محمد نور الدين

وثائق ldquo;ويكيليكسrdquo; رسمية ولا يرقى شك إلى أنها حقيقية وليست مفبركة . الولايات المتحدة نفسها لم تنف أنها حقيقية، وجلّ ما أعلنته أن نشرها ليس عملاً أخلاقياً وعلى الناشرين أن يلقوا عقابهم .

هذا شيء وما ورد ضمنها شيء آخر . والمسألة الأساسية لماذا الآن وليس قبل أو بعد .

هذا ينقل تلقائياً إلى السياسات الأمريكية التي توصف عادة بأنها واقعية ومستعدة للعمل مع الشيطان وببيع أمها وأبيها من أجل تحقيق مصالحها .

والمصالح الأمريكية هي في استمرار السيطرة على العالم واحتكار الهيمنة في ظل تقدم القوة الصينية واستمرار التهديد الروسي . ولكن أيضاً في ظل ظهور قوى جديدة على الساحة العالمية ومنها البرازيل وتركيا .

وإذا كانت البرازيل لا تزال خارج المساءلة في وثائق ldquo;ويكيليكسrdquo; فإن الجزء المتعلق بتركيا والعالم العربي والإسلامي يبقى بيت القصيد في السياسات الأمريكية . ولا يرقى شك رغم كل التبريرات في أن الإدارة الأمريكية هي التي تنشر الوثائق غير متخوفة مما سيقال عن أخلاقيات الديبلوماسية . فمن أجل بلوغ الأهداف ليس من محرمات في السياسة . وما نفع الأخلاقيات إذا كانت ستزول ldquo;إسرائيلrdquo; من الوجود مثلاً أو ستتراجع القوة الأمريكية؟ . فالكلمة الأخيرة في التاريخ هي للدهاء وللقوة . والحروب خدعة سواء في ساحة القتال أو ساحة الديبلوماسية .وليس من ضير أن يقال إن الوثائق هي ldquo;11 سبتمبر/ايلول للديبلوماسيةrdquo; . المهم هو أكل العنب وليس قتل الناطور .

على الرغم مما تضمنته بعض الوثائق من وجهات نظر مثيرة ومقلقة . فإن ما يلفت في الوثائق أنها تحاول أن تضع اسفيناً سميكاً وحاداً في العلاقات بين العرب والمسلمين أنفسهم . إنها وثائق تحريضية لكي يفتتن العرب والمسلمون ويقتتلوا في ما بينهم . وليس أبلغ من تعليق الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد عندما وصفها بأنها ldquo;مؤامرة شيطانيةrdquo; للإيقاع بين إيران والعرب وبين المسلمين أنفسهم، وأن علاقات إيران مع جوارها العربي والإسلامي لن تتأثر بل ستزداد قوة .

نشر الوثائق حصل . ولكن الأهم أن يعتبر العرب وتركيا وايران مما نشر فيها ومما يحاك لهم من أفخاخ وبالتالي أن يتم الاعتبار من هذه المؤامرة الجهنمية من أجل إعادة تحديد ورسم السياسات العربية والإسلامية .

طريقة تعامل أمريكا مع كل العالم هي مثل طريقة تعامل ldquo;إسرائيلrdquo; مع عملائها وجواسيسها في لبنان . عندما تنتهي صلاحية خدماتهم تلفظهم مثل جيفة، هذا إذا لم تقتلهم . نحن، في ما يتعلق بوثائق ldquo;ويكيليكسrdquo;، أمام خطة مدبرة ومكشوفة للإمعان في تمزيق العالم العربي والإسلامي . وليس مبادرة الإدارة الأمريكية لمحاكمة ناشري الوثائق سوى استغباء للعقل العربي والإسلامي والعالمي ومن بابrdquo;يقتلون القتيل ويمشون في جنازتهrdquo; .

مواجهة المؤامرة واستخلاص العبر وجهان لعملة واحدة . المواجهة في تلاقي العرب والمسلمين على تحديد خلافاتهم وحلّها، وتحديد مصالحهم والسعي لتنفيذها، وعلى تحديد العدو وهو ldquo;إسرائيلrdquo; ومن خلفها من قوى استعمارية والسعي لمواجهته بكل الوسائل العسكرية والشعبية والاقتصادية وصولا الى تنظيف الجسم العربي والإسلامي من كل الأدران السرطانية .والمرحلة التي يمر بها العرب والمسلمون لم تعد قابلة لمزيد من التمييع والتهاون والتسليم بقضاء القوة الأمريكية والغربية ورأس حربتها ldquo;إسرائيلrdquo; .

أما على صعيد استخلاص الدروس والعبر فإنها كثيرة . وهي أن يتصارح العرب والمسلمون في ما بينهم ولا يتركون للشكوك مطرحا ينفذ منه الأعداء . وأن يدركوا أن هناك مكاناً للجميع على هذه الجغرافيا الاسلامية خارج الحسابات الامبراطورية وخارج تصفية الحسابات .

العرب وتركيا وإيران مسؤولون عن تقرير وجهة المرحلة المقبلة وهم قادرون إن شاؤوا على حماية هوية هذه المنطقة خارج أي خيالات وأحلام سواء كانت عربية أو إيرانية أو عثمانية جديدة . فهذه المنطقة هي لنا جميعا، ولا أحد منا يريد أو يستطيع إلغاء الآخر . بل إن السعي للتكامل، لا للمنافسة والإلغاء، وحده يحمينا جميعاً .