الصحافة الفرنسية: قطر تستضيف أول quot;مونديال عربيquot; و فرنسا والاقتصاد الهندي

أبرز الملفات على أجندة زيارة ساركوزي للهند، والمآخذ الفرنسية على تسريبات ويكيليكس، ودلالة اختيار قطر وروسيا لاستضافة كأس العالم، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.

محور باريس - نيودلهي

تزامناً مع زيارة ساركوزي الحالية للهند نشرت لوموند تحليلاً سياسيّاً حول واقع ومستقبل العلاقات الفرنسية- الهندية، ساعية لتسليط الضوء على أبرز رهانات زيارة الرئيس الفرنسي. ولاحظت الصحيفة أن هذه الزيارة تأتي بين زيارة أوباما للهند ضمن جولته التي قادته إلى قمة مجموعة العشرين الأخيرة في سيئول واعتبرت لدى بعض المراقبين مسعى أميركيّاً واضحاً لحشد تحالف مع الهند ضد الصين، وزيارة مدفيدف الساعي هو أيضاً على الدفع مجدداً بالشراكة الاستراتيجية التقليدية مع نيودلهي خاصة في المجالين النووي والعسكري. واليوم يحضر ساركوزي إلى هناك وهو على رأس قمة مجموعة العشرين مزاحماً لنيل موطئ قدم في مواجهة تجاذبات الثنائي الصيني الأميركي، وقد أثبتت تجربة رئاسة المجموعة خلال رئاسة كوريا الجنوبية، كم هو مهم ومحوري أن تتحول الهند، وفرنسا ومن ورائها أوروبا، إلى لاعبين محوريين ضمن توازنات عالم تتنامى تعدديته القطبية مع مرور الوقت. وزيادة على هذا، وبعيداً عن الأحلام البعيدة، تضع زيارة سيد الأليزيه أيضاً على رأس أجندتها المصالح الخاصة بفرنسا تحديداً، وفي الهند الكثير مما يسترعي الاهتمام. وفيما يخص نيودلهي، تقول لوموند، فقد ظلت دبلوماسيتها حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي، تراوح بين رؤية دولية شمولية، ومثالية، مع جنوح أحياناً إلى الانطواء على الذات وعلى الاهتمامات الإقليمية حصراً. ولكن مع الصعود الاقتصادي بدأت توجهات نيودلهي الدولية تتطلع إلى أفق أوسع، وانخرطت في شراكات وتحالفات متنوعة، مع شركاء متعددين، ففي المجال النووي المدني دخلت شراكات مع فرنسا، والولايات المتحدة، وروسيا، وفي مجال البيئة بدت أقرب إلى مقاربات الصين، وفي مجال التجارة العالمية انخرطت مع البرازيل، وكل هذه الاصطفافات والتحولات في الموقف مفهومة طبعاً في عالم معقد تنفرط فيه التحالفات بسرعة مع افتراق المصالح والتوجهات. وبالنسبة لنيودلهي أيضاً لا توجد أوهام، فأولوياتها واضحة تماماً ومعلنة: فهي مع كل ما من شأنه دعم نسب نموها وصعودها الاقتصادي مثل فتح الأسواق في وجه منتجاتها، ودعم زراعتها، وصيانة مصالحها في فضائها الإقليمي القريب، وأمنها في مصادر الطاقة، وسهولة النفاذ إلى المواد الأولية وإلى التقنيات الحديثة، وتحديث ترسانتها الدفاعية، وكذلك محاربة الإرهاب، وأخيراً الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. أما باريس فتنتظر من نيودلهي مزيداً من الانفتاح التجاري في بعض المجالات مثل مجالي التأمين وتجارة التجزئة. وكذلك تريد تقدماً في مسار التفاوض على توقيع اتفاق التجارة الحرة الذي تناقشه الهند مع الاتحاد الأوروبي. وفوق هذا تتطلع أيضاً إلى بذل المزيد من الجهود في الهند لضمان حرية المنافسة ومراعاة المعايير الاجتماعية والبيئية. وفي نهاية تحليلها، تذهب لوموند إلى أن تكثيف الشراكة الفرنسية، مع الهند سيخلص فرنسا، وأوروبا، من ضغوط الجاذبية الصينية الجارفة. وهنالك الآن العديد من المؤشرات الدالة على إمكانية لحاق الهند بجارتها في زمن قياسي. ولذا فإن على فرنسا ألا تضيع الفرص، وألا تترك ألمانيا تغامر منفردة في اقتطاف فرص الدول البازغة. وأكثر من هذا تستطيع فرنسا، من خلال شراكة اقتصادية قوية ومثمرة، دعم سياسات نيودلهي في الاستمرار على طريق انتشال الفئات الأكثر هشاشة وفقراً في المجتمع الهندي، وهذا طريق واعد يمكن أن يكون هو صلب محور باريس- نيودلهي، خلال السنوات القريبة المقبلة.

