عبيدلي العبيدلي

تناقلت وكالات الأنباء المشهد السياسي المصري في يوم انتخابات مجلس الشعب، وطغت على صور ونصوص التغطيات الإعلامية سمة أساسية شبه مشتركة لخصها أحد كتاب صحيفة laquo;الحياة اللبنانيةraquo; محمد صلاح في الفقرة التالية laquo;.... بقيت الصورة كما هي... عنف وأعمال بلطجة في بعض اللجان ومحاولات لمنع الناخبين من الوصول الى مراكز الاقتراع، ولجان أخرى وقعت فيها اعتداءات وهجمات على صناديق الاقتراع وإفراغ للأوراق من داخلها وتمزيقها رداً على محاولات التزوير ويأساً من حماية العملية الانتخابية وتأمينها، أشخاص يمسكون سيوفاً وسكاكين أمام أعين الجميع لإرهاب بعض المرشحين أو مناصريهم، وشكاوى من بعض المرشحين بأن مندوبيهم مُنعوا من الدخول الى لجان الاقتراع أو طردوا منها، ولجان خاوية إلا من حراسها أو موظفين انتدبوا من مقار أعمالهم للإشراف على الانتخابات في هذه اللجنة أو تلك، ودماء سالت وأرواح أزهقت وجرحى جراء المعارك التي جرت بين المرشحين وأنصارهم واتهامات متبادلة بين الجميع بالتدخل ومحاولة التزوير لم تقف عند (الإخوان) أو أحزاب المعارضة الأخرى، وإنما امتدت هذه المرة عندما أعلن الحزب الوطني الحاكم أن الاعتداءات جرت ضد بعض مرشحين وأنصارهمraquo;.

ملخص القول، إن الانتخابات جرت في أجواء غير سليمة، والأسوأ من ذلك، هو أن أعمال العنف وraquo;البلطجةraquo; لم يقفا عند مؤسسات الحزب الحاكم بل تجاوزاها كي تشارك فيها المعارضة أيضاً، التي لم تكف عن تبرير سلوكها غير الديمقراطي هذا، بكونه ردة فعل طبيعية، وينبغي أن تكون مقبولة، على ما قامت به أجهزة السلطة.

ولو استبدلنا الصورة المصرية، بأخرى عربية، فربما نكتشف، أنه باستثناء بعض التفاصيل الهامشية غير المؤثرة في جوهر تلك الصورة وسماتها الرئيسة، يمكننا ان نستبدل مصر بأية دولة عربية أخرى، حيث الممارسات لا تختلف، ويتساوى الجميع، المعارضة مع من هم في السلطة في اللجوء إلى الأساليب الملتوية التي يصل بعضها إلى غش المواطن، من أجل ضمان الوصول إلى الكرسي البرلماني.

لا يختلف اثنان على تحمل السلطات العربية الحاكمة المسئولية الأكبر في وصولنا إلى هذه الحالة المتردية في ممارسات المجتمعات العربية غير السوية لحقوق مواطنيها الديمقراطية، فهذه السلطات هي التي لا تتورع عن تغيير مواد في الدستور، في ساعات قليلة، ودون الرجوع إلى الإجراءات التشريعية المطلوبة، ولو حتى على نحو شكلي تجميلي، إو إبداء أي نوع من الممارسات التي تعبر عن احترامها للمؤسسات التي تسيرها، وهي التي تسبق الجميع في اختراق العمل بمواد الدستور والأنظمة والقوانين المنبثقة عنه، لكن، وكما تقول لنا لوحة الانتخابات المصرية، هناك أيضا حالات مشاركة مماثلة تمارسها المعارضات العربية، وتقوم بها تحت قائمة من المبررات الساقطة تاريخياً، وغير المقبولة سياسياً.

بقدر ما تضع هذه الحالة السياسية المتردية المواطن أمام خيارات صعبة ومعقدة، بقدر ما تطالب القوى السياسية الضالعة في عمليات الانتخابات في سائر الدول العربية أن تقف أمام مسئوليتها التاريخية من مسألة التحول الديمقراطي التي يحتاجها المجتمع العربي، والتي من الخطأ حصرها في المؤسسة البرلمانية، إذ ينبغي، كي يتسنى لنا رؤية الصورة كاملة، أن ننزل عتبة واحدة إلى الأسفل، كي نناقش الممارسات الديمقراطية في مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، حيث تلجأ أطراف المعارضة السياسية، دون ان نستثني السلطة، في سياق التنافس فيما بين مرشحيها إلى أساليب لا تقل، في جوهرها، عما تقوم به السلطات العربية خلال عمليات الانتخابات البرلمانية، أو البلدية.

