قاسم حسين

تظهر بعض البرامج الجماهيرية في الفضائيات الناطقة بالعربية أن هناك قطاعاً كبيراً من الشارع العربي يؤمن بأن وثائق laquo;ويكيليكسraquo; مجرد مؤامرة أميركية خبيثة لتنفيذ أهداف أخرى.

كشف الوثائق استنفر الخارجية الأميركية، فأجرت الوزيرة هيلاري كلينتون اتصالات استباقية مع العواصم المعنية عبر العالم لمحاصرة تداعيات الفضيحة، فهي المعنية الأولى بهذه التسريبات الصادرة عن البعثات الدبلوماسية الأميركية.

مدير laquo;ويكيليكسraquo; جوليان آسانج ينام على كنز ضخم من الوثائق، والعالم لم يطلع حتى الآن إلا على عشرة في المئة منها، وقد هدّد محاميه بكشف أسرار أخرى في حال تعرّض موكّله إلى الخطر. وقد دعا آسانج مؤخراً مستخدمي شبكة الانترنت إلى إنشاء مواقع مطابقة لموقعه لكي يجعل من إزالته عملية مستحيلة. ومع ذلك مازال الكثيرون في العالم العربي والإسلامي يضعون ما جرى ضمن نظرية المؤامرة. وهذا الموقف يعود إلى إرث تاريخي متراكم تجاه الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مواقف عدد من الأطراف المحلية التي تتمتع باحترام لدى الشارع بسبب مواقفها السياسية المستقلة.

رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان اعتبر الوثائق غير جادة، و laquo;افتراءاتraquo; و laquo;ثرثرةraquo; دبلوماسيين، في ردٍّ على اتهام حكومته بالفساد، متحدياً الموقع بإثبات امتلاكه ثمانية حسابات سرية في البنوك السويسرية. ولم يختلف موقف إيران كثيراً عن تركيا، فقد اعتبرتها محاولة مخابراتية خبيثة لزرع الشقاق مع جيرانها. ورغم تكرار هذا الموقف على ألسنة العديد من المسئولين الإيرانيين، إلا أن كلمةً ربما أفلتت من الوزير منوشهر متقي في مؤتمره الصحافي في laquo;حوار المنامةraquo; السبت الماضي، حيث قال: laquo;يجب التعامل مع هذه الوثائق بجديةraquo;.

الضرر الذي تسبب فيه النشر على الولايات المتحدة وسياستها، لهو ضررٌ بالغٌ لا ريب فيه، أقله تعرية نظام العمل الدبلوماسي الأميركي، والتعامل الحذر مستقبلاً مع الدبلوماسيين. فهذه الدولة العظمى التي تمتلك ناصية التكنولوجيا المتقدمة، وقفت عاجزةً عن حماية أدق أسرارها وأنظمة معلوماتها... فكيف تؤمّن الأمن للآخرين؟

آخر ما نشره الموقع، قائمة أصدرتها وزارة الخارجية عن أهم المواقع الاقتصادية والاستراتيجية في العالم، بما فيها من مواقع عسكرية ومصانع أدوية وكيماويات، وأهم الثروات والبنى التحتية في دول العالم الصديقة والعدوة.

في أوج الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كان الروس يتحدّون الأميركان بقدرتهم على زرع laquo;طبّاخraquo; للرئيس في البيت الأبيض، وكان الأميركيون يردون عليهم بقدرتهم على زرع أجهزة تنصت دقيقة في فم زعيم الكرملين. وقد دار الزمان ووضعت الحرب الباردة أوزارها، وتقدّمت أجهزة التنصت وأساليب التجسس على الدول والأفراد، وكان النصيب الأوفر لدى الولايات المتحدة.

لم يكن يدور بخلد رئيسٍ أميركي أو وزير خارجيته، أن يقف يوماً حائراً، عاجزاً، قليل الحيلة، أمام تسريب هذه الأطنان من الوثائق وأسرار الدولة، ما جعل الإدارة الأميركية تشعر كمن يمشي عارياً في الشارع العام.