القاهرة - أحمد سيد حسن
ما انعكاسات الانتخابات التشريعية الأخيرة على صورة مصر في الخارج؟ وهل ساهمت في تحسين صورة البلاد في مجال التنافسية السياسية والديموقراطية والحريات العامة، أم أدت إلى العكس؟
عشية المرحلة الثانية والأخيرة للانتخابات النيابية المصرية المقررة غدا، وفي قراءة للانعكاسات الخارجية للانتخابات، المثيرة للجدل، وللنقاش العام الدائر حولها، تبرز تساؤلات أخرى تطرح نفسها حول كيفية توظيف القوى المختلفة - بداية من النظام السياسي الحاكم والحزب الوطني (صاحب الأغلبية الساحقة كالمعتاد)، وصولا الى المعارضة بمختلف ألوانها حتى جماعة الإخوان المسلمين - لنتائج تلك الانتخابات على الصعيد الخارجي.
استحقاقات خارجية
تعدت أهداف المعركة الانتخابية بالنسبة الى النظام من مجرد السيطرة على مقاعد البرلمان المصري وتحقيق الأغلبية الساحقة، وهذا ما تحقق من المرحلة الأولى، الى محاولة تصدير صورة وردية عن الديموقراطية المصرية وحرية التنافسية السياسية، مع مشاركة 19 حزبا سياسيا في تلك الانتخابات، يتقدمهم الحزب الوطني بــ 763 مرشحا، ثم الوفد بــ 168 مرشحا، والتجمع 66 مرشحا، والناصري 31 مرشحا، وأعداد أقل لبقية أحزاب المعارضة من الدرجة الثانية، من حيث القوة والتواجد والانتشار الجماهيري.
وحرصت إدارة الإعلام الخارجي، التابعة للهيئة العامة للاستعلامات، وأجهزة إعلامية أخرى، على إبراز الطابع التعددي للانتخابات المصرية. وبدا في أحيان كثيرة، خصوصا من خلال البرامج الحوارية (التوك شو) التي انتشرت بقوة على قنوات التلفزيون المصري الرسمي، الاهتمام الأكبر على إبراز المشاركة الواسعة للأحزاب السياسية ومحاولة إيجاد مواقف مشتركة بين تلك القوى في مواجهة عدة قضايا سياسية.
الأولى رفض أي رقابة دولية، وهو ما حدث بالفعل من إجماع، شاركت فيه الأحزاب المعارضة الكبرى أساسا (الوفد والتجمع مع الوطني)، حيث أكد رئيس حزب التجمع د. رفعت السعيد أن المواقف الأوروبية والأميركية laquo;انتقائيةraquo; تأتي طبقا لمصالحها، لا لمصلحة شعوب العالم، ومنها الشعب المصري، مضيفا laquo;إنها مواقف منحازة لإسرائيل وضد القضايا العربية والفلسطينية، وأبرز دليل على ذلك الموقفان الأميركي والأوروبي من تقرير laquo;غولدستونraquo; الخاص بالاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزةraquo;. هذا الموقف المتناغم بين أحزاب المعارضة والحزب الوطني في رفض الرقابة الدولية، تطور الى حملة إعلامية سياسية ضد السياسة الأميركية بالذات. فقد كان الأمر مدهشا أن نجد الإعلام الرسمي الحكومي يهاجم السياسة الأميركية بشدة، بألفاظ مثل laquo;الاستعمار، الهيمنة، والوصايةraquo;!
ضرب تجربة البرادعي
ساهمت الحملة الإعلامية المنسقة laquo;بشدةraquo; في ضرب أي فرصة للعالم المصري د. محمد البرادعي، الذي تابع الانتخابات البرلمانية من البرازيل، في محاولة قيادة قوى سياسية معارضة للنظام، قادرة على تحدي مرشح الحزب الوطني في الانتخابات الرئاسية في نهاية العام المقبل.
فالبرادعي، الذي يعتمد على جناحين رئيسيين في حملته السياسية، الأولى تجميع قوى معارضة مستقلة في الداخل، والثاني اكتساب التأييد الدولي ودعم المصريين في الخارج، لن يستطيع أبدا اللعب بورقة الاستقواء بالخارج والاعتماد على تأييد دولي، لا سيما واشنطن التي تخلت عن سياسة الضغط على مصر، بشأن ملفات الحرية السياسية. وشهد البرادعي ما تعرضت له السياسة الأميركية من انتقادات شديدة، حين نشرت تقرير الحريات الدينية، الذي جاء به بعض الانتقادات البسيطة للمشاكل التي يعانيها الأقباط في مصر من صور تمييز بسيطة، لم ترتق بالطبع الى صور الاضطهاد.
