعشرين، يذكر المؤرخين بجنون سباق التسلح في أوروبا مطلع القرن العشرين، حيث تلته الحرب العالمية الأولى عام ،1914 والحرب العالمية الثانية عام ،1939 والمأمول ألا يتكرر المشهد في آسيا كما حدث في أوروبا، فقد دفعت الشعوب الأوروبية ثمناً باهظاً لحروب غير متوقعة واستبعدها فكر ldquo;التقدمrdquo; الأوروبي .

وإذ تمر كوريا الشمالية الآن التي تعمل على مشروعها النووي بصراع سلطة بين ابنيْ الرئيس ldquo;المحبوبrdquo; الحالي، أي تمر بحالة ضعف سياسي داخلي، وتنال دعماً صينياً قوياً، فإن المخاوف تتصاعد من شنها حرباً قد تكون نووية على جارتيْها: كوريا الجنوبية واليابان وربما شملت القوات الأمريكية الموجودة هناك .

وقد عادت روسيا أخيراً، إلى هذا التسابق، وتحاول أن تقول إنها تملك أسلحة فتّاكة ldquo;متقدمةrdquo; لا تقل أثراً عن الأسلحة الأمريكية . وهي لم تقم بإعادة قيمة صفقة الصواريخ من طراز S-300 إلى إيران إلا التزاماً بالعقوبات الدولية لحسابات تخصها، وبالمقابل فهي تبيع الهند دبابات وتبيع سوريا صواريخ بحرية، وثمة حديث عن بيعها تلك الصواريخ التي كانت محجوزة لإيران إلى فنزويلا، هذا فضلاً عن مفاعل نووي جديد، والجميع لا يمكن أن ينسوا مدى فعالية السلاح الروسي في حرب أكتوبر 1973 .

وينبغي عدم التقليل من دور الضعف السياسي الداخلي أو سوء الوضع الاقتصادي الذي لا يخلو من انعكاسات سياسية سلبية على اتخاذ قرار الحرب، تخلصاً من ldquo;الضائقةrdquo; السياسية الاقتصادية في عملية ldquo;هروب إلى الأمامrdquo; .

إن العقوبات الدولية الحالية على إيران ليست مريحة بالنسبة إلى وضعها الداخلي، وربما كانت من العوامل التي قد تدفعها إلى الحرب، ولكن ثمة مؤشرات أخرى بعكس ذلك، كالتزام الرئيس الإيراني في زيارته للبنان دبلوماسية ldquo;التهدئةrdquo;، واتصاله قبل ذلك بالملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وهو في طريقه إلى بيروت، ثم إعلان وزير خارجية إيران عن استعدادها لمفاوضات جديدة مع الغرب .

وعندما يتفاعل عامل الخوف مع عامل ldquo;الضائقةrdquo; السياسية الاقتصادية، فإن نتائج هذا التفاعل المريع لا يمكن أن تصب في مصلحة السلام والاستقرار .

وإذا كان صدام حسين قد اندفع بعامل الخوف وحده إلى مهاجمة إيران عسكرياً في عمل أحمق، خوفاً من انعكاسات الثورة الإيرانية على نظامه، فإن عامل الضائقة بعد حربه الفاشلة ضد إيران وتكاليفها الباهظة، قد دفعته إلى قرار أكثر حمقاً باحتلال دولة الكويت، ولم يكن ذلك غير ldquo;هروب إلى الأمامrdquo; .

والقرار الدولي والخليجي والعربي بتحرير الكويت يجب أن يعطي درساً لجميع الأطراف المطلة على حوض الخليج .

إلا أن للمسألة فيما يتعلق بالوضع الحالي في منطقة الخليج وجهاً آخر لابد من رؤيته، وهو أن الاستعداد للحرب يمنعها . فهو يوجه رسالة قوية إلى مختلف الأطراف بضرورة تجنب الحرب، وربما كان ldquo;استعدادrdquo; القوتين العظميين أيام الحرب الباردة، وقبل تفكك الاتحاد السوفييتي، لحرب نووية هو الذي منعها حتى في لحظات تهاوي القوة الأخرى .

هذه مسألة: فالاستعداد للحرب يمكن أن يمنع الحرب، والمسألة الأخرى الجديرة بالنظر: إن دول الخليج العربية حريصة على الاستقرار، وهي انشغلت لسنوات طويلة، بالبناء والتنمية، ولم تندفع للتسلح إلا عندما بدأت نُذُر الخطر بالظهور . وهي لا تحمل قطعاً أية نوايا عدوانية حيال جارتها إيران . والمأمول ألا يزيد الإعلام الإيراني من مخاوفها بإرسال التهديدات هنا وهناك، وقد أكدت للجانب المعني أنها متمسكة بالطابع ldquo;الدفاعيrdquo; فحسب لاتفاقها معه، ولن تسمح بمهاجمة إيران من أراضيها .

إلا أن ldquo;إسرائيلrdquo; هي الحريصة على حدوث الضربة لأنها لا تريد للمنطقة العربية أن تستقر وتزدهر، وترى في حرب كهذه مهرباً لها من مستحقات السلام مع الفلسطينيين، السلام الذي تجتمع شواهد عدة على أنها لا تريده .