مبارك محمد الهاجري

يتساءل المرء كثيراً عن تفنن أميركا في خلق العداوات وكأنها تستمتع بهذا الأمر، وعندما تتعمق في سر ذلك تجد أنها تقتات كثيراً على هذه الصنعة المنبوذة، فقاموسها لا يحتوي أبداً على السلام، ولك أن تنظر إلى ماضيها المخجل والمليء بدعم كل ما هو ديكتاتوري ومتغطرس، كدعمها لنظام فيدل ماركوس في الفيليبين، ونظام الشاه الإيراني، ونظام بينوشيه في تشيلي، وغيرها من قائمة طويلة من الأنظمة القمعية والتي نالت غضب الشعوب، واستحقت أن تزال من عروشها، وأصبحت قصصاً من الماضي، بعد أن تسلطت، ونهبت، وانتهكت حقوق هذه الشعوب، وجعلت حياتها جحيماً لا يطاق، بفضل دعم الإدارات الأميركية المتعاقبة، ما ولّد المشاعر المناهضة لسياسات واشنطن، ورغم كل ذلك، لم تغير أميركا من خطها المستفز، فما تمارسه ليس بلعبة سياسية بسيطة، وإنما تمارس ما لا يقبله عقل، ولا منطق، وما تدعيه من دعمها للديموقراطيات في العالم، ولحقوق الإنسان، وللحريات، ليست سوى شعارات براقة ترفعها وقت الحاجة، فما زالت طنطنة أميركا إبان الحقبة سيئة الذكر لإدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، في الذاكرة، إذ استغلت واشنطن كلمتي حقوق الإنسان، للمطالبة باستقلال تيمور الشرقية عن اندونيسيا، ليس حباً في الإنسان ولا في حقوقه، وإنما لتحقيق رغباتها الفوضوية، وغاياتها غير السوية، وتلاعبها بالخريطة السياسية والجغرافية لبعض دول العالم، إن لم يكن معظمها!
واشنطن تدرك جيداً أن المعطيات اليوم، ليست كما الأمس، ولم يعد هناك مجال للغطرسة، والسلب والنهب، كالتي مارستها في العقود الماضية، وأن معظم الدول باتت تنتهج الديموقراطية كسبيل للحياة، ولا سبيل غيره، ومعلوم أن الديكتاتورية، والاستبداد، عنصران مهمان جداً بل ويعتبران أرضاً خصبة تنمو بها السياسات الأميركية، فالأجواء المنفتحة، وسياسة الشفافية ليست لها مكان في عرف واشنطن، فالغموض، والسعي لهز الاستقرار، والتلاعب بمقدرات الشعوب، وضرب بعضها ببعض، سياسة تمارسها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب التي توجتها ملكة، وزعيمة للعالم، بمعية الاتحاد السوفياتي السابق، والذي لفظ أنفاسه في تسعينات القرن الماضي، معلناً أميركا شرطي العالم، أو بمعنى آخر، قبضاي العالم، والذي لا يقبل أنصاف الحلول، ولا الرأي الآخر، إما الخضوع وإما إعلان الحرب ضدك، سياسة أتت بنتائج هددت في كثير من الأحيان استقرار العالم، وقد آن الأوان لتعي واشنطن المتغيرات وترمي بنظريات معقدي السياسة خلف ظهرها، وتنظر إلى الأمام وفق ما تراه موافقاً وموائماً، لمصالحها المشروعة والمقبولة، دون المساس بحقوق الآخرين!