مواجهة مطلقة للخارج
ويمكن القول أيضا إن نتائج الانتخابات المصرية أظهرت قوة النظام المصري في مواجهة أي انتقادات من الخارج. فقد مارس النظام والقوى التي أدارت الانتخابات حرية مطلقة في العمل من دون التقيد بالقواعد والطلبات التي قدمتها منظمات دولية، على أساس خصوصية العملية الانتخابية. وبالتالي جرت عمليات تدخل إداري هائلة سمحت بالتدخل في العملية الانتخابية، اعتمادا - أيضا - على العصبيات القبلية والعائلية، التي حسمت نتائج الانتخابات في المحافظات التي شهدت laquo;زواجاraquo; بين الحزب الوطني والقوى العائلية والقبائلية الكبيرة.
وأكدت اللقاءات، التي تمت بين منظمات حقوقية مصرية، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان ومراكز وهيئات المجتمع المدني الأخرى مع الوفود والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، على الطبيعة الخاصة للانتخابات البرلمانية المصرية، من حيث ارتباط الناخب بدائرته عبر الخدمات، وهو ما يجعل الأخير أقرب الى وظيفة المجالس المحلية والبلدية، أكثر من طبيعة النائب السياسي، الذي يهتم بالقضايا السياسية العامة. وبالتالي فان العصبية والعنف الزائدين عن حدهما يرجعان الى طابع الانتخابات وطبيعة مهام النائب، الذي يدين بالولاء لدائرته والناخبين فيها قبل أي شيء آخر.
فزّاعة laquo;الإخوانraquo;
ومع الإجماع حول رفض التدخل الأجنبي فان فزاعة laquo;الإخوانraquo; وجماعات الإرهاب والتطرف الإسلامي جرى تفعيلها بشكل مؤثر للغاية، وهو ما أثبت مفعوله في الشارع، حيث جرت مواجهات عنيفة شبه يومية بين قوى الأمن وأعضاء الوطني والتجمع من ناحية، وجماعة الإخوان وكوادرها من ناحية أخرى. وكان الهدف الثاني المتفق عليه هو منع تكرار تجربة انتخابات 2005 عندما حصل laquo;الإخوانraquo; على 88 مقعدا، وهو ما تم انجازه، حيث شهد الشارع المصري حملة سياسية إعلامية أمنية حزبية مركزة ضد laquo;الإخوانraquo;، وتم سحب شعارهم الأثير laquo;الإسلام هو الحلraquo;، بفعل قرار من اللجنة العليا للانتخابات، باعتباره laquo;دينياraquo;، مما اضطر laquo;الإخوانraquo; الى رفع شعار laquo;نحمل الخير للجميعraquo;، وهو شعار فضفاض.
عمليا، laquo;الإخوانraquo; هم أكثر القوى التي كانت تريد رقابة دولية واسعة على الانتخابات ليضمنوا أجواء ملائمة، وهذا ما لم يتحقق، وتلك مفارقة تدعو للاستغراب والاندهاش. فالجماعة المحظورة التي تعادي الغرب laquo;الكافرraquo; فتحت كل الجسور الممكنة أمام كل منظمات حقوق الإنسان واللجان الرسمية في وزارات خارجية الدول الكبرى حول ما يحدث في الانتخابات المصرية في محاولة، أولا لدعوة تلك الدول لمراقبة الانتخابات، وثانيا عقاب مصر بسبب ما أسمته laquo;عملية استئصال للجماعة من الخريطة السياسية في مصرraquo;.
.. والتطرف الإسلامي
والخطاب الإعلامي المصدر من مصر على كل حال، شهد توافقا من معظم القوى السياسية، سواء تلك التي في الحكم، أو تلك الموجودة في مقاعد المعارضة المحدودة على تحذير وتخويف العالم من مغبة السماح للإخوان وجماعات العنف الإسلامي بركوب عربة الديموقراطية. فهم يرفعون شعارات الديموقراطية والحريات العامة للوصول الى الحكم، ثم تطبيق المرحلة الثانية من شعارات إقامة الدولة الدينية.
التوافق الذي تم من دون تمهيد بين الحزب الوطني وكل من الوفد والتجمع والناصري كان تحت شعار laquo;حماية الدولة المدنية وحقوق المواطنة من القوى التي تريد الانقضاض على هذا النظام وإقامة دولة دينية تفتح آفاق التطرف، بل والإرهابraquo;. وهي لغة وجدت ترحيبا كبيرا لدى الغرب الذي وجد نفسه مضطرا الى السكوت عما يحدث من انتهاكات وتجاوزات في مجال المنافسة السياسية، والقبول باحتكار الحزب الو طني للسلطة بوسائل مختلفة.
بالتالي، فقد قرأ الجميع - في الداخل والخارج - الرسالة الأكثر أهمية حول مخاطر إطلاق النمور من معاقلها، وهو ما لقي ترحيب الخارج، رغم الانتقادات الإعلامية لوقائع الانتخابات المصرية.
التعليقات