خيرالله خيرالله
في حال كان على الفلسطينيين ان لا يضحكوا على انفسهم وان لا يدعوا الآخرين يضحكون عليهم، يفترض بهم ادراك ان قضيتهم في خطر من جهة، وان لا وجود لطرف مستعجل على اتمام المصالحة بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; من جهة اخرى. لا فائدة تذكر من المصالحة في غياب برنامج سياسي واضح يجمع بين الطرفين اللذين يغنّي كل منهما على ليلاه. ولا فائدة من المصالحة ما دام هناك اصرار لدى quot;حماسquot; على بقاء قطاع غزة تحت سيطرتها. لماذا، اذاً، الاستعجال على المصالحة، وما المكسب الذي يمكن ان تحققه في غياب القدرة على الاقدام على خطوة عملية تصب في اتجاه رفع الحصار الظالم الذي تتعرض له غزة منذ نحو اربع سنوات؟
قبل كل شيء، لماذا يصح القول ان القضية الفلسطينية في خطر؟ الجواب ان اسرائيل، في ظل الحكومة الحالية التي على رأسها بيبي نتانياهو، غير مهتمة بالسلام او بتسوية من اي نوع كان في حال لم يرضخ الفلسطينيون الى مطلبها. يمكن تلخيص هذا المطلب بإقامة دولة فلسطينية حدودها حدود المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. تؤمن حكومة نتانياهو، الذي هو افيغدور ليبرمان الحقيقي، بأن الاستيطان، اي الاحتلال، هو الذي يرسم حدود دولة اسرائيل وليس خطوط العام 1967 التي تستند اليها قرارات الشرعية الدولية. اكثر من ذلك تعتقد حكومة اسرائيل ان الوقت يعمل لمصلحتها وان ليس ما يدعو الى العجلة في ضوء انشغال الشرق الاوسط بهموم من نوع آخر وانصراف الادارة الاميركية في غضون ايام قليلة، اي بعد انتخابات مجلسي الكونغرس في الثاني من نوفمبر المقبل، الى اعادة ترتيب اوضاعها الداخلية. سيترتب على الادارة التكيف مع وضع جديد يسيطر فيه الجمهوريون على مجلسي الكونغرس، هذا اذا لم تحدث مفاجأة كبيرة تؤدي الى بقاء احد المجلسين تحت سيطرة الديموقراطيين.
يفترض في الفلسطينيين مصارحة انفسهم بالحقيقة المرّة وهي ان كل دولة من دول الشرق الاوسط مهتمة بحالها او بما سينجم عن عملية اعادة رسم خريطة المنطقة. شئنا ام أبينا، هناك اعادة رسم لخريطة المنطقة انطلاقا مما حصل في العراق وما سيحصل في السودان وظهور قوى جديدة تمتلك نفوذا اقليميا واسعا حتّى داخل العالم العربي نفسه مثل ايران وتركيا. باختصار، هناك توازنات مختلفة في المنطقة تجعل العرب عموما ينصرفون الى مسائل اخرى تعنيهم مباشرة اكثر بكثير من القضية الفلسطينية. هناك دول عربية باتت مهددة من داخل خصوصا بعد ظهور الغرائز المذهبية والطائفية على السطح بشكل وقح.
خلاصة الامر ان على الفلسطينيين تدبر امورهم بأنفسهم بعيدا عن اي نوع من الشعارات واللافتات التي ترفع بين وقت وآخر من نوع ان القضية الفلسطينية لا تزال قضية العرب الاولى. لا يزال هناك اهتمام عربي بالقضية الفلسطينية. هذا صحيح. لكنّ ما هو اكثر صحّة انّ تركيز كل دولة عربية صار محصورا بهمومها الداخلية او بالتهديدات التي مصدرها الجوار القريب. وهذا يعني انه في سبيل مواجهة حكومة بيبي نتانياهو ووزير خارجيته ليبرمان الذي يدعو صراحة الى تسوية تشمل إبعاد الفلسطينيين، الذين يسمون عرب اسرائيل، الى مكان آخر، لا بدّ من استراتيجية جديدة تأخذ في الاعتبار الواقع. ماذا يعني ذلك؟ يعني اوّلا ان المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية ليست اولية الا في حال عودة quot;حماسquot; عن السياسة العبثية التي تمارسها والتي عادت بالكوارث على غزة وحوّلت الحياة فيها الى جحيم. تحولت غزة كلها، للاسف الشديد، اسيرة الاسير الاسرائيلي المحتجز منذ العام 2006!
من هذا المنطلق، ليس امام الجانب الفلسطيني سوى الحذر الشديد وتفادي السقوط في الفخ الذي تنصبه له اسرائيل. وهذا يتطلب في طبيعة الحال ضبط الوضع الداخلي في الضفة الغربية ومتابعة عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. الهدف المطلوب تحقيقه بكل بساطة هو تأكيد ان الارض الفلسطينية ليست ارضا طاردة لاهلها كما تريد اسرائيل. ان الامن المستتب في الضفة الغربية، بعيدا عن فوضى السلاح، يشكّل خير ضمانة لإبقاء القضية الفلسطينية حية في هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي يمرّ فيها الشرق الاوسط.
أمّا مسألة تحقيق المصالحة عن طريق اجتماعات في بيروت ودمشق فإنها اضاعة للوقت لا اكثر. نعم لمصالحة فلسطينية- فلسطينية اليوم قبل غد في حال كانت هذه المصالحة ستؤدي الى التزام جميع الفلسطينيين البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الذي يقبل به المجتمع الدولي ويعتبره دليلا على ان الشعب الفلسطيني متعلق بثقافة الحياة وبالسلام. نعم لمصالحة فلسطينية- فلسطينية في حال كانت ستؤدي الى تشكيل حكومة فلسطينية قادرة على فكّ الحصار عن غزة.
لا بدّ من الاعتراف بأن موضوع المفاوضات المباشرة او غير المباشرة لم يعد موضوعا مهما نظرا الى تمسك الحكومة الاسرائيلية بالاستيطان وبالرغبة في التفاوض من اجل التفاوض. ولكن ليس امام الفلسطينيين سوى إبداء الاستعداد الدائم للتفاوض، على الرغم من ان النتائج معروفة سلفا. ان الاعلان عن مثل هذا الاستعداد يحافظ على الجسور مع الادارة الاميركية، اي ادارة اميركية ومهما كانت هذه الادارة ضعيفة. فما لا يمكن تجاهله في اي وقت ان قطع العلاقات بين واشنطن والسلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة برئيسها السيد محمود عبّاس ورئيس الحكومة الدكتور سلام فيّاض احد الاهداف الدائمة لاسرائيل.
الاكيد ان الفلسطينيين في وضع لا يحسدون عليه. لكنه ليس وضعا ميؤوسا منه في حال تصرفوا بحكمة وتفادوا الشعارات الرنانة وانصرفوا الى تأكيد تمسكهم بالارض بعيدا عن وهم المقاومة المسلحة والشعارات المزيفة التي لا تطعم خبزا ولا ترسم سياسة.
التعليقات