مجدي شندي


ما الذي يمنع بناء كنيسة في بلد أغلب سكانه من المسلمين؟ سؤال فرضته أحداث الأربعاء الماضي في مصر والتي عمدها شاب مسيحي من سوهاج بدمائه بعد مصادمات محزنة مع الأمن إثر تدخل السلطات لمنع بناء كنيسة.

بناء الكنس في بلاد الإسلام أمر مختلف عليه منذ القدم، فقد أجازه الإمام أبو حنيفة النعمان وحرمه غيره من أئمة المذاهب، لكن الزمان اختلف وما كان صالحا من الناحية الفقهية للماضي ليس شرطا أن يناسب الحاضر والمهم في نهاية المطاف لأي سياسة شرعية حكيمة هو أن تقوم على laquo;رعاية مقاصد الشرع، ومصالح الخلقraquo; وهذه القاعدة تفرض علينا أن ننظر بعين أخرى إلى الحالة المصرية.

في مصر ليست هناك حكومة إسلامية والمادة الثانية من الدستور (التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع) لا يجري استدعاؤها إلا لإلباس السياسة عباءة الدين، كما أنها مفهومة على النحو الخطأ..

فهي بحد ذاتها تفرض حقوقا لغير المسلم في المساواة والمواطنة وفقاً لقاعدة laquo;لهم ما لنا وعليهم ما عليناraquo;. الأمر الثاني أن الوجود القبطي في مصر ليس وجودا طارئا، فالأقباط مكون رئيس من مكونات النسيج الوطني.

وهناك امتزاج تاريخي فريد بين أصحاب الديانتين صنع الشخصية المصرية، وخاض نضالات الوطن ضد الاستعمار طوال التاريخ، وشكل الوعي العام عبر الثقافة والفنون والعلوم، ولم يكن هناك حرج في التمازج عبر أسماء المواليد أو مشاركة الآخر احتفاله بأعياده أو حتى الزواج المختلط، اللهم إلا في السنوات الأخيرة التي طغى فيها الاحتقار السياسي لعامة الشعب بمسلميه وأقباطه بالغا ذروته.

الشيء الثالث أن الأقباط ليسوا أقلية عددية بسيطة فنسبتهم نحو 10 % من السكان وان كانت الكنيسة ترفع تقديرها للعدد إلى 10 ملايين (من بين 80 مليون مصري).

وإذا كانت اغلب بلدان الخليج التي لم يكن فيها مسيحي واحد قبل عشرات السنوات قد سمحت ببناء كنائس استجابة لمتغير اوجد آلاف المقيمين من المسيحيين. فإن الأولى بمصر أن تعيد النظر في العمل بمرسوم الخط الهمايوني الذي أصدره السلطان العثماني عبد المجيد عام 1856، ولا توقف ساعات التاريخ عنده.

ورغم أن الخط الهمايوني وقت صدوره كان يمثل مرسوما إصلاحيا فقبله كان العثمانيون يحرمون على غير المسلمين ركوب الخيل أو السير إلا على يسار الطريق أو لبس عمائم على الرأس أو ارتداء الملابس الملونة (الأسود فقط).

وعدم تسميتهم إلا بأسماء يعرف منها دينهم وإجبار المسيحيين على لبس صليب حديدي كبير على الرقبة، إلا انه وضع الحق في ترخيص بناء وترميم الكنائس في يد السلطان شخصيا..

هذا الفرمان جرى تمصيره في عام 1933 على يد عبد الفتاح يحيى باشا رئيس الوزراء ووضعت عشرة شروط لبناء الكنائس لكنه احتفظ بحق ترخيص البناء والترميم للخديوي ومن ثم انتقلت بعد الثورة إلى رئيس الجمهورية إلى ان نقل الرئيس حسني مبارك للمحافظين حق تراخيص الترميم في عام 1998 واحتفظ لنفسه بسلطة تراخيص البناء.

بناء الكنائس أهم أسباب الاحتقان الطائفي والغريب أن الأجهزة الأمنية والسيادية تعي جيدا أن هناك من يحاول النفخ في هذا الاحتقان ولا شك انه وصلت إلى مسامعها تصريحات رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين والتي قال فيها بالحرف laquo;مصر هي الملعب الأكبر لنشاطات جهازنا..

لقد أحدثنا الاختراقات في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصرraquo;.

والقاهرة تعرف انه ليست إسرائيل وحدها وإنما هناك قوى كبرى تسعي لتسميم الأجواء.. ومع ذلك تظل مصرة على التعامل مع الأقباط والإخوان باعتبارهما قضية أمنية وليست سياسية.