سركيس نعوم

عن الدولة والنظام الذي يمكن ان يعتمده العراق الجديد تحدّث البرلماني النشِط الخبير في الشؤون الخارجية، والصيغ الدستورية، وهندسة التحالفات السياسية، والعضو البارز في التجمّع الشيعي الكبير الذي كان له دور في مقاومة عراق صدام حسين وله دور الآن في بناء عراق ما بعد سقوطه، قال: quot;بالنسبة الى الدولة او بالأحرى الى النظام الذي قد نعتمد في العراق، هناك نموذجان يمكن ان نفكّر في اختيار احدهما، ولكن بعد الموازنة بين حسنات كل منهما وسيئاته، وبعد التأكد من ملاءمة النظام الذي سنختار للعراق ومكوّنات شعبه، او ربما بعد تعديله كي يصبح متلائماً مع كل ذلك. النظام الأول هو النظام اللبناني. والنظام الثاني هو النظام الماليزي.
اللبناني في رأيي لا يُمكن ان يطبّق في العراق رغم تشابهه ولبنان من حيث التنوّع الشعبي (طوائف ومذاهب وديانات وما الى ذلك). علماً انه حتى في لبنان لم ينجح او ربما لم ينجح اللبنانيون في تطبيقه. إذ تسبّب هو او تسبّبوا هم بشلل للدولة ومؤسساتها. انا اكثر ميلاً الى النموذج الماليزي. في ماليزيا هناك ثلاثة مكوّنات رئيسية لشعبه. المالاوي الذين يشكّلون 60 الى 65 في المئة من الماليزيين اي الغالبية الديموغرافية. والصينيون الذين يملكون غالبية الثروة والقدرات الاقتصادية. وهناك اقلية من الهنود. كل مكوّن من الثلاثة عنده حصة محددة في السلطة ومؤسساتها من رأس الهرم الى قاعدته. وكل حزب مُمثِل في كل مكوّن يُعَيِّن من يمثله في الدولة بكل قطاعاتهاquot;.
ماذا عن الجيش العراقي الذي بنيتموه بمساعدة الاميركيين بعد حلّهم جيش صدام في اعقاب إسقاط نظامه؟ وهل اصبح قادراً على تولي الأمن في البلاد او على فرضه وخصوصاً بعد الانسحاب المتوقع للقوات الاميركية السنة المقبلة؟ سألت، اجاب: quot;عندنا الآن جيش يقارب عدده مليون وربع مليون جندي، ويحتاج الى تسليح من دون اي شك. وهو مؤلف من 14 فرقة خمسون في المئة منها مسلّحة. يحتاج الجيش العراقي الى آليات ومدرّعات ومدافع وطيران. لا يوجد عندنا سلاح جوي. في الحقيقة اميركا لا تريد ان تُسلِّح جيشنا، اي لا تريده ان يملك ترسانة عسكرية حقيقية. ربما ايران، التي لا تنسى ما فعله فيها صدام وجيشه القوي والكبير على مدى ثماني سنوات (1980 ndash; 1988) تفضّل جيشاً قادراً على فرض الامن في العراق وعلى ضبط العراق، وليس جيشاً قادراً على تنفيذ طموحات توسعية لدى قادته في حال وجودها ووجودهم. وربما يخاف البعض من انقلابات عسكرية. انا اعرف ان الشيعة العراقيين يريدون تسليح الجيش. اميركا لا تريد تسليحه. في لقاء لي مع رئيسة لجنة التسلح في الكونغرس الاميركي قالت لي رداً على مطالبتي اياها بتسهيل حصولنا على كل ما نحتاج اليه من سلاح وأعتدة عسكرية: انتم تحتاجون الى رشّاشات وسيارات وquot;توكي ووكيquot; فقط. طبعاً رفضت هذا المنطق. العراق في حاجة الى أمن وتنميةquot;.
