عبد الحميد الأنصاري

للعام الخامس على التوالي، تنظم صحيفة quot;الاتحادquot; منتداها السنوي لكتّابها المشاركين في صفحات quot;وجهات نظرquot;، وهو تقليد متميز وفريد في تقاليد الصحافة العربية، تحرص الصحيفة على حسن تنظيمه وإعداده مسبقاً عبر أوراق بحثية يكلّف بها المشاركون، وتطرح للنقاش العام في جو من الشفافية واحترام كافة وجهات النظر. كان موضوع الملتقى لهذا العام quot;العرب ودول الجوارquot; وهو موضوع مطروح في الساحة بإلحاح، ويحظى باهتمام متزايد استدعاه تعاظم أدوار دول الجوار في المنطقة.

غطى الملتقى القضية المطروحة عبر أوراق العمل في ستة محاور: العرب وإيران (الدكتور رضوان السيد)، العرب وتركيا (الدكتور وحيد عبدالمجيد)، العرب وإفريقيا (حلمي شعراوي)، العرب وأميركا (الدكتور عبدالله الشايجي)، العرب وإسرائيل (الدكتور إبراهيم البحراوي)، العرب ومشروع التعاون الإقليمي (الدكتور برهان غليون). وبطبيعة الحال فهذه الأوراق تمثل وجهات نظر معديها ولا تمثل المنتدى أو الصحيفة، كما أن هناك تعقيبات على كل ورقة، لكن من المفيد ذكر ملاحظاتي العامة حول الأوراق على ضوء تفاعل المشاركين، وأبرزها:

أولاً- الموقف من إيران: كان واضحاً وجود شيء من الاختلاف في مواقف الكتاب العرب عن مواقف الكتاب الخليجيين في استشعار الخطر على الخليج والمنطقة. فبينما يؤكد الخليجيون قلقهم تجاه إيران، بسبب تنامي القوة الإيرانية وسباق التسلح وإنفاق المليارات على تكديس السلاح وإقامة المفاعلات النووية واستعراضات القوة العسكرية، فضلاً عن التأثير الذي تمارسه إيران في المنطقة، وخلافاتها مع النظام العربي الرسمي... نجد طائفة من الكتاب العرب لا يشاركون الخليجيين قلقهم بحجة أنها مبالغ فيها، أو أنهم منساقون للدعاية الغربية والأميركية التي تردد مقولة quot;خطر إيران على الخليج والمنطقةquot; لاستدامة الوجود الأجنبي. وبينما يرى هؤلاء الكتاب ضرورة الحوار مع إيران، يرد الخليجيون بأن إيران هي الرافضة للحوار، ولا أدل على ذلك من رفضها المستمر لكافة أشكال الحوار حول الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها. ومنذ أيام دعا أمين عام مجلس التعاون، وانطلاقاً من مبادئ حسن الجوار واحترام السيادة، دعا إيران إلى التجاوب مع الدعوات السلمية التي وجهتها دولة الإمارات لحل القضية عبر المفاوضات المباشرة أو عن طريق محكمة العدل الدولية.

لكن يبقى من الإنصاف أن نقول إن أعداداً متزايدة من الكتّاب العرب أصبحوا اليوم مقتنعين بوجهة النظر الخليجية بسبب التفاعل الذي تتيحه هذه الملتقيات.

ثانياً- الموقف من تركيا: تختلف مواقف الكتاب المشاركين -عامة- تجاه تركيا عن مواقفهم من إيران، فالدور التركي لا أطماع له في الهيمنة، لذلك يجد ترحيباً عاماً تختلف دوافعه، هناك من يريده توازناً مع إسرائيل، وهناك من يريده لإخراج إيران، وهناك من يركز على المصالح الاقتصادية، وهناك من يراه نموذجاً سياسياً للتوفيق بين الإسلام والحداثة. الحضور التركي مرحب به على مستوى الأنظمة العربية، وحتى في الشارع الإسلامي هناك تأييد لتركيا. لكن بطبيعة الحال هناك انتقادات للدور التركي في بعض جوانبه، والانطباع العام أن إيجابياته أكثر من سلبياته، فالنموذج التركي قائم على إسلام معتدل متعايش مع العلمانية ومع الغرب، وبهذا المنظور أراه قريباً للمزاج الخليجي العام وللعقلية الخليجية التي ترى أنه ما كان لتركيا أن تحقق هذا النجاح لولا العلاقة المتميزة بالغرب وأميركا.

