صكوك غفران القنوات الدينية..!

ناصر الصِرامي
الجزيرة السعودية
طبقاً لبيانات إحصائية متفاوتة فإن عدد القنوات الفضائية تزايد خلال العامين الماضين بوتيرة متسارعة، ليبلغ أكثر من 700 قناة، وتقفز بها دراسات أخرى إلى حاجز الألف.
وبحسب التقرير السنوي من اتحاد إذاعات الدول العربية، فإن هذه القنوات تستخدم 17 قمراً صناعياً، وقد بلغ عدد القنوات الدينية والعقائدية 39 قناة مسجلة رسمياً.
إلا أن دراسة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، قالت إن عدد القنوات الفضائية التي تعمل بصبغة دينية وصل إلى 150 قناة، منها أكثر من 35 قناة تعمل من منطلق طائفي، في مجتمعات تعاني من انعدام ثقافة احترام الرأي الآخر والتسامح.
ومع انتشار الفضائيات، ظهر ما يسمى القنوات الدينية، وهي من تقف خلف الفتن - مثل موضوع السُّنة والشيعة في الخليج، الأقباط والمسلمين في مصر - أضف إليها البعض من الشعوذة.
أصبحت أغلب القنوات الفضائية الدينية تضليلية بامتياز، تخدع المشاهد المسلم البسيط، وتجعله يشعر أنه لم يعد مسلماً صحيح الإسلام بسبب إغفاله نص تلك الإرشادات المتصلبة والتوجيهات المتشددة، وفتاوى القائمين على هذه القناة الدينية, أو ذاك الداعية الواقف خلفها، أو مرشدها الروحي، وتقدم لمحتوى فيه الكذب الكثير، وخداع المشاهد البسيط، ناهيك عن زراعة الفتنة ونشر أفكار سامة، قد تطال الاستخدام السياسي لإثارة الطائفية، عبر التحريض الجاهل والرخيص بلا موضوعية أو مهنية.
في الإعلام المحترف لا يوجد شيء اسمه إعلام ديني، توجد ممارسة إعلامية راقية لها معاييرها المهنية، يقابلها منابر شخصية أو طائفية مستغلة لحرية الفضاء، قائمة على التبرعات والزكوات والتمويل المشبوه للبقاء.
لكن الأمر اختلط على البعض من أصحاب هذه الوجهات و(الفترينات) الفضائية، ولم يستطيعوا التفريق بين منابر الخطاب التحريضي المتعالي المتشدد، والإعلام المتسم بالمهنية وحرية العرض والإبداع وتشذيب العداوة المحرمة والبغضاء ضد الإنسانية.
وهذا هو تحديداً ما يجعل الإسلاميين والمتشددين يثورون في مواجهة أي وسيلة إعلامية مهنية مؤثرة، ترفض أن تكون (واجهة) لنقل أفكارهم المؤدلجة أو نافذة لخطابهم الأحادي.
الأمر الذي يتطلب استمرار المتابعة الدقيقة لمحتواها وحجم الفتنة والتجهيل الذي تحدثه، والحماية من أضرارها الفادحة التي تهدد الأجيال، بل ومستقبل التعايش البشري، مستغلة حرية هي أول من يكفرها ويكفر بها.
استمرار التدخل للحد من هذه القنوات إيجابي جداً، حتى لا يصبح لدينا قناة لكل مفتي أو مدع أو مشعوذ، كما هو حال قنوات التكفير ومنح صكوك الغفران على الهواء، وبيوت في الجنة وحفر في النار، وبيع الأحلام، باسم الإعلام.
إلى لقاء
ويكليكس.. الشك واليقين
مهنا الحبيل
الوطن البحرينية
كان مبرراً لدي كلياً شعور الإحباط الممزوج بالألم الذي اكتنف المحلل السياسي العميق الدكتور لقاء مكي في الاستوديو، التحليل الذي نفذته قناة الجزيرة عن وثائق ويكليكس والتي تضمنت بحراً من الوثائق التاريخية أدانت طرفي الاحتلال مجدداً بكل وضوح ولكن بمعلومات قطعية تعيد تأكيد الحقيقة.