تدلل هذه الممارسات، على تخلف حقيقي تعاني منه حركة التغيير السياسي العربية، سلطات ومعارضات على حد سواء، وهو أمر ينبغي التوقف عنده بصدق مع النفس، ومصارحة مع الذات، وشفافية مع المواطن، كي نرى إلى أي مدى نجحت المعارضة السياسية العربية في التخلص من سلوكيات السلطة غير الديمقراطية، وسياساتها المصادرة لحريات الآخرين، تحت شعار أنها الأكثر شعبية، أو الأكثر قدرة على إحداث التغيير المطلوب، ولصالح المواطن، وحقوقه الديمقراطية.

تنصب المعارضات العربية نفسها، ودونما أي حق أو شرعية، وصية على الشعوب العربية، وتطالبها بأن تمنحها الثقة التي تحتاجها كي تحظى laquo;مرغمة في أحيان كثيرةraquo;، بشكل سافر أو مبطن بحق يخولها نيل تمثيل المواطن في المؤسسات ذات العلاقة بتلك الانتخابات.

وندعو القارئ الكريم هنا، ان يسدل، ولو للحظة واحدة، الستائر على صورة الانتخابات النيابية، ويضع مكانها ويتأمل بعمق في صورة انتخابات منظمات المجتمع المدني، كي يكون قادراً على الحكم بعدالة على ما تقوله هذه المقالة.

ونذكر القارئ هنا بأن الديمقراطية مسألة غير قابلة للتجزئة أولا، وترفض المقارنة بين laquo;ديمقراطية ذات وزن ثقيلraquo;، لا ينبغي التفريط في مقاييسها، وأخرى خفيفة، ليس من الخطأ في شيء، التساهل في التقيد بأنظمتها.

هنا لابد من التصدي، وبالشجاعة المطلوبة، لكل من سيرفع عقيرته، مطالباً بعدم وضع المعارضة والسلطة على قدم المساواة، وفي المربع ذاته.

ينبغي هنا على من يريدون التغيير رفض مثل هذا الأسلوب من أشكال الابتزاز السياسي الذي قد تمارسه بعض أطراف المعارضة، وتدعو، تحت مبررات واهية، لا تستطيع ان تصمد أمام نقاش حر جريء، إلى حصر الانتقادات في ممارسات السلطة وتوجيه اللوم لها فقط على ما وصل إليه الوضع العربي من تخلف على الصعيد الديمقراطي، وعلى قدم المساواة، وفي الاتجاه ذاته، تبييض صفحة المعارضة، والدفاع المطلق المستميت عن ممارساتها، التي تفوح بعدم ديمقراطيتها.

ولربما، إن كان هناك شيء يمكن أن تقوله لنا الانتخابات المصرية ونتائجها، أو درس نستفيده منها، بغض النظر عن من هي القوى السياسية التي فازت، فهو أن هناك تخلفاً في مستوى النضج السياسي العربي، بحاجة إلى من يحمل راية معالجته، ولعل أول خطوة على طريق المعالجة المنشودة هي الاعتراف بهذا التخلف السياسي، وهو ما قالته لنا الانتخابات المصرية، وسبقتها إلى قوله انتخابات نيابية عربية أخرى.

وما لم تقم القوى السياسية الراغبة في التغيير الحقيقي بمثل هذه الخطوة الجريئة والصحيحة، فليس أمامنا سوى اجترار الماضي، ومواصلة انتقاد السلطة فنصبح، كما يقول المثل، مثل أولئك الذين لا يستطيعون أن يروا شيئا سوى عيوب الآخرين، تماماً كما نشاهد بعض أطراف المعارضة العربية التي لا ترى شيئا آخر سوى عيوب السلطات التنفيذية، ناسية بدون وعي، أو متناسية عن سبق إصرار وترصد عيوبها، التي تفوح برائحة عدم النضج السياسي الذي نحذر منه.