تل ابيب


الاستفتاء الذي يزمع اجراؤه في 9 كانون الثاني (يناير) 2011 يرمي الى الحسم اذا كانت ستضاف دولة اخرى الى المنطقة، وليس أقل. جنوب السودان، الغني بالنفط وبغالبية سكانه المسيحيين او عبدة الاصنام، سيقرر اذا كان سينفصل عن الشمال المسلم في معظمه، الشحيح بالنفط والذي يتطلع الى تطبيق قانون الشريعة على كل الدولة.
مع أن الخلافات التي تهدد وحدة السودان ليست من نصيبها وحدها فللشكل الذي توزع فيه الطوائف والقبائل في الشرق الاوسط ارباح النفط بينها ثمة تأثير جوهري على المنطقة بأسرها. ولكن، خطير على نحو خاص هو الوضع في السودان الذي من شأنه ان يتدهور، مرة اخرى، الى حرب أهلية حيث يتسلح فيها الطرفان حتى الرأس ويبحثان عن دعم من لاعبين خارجيين، لها مصالح جوهرية في السودان.
صحيح أن انتاج النفط لم يبدأ الا في نهاية التسعينيات، ولكن السائل الاسود يلعب دورا هاما في الاقتصاد السوداني، حيث أن 95 في المئة من المداخيل من التصدير تأتي من النفط (وهذه تضررت عقب الوضع الامني والعقوبات الغربية). وحسب التقديرات، توجد في السودان احتياطات من 5 مليارات برميل تتركز في معظمها في الجنوب، ولكن قدرات تصفية البترول ونقل النفط توجد في الشمال، في الخرطوم وفي ميناء السودان. البنى التحتية المتردية والحرب الاهلية الاطول في القارة الافريقية، أدتا الى أن يحتاج السودان الى التعاون من جهات أجنبية، ولا سيما من الصين العطشى للطاقة، والتي، رغم الانتقاد عليها من الغرب، تستثمر في تنمية حقول النفط وتستورد نحو نصف النفط السوداني. أرباح النفط يفترض أن تتوزع بين الخرطوم وجوبا (عاصمة الجنوب). غير أن الحكومتين تصدران، احيانا بالتوازي، تراخيص انتاج لذات المناطق، الامر الذي يؤدي بين الحين والاخر الى اشتعال العنف.
في العام 2005 توصل الطرفان الى اتفاق يوزعان بموجبه بالتساوي ارباح النفط ويحظى الجنوب بحكم ذاتي جزئي حتى الاستفتاء الشعبي. أما عمليا، فيحتفظ الجنوب بجيش ومؤسسات سياسية ومصرفية منفصلة وان كانت محدودة. والان على جدول الاعمال الانتقال الى الاستقلال الكامل. غير أن الطرفين لا ينجحان في الاتفاق على شروط اجراء الاستفتاء الشعبي. نقاط الخلاف هي، ضمن امور اخرى، هل سكان الجنوب الذين يوجدون في الشمال يمكنهم أن يقترعوا ومن بين سكان محافظة أبيي (حيث يتجمع معظم النفط ويقع على الحدود بين الشمال والجنوب) يحق لهم الاقتراع؟ بطبيعة الحال فان الجواب على السؤال، أولا وقبل وكل شيء لأي منطقة ستنضم مقاطعة أبيي، سيكون تأثيره جوهرياً على النتائج. هناك تخوف من أنه اذا ما رد الاستفتاء الشعبي او أن الجنوب رفض نتائجه، فانه سيعلن عن الاستقلال من طرف واحد. وبسبب التأييد الجارف للانفصال في اوساط سكان الجنوب، فالتقدير هو أن الانفصال محتم. السؤال هو: كيف وفي أي توقيت سيتم؟
هناك تخوف في الجنوب من أن يفشل الشمال الاستفتاء وعليه فان حكومة الجنوب أعلنت بان كل تأجيل أو تغيير في نتائج الاستفتاء سيؤدي الى المواجهة. بالمقابل، فان اعلان الجنوب الاستقلال من طرف واحد من شأنه أن يجر رد فعل عسكرياً من جانب الشمال. وكقاعدة، يبدو أن السيناريوهات المحتملة التي لا يصطدم فيها الطرفان عسكريا، لزمن طويل، قليلة.
النفط الذي ينتج في الجنوب يشكل 98 في المئة من مداخيل حكومة الجنوب و 65 في المئة من مداخيل الحكومة في الخرطوم. ليس للجنوب بديل آخر، في المدى المنظور عن نقل النفط عبر اراضي الشمال نحو البحر الاحمر. يحتمل أن يكون هذا التعلق المتبادل منع مواجهة أوسع، الا ان زيادة المداخيل من النفط شكلت بالنسبة للطرفين اساس التمويل للتسلح الكثيف لجيشيهما. اضافة الى ذلك، فان حكومة الجنوب تدعي بان الخرطوم تخفي ارباح النفط التي تصل اليها. وبالفعل، فان للخرطوم مصلحة في التأكد من بقاء الجنوب منطقة غير متطورة، زراعية في معظمها. وفضلا عن انعدام رغبة الشمال في فقدان احتياطات النفط الهائلة للجنوب، هناك تخوف من أنه اذا ما أعلن 10 ملايين من سكان الجنوب الاستقلال، فان مناطق اخرى، مثل جنوب كردفان الغني هو الاخر بالنفط سيسعون هم ايضا الى الانفصال عن الدولة السودانية.