إذاً لماذا الإحباط؟ وما هو التبرير الذي قصدته للعراقي الأصيل لقاء مكي؟ ولماذا لم يعتبر هذا الإعلان التاريخي من قناة الجزيرة المحترمة عربياً وعالمياً فرصة للفريق العربي الذي مثله لقاء مكي ونزار السامرائي وخالد المعيني ووليد الزبيدي ومهند العزاوي وطلعت رميح وآخرون، وشاركناهم بقلمنا المحدود في الرؤية وفي التنظير والتحذير من ازدواجية المشروع الإيراني الأمريكي، وآثاره المدمرة على المنطقة، وكان طرحنا يصر على أن الاحتلال كان مزدوجاً، وكان هذا الطرح يواجه من فريق من بعض المثقفين القوميين والإسلاميين المدافعين عن المشروع الإيراني في العراق والخليج العربي، المتهكمين على هذا الطرح الاستراتيجي وهاهي الحقيقة تثور من جديد، فلماذا لا يعلن هذا الفريق العروبي النصر؟
إنها الحقيقة المؤلمة الأكبر من إعلان نصر فكري للتحليل السياسي؛ إنه العراق ومستقبله الوطني التحريري والوحدوي، هذا التحليل لن يغني عن الإيمان بالقضية الرئيسة في العراق، وضرورة التحرك الفعلي على الساحة العربية وفقاً لليقين الكبير، فهل سيتحرك المعنيون؟ إن القضية التي ندركها في المتابعات المباشرة للاحتلال المزدوج ومفاصله الدقيقة وانكساراته الطائفية، وتداخل المصالح استراتيجياً في العراق بين طهران وواشنطن، كما هي أكياس المال التي يعترف بها كرزاي، والتي أطلق عبرها حراكاً إيرانياً سياسياً وطائفياً لم تعرفه أفغانستان منذ ما قبل عهد الغزنويين، ولم يعرفه العراق منذ الفتح العربي الإسلامي المجيد.
هذه المعلومة اليقينية لم تكن غائبة ولا ناقصة الأدلة، وكانت أمام العالم تدار رسمياً منذ مؤتمر صلاح الدين ولندن، ومنذ اللحظات الأولى لعبور الحدود إلى منطقة أم قصر والبصرة، والفتاوى المركزية من المرجعيات ذات الشأن، بإلقاء السلاح أمام الأمريكيين، ودفع طهران بقوة لتبني خطاب بريمر عن المحاصة الطائفية وتجسيدها له في التنفيذ السياسي الدقيق الذي أشرفت عليه مباشرة داخل المنطقة الخضراء من قبل الأحزاب التي كان يرأس بعضها رسمياً مرجعيات إيرانية تصدر أوامر للتنفيذ، ولا مكان للمخالفة، فضلاً عن الاندماج العقائدي مع هذه الأحزاب .
كل ذلك هل كان بالسر.. هل كان مخفياً؟ هل كل ذلك كان ضمن ما يردده أنصار إيران هو حماية إيران لحدودها في الجوار ومصالحها.. فقط؟ كل ذلك التدخل هو تأمين حدود أم تكريس احتلال؟ .
هل تلك الزيارات الإيرانية المكثفة عند بدء العملية السياسية وخلالها لدعمها وهي البرنامج السياسي للاحتلال المنفذ من الاحتلال الأمريكي وتفصيلاتها الطائفية، والتدخل عند أي تعثر، ودعمها بكل قوة، وتصفية خصومها بالدولار والتومان، والمواجهة الشرسة التي وجهتها طهران لدعم الحملة ضد الفلوجة في الحرب الأولى التي كان يغطيها علاوي رئيساً للوزراء..!! والفلوجة الثانية ومذبحة الجعفري والتغطية الدينية الإيرانية لقمع المقاومة، وحروب الجيش الأمريكي جنباً إلى جنب مع المليشيات الإيرانية ضد مناطق المقاومة، وما صاحبه من تسعير طائفي ورؤوس كراتين الموز، وذكريات الدريل ووزيره صولاغ، وعلاقته المباشرةبطهران، وحشد السجون، هل اكتشفت ضمن وثائق ويكليكس؟ أم كانت شهادة على الأرض رآها العالم؟ لكن من سلب ناظريه عن إيران كان إعلام العلم الأمريكي ومن يهتفون لديمقراطيته.