تسريبات quot;ويكيليكسquot;

انتقدت الصحف الفرنسية على نطاق واسع ما بات يعرف بتسريبات ويكيليكس، داحضة الزعم بأنها تدخل في إطار تشجيع الديمقراطية أو تحفيز الشفافية وكشف الحقيقة. واعتبر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية صحيفة لوفيغارو المحافظة أن النشر الكثيف لوثائق زعم أنها عائدة للدبلوماسية الأميركية أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه quot;عدوانية موصوفةquot;. أما التوهم بأن كشف أسرار دولة، كبرى أو صغرى، من شأنه quot;دعم الشفافيةquot; أو الدفع قدماً بالمساءلة، فهذا لاشك سلوك طفيلي يستند إلى تصور ساذج لمفهوم الديمقراطية. وعلى العكس، من دون احترام كامل لثقافة القانون والالتزام بها، فلا وجود للديمقراطية من حيث هي. وأكثر من هذا أن تسريبات موقع ويكيليكس تستبطن انتقائية لا تخطئها الملاحظة، إذ لم تستهدف بالأذى سوى الولايات المتحدة، وحلفائها. أما في افتتاحية صحيفة ليبراسيون quot;اليساريةquot; فقد أكد الكاتب لوران جوفرين أن على الدول الحرص عموماً على أسرارها في عالم تجتاحه النزاعات والصراعات المدمرة، ومن هنا فإن ما قام به الموقع المذكور يتنكر لهذا الحق، ويخرقه بشكل لا لبس فيه. وفي السياق ذاته توقع جان لافالوا في افتتاحية quot;لابريس دي مانشquot; أن تعمد الحكومات مستقبلاً إلى زيادة الاحتياط فيما يتعلق بحفظ وثائقها وأسرارها، بمعنى أن تسريبات ويكيليكس سيكون لها أثر سلبي عكسي، فيما يتعلق بالشفافية وحرية تداول المعلومات. وهذا ما يشترك معه فيه أيضاً الكاتب quot;ديدييه لويquot; في افتتاحية quot;كورييه بيكارquot; الذي انتقد بقوة عملية التسريب، وخاصة لجهة آثارها العكسية على الديمقراطية، والشفافية، ويخشى أن تدفع ردة الفعل الديمقراطيات الغربية إلى تكثيف الرقابة على حرية التعبير وتداول المعلومات، بل ربما حتى العمل على إقحام نوع من quot;الأخ الأكبرquot; الرقيب على جهاز كمبيوتر كل واحد منا، يقول الكاتب.

quot;مونديالquot; قطر وروسيا

اعتبر الكاتب باسكال بونيفاس في عمود بمجلة لونوفل أوبسرفاتور أن تصميم الدولة المترشحة لاستضافة المونديال هو ما صنع الفارق لصالح كل من روسيا وقطر، اللتين فازتا باستضافة كأس العالم، على التوالي لسنتي 2018 و2022. وفي كلتا الحالتين ستجري وقائع المونديال في دولة لم تستضفها من قبل. ولاشك أن هذا الاختيار المقصود من قبل quot;الفيفاquot; يعبر عن رغبة إمبراطورية كرة القدم في التمدد في مختلف مناطق العالم. كما يعبر أيضاً عن رغبة في التجديد على أسس جيوبوليتيكية. فسيجري المونديال لأول مرة في روسيا، ما بعد الحرب الباردة. كما سيجري أيضاً لأول مرة في البلدان العربية. وإذا بحثنا عن أسباب انتصار كل من البلدين في مساعيه، فالتفسير الأكثر وجاهة هو أن كلاً منهما أظهر من التصميم والإرادة الحكومية في مساعيه لانتزاع حق الاستضافة ما تفوق به على منافسيه، وبدا معه أكثر مصداقية منهم بأشواط. ولا حاجة للتذكير، يقول بونيفاس، بأن روسيا وقطر تقودهما حكومتان قويتان ومستقرتان، ولكل منهما دبلوماسية واستراتيجية رياضية حقيقيتان. كما يعرف الجميع أن في مقدورهما توفير كافة الإمكانيات اللازمة لضمان نجاح مشروع المونديال، الذي سيجري بسلاسة، دون أن يكون رهينة للشجارات السياسية الداخلية، كما هو محتمل بقوة في حالة الدول الأخرى المنافسة. ولاشك أن الترشح الإنجليزي عانى بقوة من تحامل وانتقادات quot;بي بي سيquot; المتعلقة بفساد quot;الفيفاquot;. ولا أحد أيضاً يشك في أن التصعيد الأخير في شبه الجزيرة الكورية كانت آثاره مدمرة على ملف الترشح الكوري. وذات الشيء يصدق على الشجارات السياسية والحزبية الأخيرة في بلجيكا التي خربت فرص ملف الترشح البلجيكي- الهولندي. أما الوضع المالي المترنح في إسبانيا والبرتغال فقد كانت آثاره كارثية على ترشحهما. وقد يجادل البعض بأن اختيار الولايات المتحدة -لو وقع- كان فرصة ثمينة لترسيخ موقع رياضة كرة القدم نهائيّاً هناك، ولكن ربما يكون لدى quot;الفيفاquot; انطباع آخر، بأنها إما ترسخت سلفاً، أو أن تفشي مشاعر الانعزال والانطواء داخل أميركا نفسها، ممثلة في صعود تيار quot;حزب الشايquot;، لا يحمل أية مؤشرات طيبة. وفي المحصلة، فبعد اختيار الصين لاستضافة الأولمبياد، والبرازيل لاستضافة الأولمبياد وكأس العالم معاً، فقد جاء الآن أيضاً اختيار قطر وروسيا لاستضافة المونديال، ليؤشر إلى أن طريقة اختيار الدول المضيفة، للمنافسات الرياضية المعولمة، أصبحت دليلاً ساطعاً آخر على عودة التعددية القطبية العالمية.

إعداد: حسن ولد المختار