قُلت: في الدستور العراقي هناك بند ينص على الفيديرالية نظاماً للعراق وبند آخر ينص على حل لمدينة كركوك المتنازع عليها بين الاكراد والعرب. هل تعتقد ان البندين المذكورين سيطبّقان؟ او ماذا سيحل بهما؟ اجاب البرلماني النَّشِط نفسه، والعضو البارز في التجمع الشيعي الكبير المذكور اعلاه: quot;الفيديرالية منصوص عليها في الدستور. الاكراد العراقيون معها. ولكن ماذا عن العرب العراقيين؟ وهناك من طرح فيديرالية ولايات صغيرة. وبذلك تصبح كل ولاية مركز نفوذ لجهة اقليمية او دولية. فاتفقنا على اعتماد مبدأ المحافظات العراقية القائمة حالياً أساساً لفيديراليتنا الدستورية ومنطلقاً لتطبيقها. اما بالنسبة الى كركوك فصحيح ان صدام هجّر في الماضي قسماً من اهلها الاكراد، كما تقول، وأحلَّ مكانهم عراقيين عرباً من الجنوب. لكن صحيح ايضاً ان حل هذه المشكلة لا يمكن ان يكون باعتماد ما طبقّه صدام ولكن بطريقة معكوسة، اي بتهجير العرب الذين وفدوا الى كركوك في العقود الماضية منها وإعادة الاكراد الذين هجّروا منها اليها.
حاولت إدارة اقليم كردستان حل مشكلة كركوك باغراءات مالية قدمتها الى العرب كي يتركوها ويعودوا الى ديارهم الاصلية. وهي صرفت على هذا quot;الحلquot; نحو نصف مليار دولار اميركي. ورحل عرب وحلّ مكانهم اكراد. لكن رغم ذلك بقي العرب في كركوك اكثرية. وقد ظهر هذا الامر في وضوح لدى اجراء الانتخابات. ربما يحتاج الاكراد الى مليارات كثيرة من الدولارات الاميركية لانجاز هذا الامر. لقد اقترحت انا شخصياً وضع كركوك تحت نظام خاص لمدة خمس سنوات يجرى بعده استفتاء ابنائها لمعرفة اذا كانوا يريدون (او بالأحرى غالبيتهم) الانضمام الى كردستان العراق quot;ذات الحكم الذاتيquot; الآن او الاقليم الفيديرالي لاحقاً او الولاية او البقاء خارجها او ان تصبح ولاية وحدها. لم يُبت هذا الاقتراح. ولا تزال مشكلة كركوك من دون حلquot;.
ماذا عن ازمة رئاسة الوزراء وعن المبادرة السعودية؟ وما هو في رأيك موقف quot;المجلس الأعلى الاسلاميquot; (الشيعي) من كل ذلك؟ سألت. اجاب البرلماني النَّشِط نفسه: quot;المجلس لا يزال يسعى مع الاكراد كي يؤيدوا تحالفه مع الدكتور اياد علاوي وقائمة quot;العراقيةquot; التي يتزعم فيصبحون اكثرية كبيرة قادرة على تأليف حكومة والدفاع عنها داخل المجلس وخارجه. الاكراد يخافون علاوي. او بالأحرى يخافون السنّة الذين يشكل نوابهم غالبية قائمته النيابية. الا أنهم لا يعرفون الشيعة في الوقت نفسه. يعرفون آل الحكيم وquot;المجلس الاعلى الاسلاميquot;. لكنهم يخشون في الوقت نفسه ان يكون التمثيل الشيعي ضعيفاً في الائتلاف الذي يطرحه عليهم الاخير وتالياً في الحكومة. فلا تعود الحكومة، حكومة شراكة وطنية. quot;المجلس الاعلىquot; يقول للأكراد: اعلنوا تأييدكم لما نسعى الى تحقيقه اذذاك نجتذب الى صفوفنا سنّة من قائمة علاوي وكذلك شيعة من كتلة المالكي وكتلة الصدر. لكن رد الاكراد كان اجتذبوا أولاً سنّة من علاوي وشيعة من المالكي والصدر لنعلن انضمامنا اليكمquot;.
ماذا عن ايران التي لها نفوذ في العراق ولها فضل عليكم كتجمّع شيعي كبير؟ وكيف تنظر الى موقفكم المناقض لموقفها الحكومي اي الرافض لتأييد مرشحها لرئاسة الحكومة نوري المالكي؟ سألت، بماذا اجاب؟