الازمة في السودان ومكانه الجغرافي الاستراتيجي جعلاه جذابا للاعبين أجانب. فايران ليست استثنائية. وهي تسعى الى تعزيز سيطرتها في السودان من خلال استثمارات اقتصادية، نفوذ ثقافي ايديولوجي ومساعدة عسكرية وهكذا تساعد عمليا في بقاء نظام البشير. اضافة الى ذلك، فان ايران ترى في السودان قناة مفضلة لتهريب الوسائل القتالية لحماس، حزب الله ومنظمات اسلامية متطرفة في المغرب. وافادت الصحافة الاجنبية ان اسرائيل شددت تواجدها في ساحة البحر الاحمر، اعترضت عدة قوافل سلاح بل واغرقت سفينة ايرانية تحمل وسائل قتالية الامر الكفيل بان يجعل من الصعب على ايران مواصلة استخدام مسار التهريب هذا.
كما ان لمصر، الحساسة تجاه كل أعمال النهل والتحويل لمياه النيل، توجد مصلحة جوهرية في ما يجري في السودان. ومع ان الدولتين تتعاونان في الصراع ضد اعادة توزيع مياهه الا ان السودان جمد مؤخرا عضويته في منظمة دول حوض النيل، الامر الذي يضعف الموقف المصري حيال باقي الدول. وهذه تختلف ايضا في مسألة 'مثلث حلايب'، منطقة على طول الحدود بينها موضع خلاف منذ استقلال السودان في 1956. كما ان مصر اتهمت على مدى السنين الخرطوم باعطاء مأوى لعناصر اسلامية متطرفة تكافح ضد حكم الرئيس مبارك. في الماضي اعربت القاهرة عن تأييدها للجنوب، ولكن رغم الخلافات مع الخرطوم من الصعب التصديق بانها ستسمح بتمزيق أي ارض عربية.
ولا تستعد الاسرة الدولية لاثار الاستفتاء الشعبي وهي منقسمة في تأييدها للجنوب وللشمال. عليها أن تقرر هل تقيم علاقات مع الرئيس السوداني البشير وما الذي تبدي استعدادها لعمله (شطب ديون؟) من أجل مصالحة الشمال؟ ويجدر بالذكر انه يوجد ضد البشير الذي استولى على السلطة في انقلاب ذي طابع اسلامي في 1989، أمرا اعتقال صادران عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة جرائم ضد الانسانية. وذلك، بسبب تأييده للميليشيات المسلحة العربية التي قتلت مئات آلاف القرويين في دارفور. بالمناسبة، المعارك في دارفور تتواصل مثلما في السنوات السابقة، وان لم يكن بشكل شامل، رغم اتفاق وقف النار الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران (يونيو) 2010 بوساطة قطرية.
اذا لم يتخذ عمل حاسم، من جانب الجامعة العربية ايضا، والتي اثبتت حتى الان اهمالا في معالجة هذا الموضوع ايضا، فان من شأن السودان ان يتدهور مرة اخرى الى حرب مضرجة بالدماء او عمليا الى مذبحة عرقية على نمط دارفور ليس فقط بين الجنوب والشمال، بل وايضا بين الجماعات العرقية المختلفة في الجنوب والمختلفة هي ايضا على ارباح النفط، والمدعومة في بعض منها من الخرطوم.
مع أن اسرائيل كفيلة بان تكسب دولة تقيم معها علاقات دبلوماسية (مسؤولون في حكومة جوبا أبدوا في السنة الاخيرة استعدادا لذلك)، وهو أمر ليس بسيطا في منطقتنا ولكنها كفيلة ايضا بان تعاني، على الاقل في المدى القصير، من تعاظم وتيرة التسلل عبر حدودها المنفلتة في الجنوب اذا ما تدهور الوضع الامني في السودان.
عين اوباما مبعوثا خاصا للسودان، ولكنه أهمل التأكيد الاخلاقي الذي ميز موقفه من الموضوع في الحملة الانتخابية، في صالح البراغماتية والرغبة في الحوار، والتي تعتبر، في الخرطوم ايضا، ضعفاً. يبدو ان الادارة الامريكية تفضل الامتناع عن ممارسة الضغط وهي تلمح بمساعدة محتملة بل وبإزالة السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب، اذا ما قبلت الخرطوم نتائج الاستفتاء الشعبي. وذلك رغم طبيعة النظام ومن يقف على رأسه. الحرب الاهلية التي قتلت حسب التقديرات، اكثر من مليوني انسان، وحولت عددا مضاعفا الى لاجئين لم تدفع الاسرة الدولية الى استثمار ما يكفي من المصادر لحل النزاع، مثلما فعلت في أماكن اخرى. يتبقى الامل في ان تؤدي الرغبة في الحفاظ على القدرة على الوصول الى قطاع الطاقة السوداني (مؤخرا بلغ عن اكتشاف غاز) الى جلب لاعبين مختلفين، تحرك تدخلهم في السودان مصالح مادية، للمساعدة في ايجاد حل للنزاع.