ثالثاً- الموقف من إفريقيا: هناك إجماع عام على القصور العربي تجاه إفريقيا، وبأننا نجهل إفريقيا أو نتجاهلها، رغم محاولات البعض إقناعنا بأن المستقبل لإفريقيا بسبب ثرواتها وإمكاناتها الكامنة.

رابعاً- الموقف من أميركا: من الطبيعي اختلاف الكتاب في مواقفهم من أميركا وبخاصة في عهد quot;أوباماquot;، وورقة الشايجي ركّزت على رصد مظاهر التراجع الأميركي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، أو ما سماه quot;أعراض الوهنquot; بسبب فقدانها quot;الأرضية التي تؤمن المال والدعم الشعبيquot;، وهذا شجّع الخصوم على اغتنام الفرص ضدها مما أنتج قلقاً عربياً وخليجياً تجاه ضمانات مستقبل التحالفات العربية الأميركية. لكن في المقابل هناك من يرى في هذا التوجه تحيزاً انتقائياً يغيّب الصورة المتكاملة للمشهد السياسي العام، فأميركا رغم كل مشاكلها -داخلياً وخارجياً- هي القوة الأعظم والحليف الذي لا غنى عنه للخليج، وقد أثبتت تجربة سبعة عقود هي عمر علاقة الخليج بأميركا، قوة ومتانة هذه العلاقات وبخاصة خلال أزمة احتلال الكويت، إذ لم تكن هناك قوة على وجه الأرض قادرة على طرد المحتل إلا أميركا، والتي تكفلت -أيضاً- بتخليص الخليج من جار السوء لتنعم المنطقة بالاستقرار والازدهار اللذين نشهدهما اليوم دوناً عن بقية الدول العربية.

خامساً- الموقف من مشروع التعاون الإقليمي: طرح الدكتور غليون مشروع تعاون اقتصادي أمني إقليمي يضم العرب وإيران وتركيا، وعندما حوصر بسيل من الانتقادات المشروعة، تراجع وقال: إنه مجرد فكرة يطرحها على المفكرين والمراكز البحثية للتداول على مدى عشر سنوات مقبلة! وفي تصوري أن المشروع ليس جديداً، فقد طرح ما يشبهه من قبل الرئيس الإيراني في قمة الدوحة يناير 2007 وتكوّن من 12 بنداً تصب في إنشاء منظمتين: منظمة للتعاون الاقتصادي وأخرى للتعاون الأمني، فلم يلتفت أحد إلى مبادرته، فأي أمن تمكن المطالبة به يطالب به في ظل العفريت النووي؟! وأي تعاون يمكن قبوله مع بقاء التدخلات الإقليمية؟! تحدث نجاد عن المحافظة على بيئة الخليج لكن المفاعل النووي الإيراني أكبر خطر على البيئة! وطالبنا أن نستبدل إيران بمن ساندنا ووقف معنا في أحلك المواقف! ومثل هذا -أيضاً- يقال في مشروع أمين عام الجامعة العربية الذي طرح على قمة سرت quot;رابطة الجوار العربيquot; وتصدى له سعود الفيصل بقوله: quot;إن المقترح لن يحقق غايته إلا بعد معالجة المعوقات التي تعترض قيام نظام عربي فاعل وقادر على التعامل مع دول الجوار ككتلة متجانسة وموحدةquot;. ونضيف هنا أن إيران اليوم في أدق لحظاتها داخلياً وخارجياً والتحالف معها قد تكون له أثمانه غير اليسيرة!

ويبقى التقدير والامتنان لمن أتاح لنا التفاعل المثمر ومجاهدة النفس على تقبل الرأي الآخر.