إياد الدليمي

اللفط مفردة عراقية عامية، تعني من بين ما تعنيه laquo;السرقةraquo;، واللفط هنا صارت مفردة مرادفة للنفط، فلم يعد هناك من شيء قابل للسرقة في العراق أكثر من نفطه وحقوله، فما إن ينتهي أسبوع ويبدأ آخر حتى تعلن حكومة نوري المالكي المنتهية ولايتها عن جولة تراخيص جديدة، ولا ندري هل حكومة لتصريف الأعمال وبغياب الجهة التشريعية أو الرقابية، ونقصد هنا البرلمان، مخولة بمنح ثروات العراقيين للشركات الأجنبية؟
في ذات اليوم الذي أجرت فيه بغداد جولتها الجديدة لمنح التراخيص للشركات الأجنبية للتنقيب واستخراج ثروات العراق، بثت وكالة رويترز للأنباء تقريرا مطولا عن واقع شارع الرشيد وسط العاصمة بغداد، وما يعانيه هذا الشارع العريق الذي يبلغ عمره أكثر من قرن من الزمان.
تقرير الوكالة الأجنبية تناول واقع حياة العراقيين الساخطين على ساستهم، والمتسائلين عن مليارات النفط التي تجنيها الحكومة من النفط والغاز، ولماذا لم تنعكس كل هذه المليارات التي تدخل خزينة بغداد على بغداد وبقية المدن العراقية الأخرى، ولماذا لم تنجح حكومات المنطقة الخضراء حتى الساعة في إيجاد حل لمشكلة النفايات التي سدت شوارع بأكملها؟
طبعا ليس من المفروض على حكومة مفروضة على العراقيين بفعل الامر الواقع ان تجيب عن كل هذه الأسئلة، وليس مطلوبا من حكومة مازالت تبذل الغالي والنفيس من اجل التجديد لرئيسها، ان تطلع العراقيين على اليات صرف ثرواتهم، فكل شيء في العراق مباح للسرقة، ولعل النفط على رأسها.
ربما يمثل العراق نموذجا صارخا من نماذج تبديد الثروات الوطنية، فإذا كانت معارضة النظام السابق قد شنت الحملات تلو الحملات على ذاك النظام متهمة إياه بتبديد الثروات، وإفقار الشعب، وإدخال البلاد في حروب عبثية، فإن السؤال الذي يُطرح على المعارضين السابقين، ساسة العراق الجدد، هو بماذا يمكن أن تفسروا واقع العراقيين الحالي بعد أن بلغت نسبة الفقر أكثر من %30 والبطالة ربما تفوق الـ%60، والشوارع مهملة، والخدمات الحياتية لم تكن كذلك حتى في أربعينيات القرن الماضي؟
مرة أخرى، فإن حكومة منتهية الصلاحية، ولم تعد تتمتع بأي غطاء شرعي، قفزت على دستورها الذي كتبته بيدها، غير مطلوب منها الإجابة عن كل هذه التساؤلات، فقط نريد ان نؤطر لحقائق وأحوال يعيشها العراقيون بينما رئيس حكومتهم مشغول بجولاته الخارجية لحشد الدعم للتجديد لولاية ثانية.
تؤكد الدراسات الاقتصادية أن آخر نفط يمكن أن يخرج سيكون عراقيا، مقولة حفظناها ونحن تلامذة صغار نتلقى أولى العلوم بمدارس بغداد، وكلما كبر بنا الزمن، كنا نتساءل عن هذا النفط الذي لا نرى له أثرا على حياتنا، بل كثيرا ما صرنا نردد، بعد أن عصفت بنا الأهوال، ليتنا لم نكن بلدا نفطيا.
نعم جلب النفط للعراق كل المشاكل والحروب، وجلب للعراقيين شتى أنواع الفقر والفاقة والخراب والموت أيضا، جلب للعراق شتى صنوف السرّاق، من ديكتاتوريين متشبثين بالحكم إلى احتلاليين وانتهازيين، ودمويين، يقايضون نهراً من الدم بحقل من النفط، جلب النفط للعراق آفة الطائفية وآفة المحاصصة والعرقية على حساب الوطن والمواطنة، كل ذلك من أجل النفط، كل ذلك من اجل حقول الغاز، وثروات مازالت ارض الرافدين تأبى أن تبوح بها لأحد.
الكل يتنافس على مشاريع laquo;اللفطraquo; في العراق، إلا العراقيون، الكل يسعى لتحقيق مكاسب laquo;لفطيةraquo; متناسيا العراقيين، فهؤلاء ضحايا، والضحايا دائما صامتون، الضحايا دائما لا مكان لهم وسط موائد الجلادين والسراق، الضحايا ينامون على وجع ويستيقظون على وجع، ولكن حذارِ من غضبتهم، حذارِ من نقمتهم. تقرير وكالة رويترز تحدث عن حالة من السخط العام تسود أوساط العراقيين، نقمة شديدة وهم يقارنون بين واقعهم المزري ومليارات الدولارات النفطية التي تدخل خزينة الدولة، سخط ونقمة لا تحتاج سوى لإرادة حقيقة تستنهض همم المظلومين في العراق للمطالبة باسترداد حقوقهم المسلوبة، ولا يبدو أن ذلك سيكون بعيدا ما دامت الأوضاع على حالها.